م.د. عبير مرتضى حميد
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية
نيسان/ ٢٠٢٤
شهدت أسعار النفط الخام ارتفاعًا جيدًا خلال الفترة الأخيرة، نتيجة لتخفيضات الإنتاج من قبل أوبك وحلفائها، مما أدى إلى توازنات أكثر استقرارًا في سوق النفط. وعلى الرغم من ذلك، جاء الرد الإيراني على إسرائيل، بإطلاق العديد من الطائرات بدون طيار، وصواريخ كروز، في 13 نيسان، احتجاجًا على الغارة الجوية المشتبه بها، التي نُفذت على سفارة طهران في دمشق، مما زاد من حدة التوترات، وأثر في الجهود التي بذلتها مجموعة أوبك بلاس، في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بين إسرائيل وحماس، وروسيا وأوكرانيا.
وقد أقر تحالف أوبك بلاس بسلسلة من تخفيضات الإنتاج، وآخرها كان مفعوله ابتداءً من 1 يناير، بهدف تحسين الثقة في سوق النفط المضطربة، بسبب توقعات غير مؤكدة بشأن الاقتصاد العالمي، والتضخم المستمر في الأسواق الرئيسة، فضلا عن البيانات المتناقضة من الصين. وتشير العديد من المنظمات والوكالات المعنية بالنفط، إلى احتمال حدوث نقص في الإمدادات النفطية خلال هذا العام، مما يرجح ارتفاع الأسعار بناءً على هذه التوقعات.
وجاء الهجوم الإيراني ليزيد من حالة القلق والتوتر في الأسواق، إذ أكد جيم بوركهارد، رئيس S&P Global Commodity Insights لأبحاث النفط الخام والطاقة والتنقل، أنَّ “الهجوم الإيراني المباشر على إسرائيل يثير قلقًا كبيرًا، لاسيّما بالنسبة لسوق النفط”، مشيرًا إلى أنَّ “الحرب ليست حول النفط، ولكن تدفقات النفط قد تتأثر بشكل كبير”. كما أشار إلى أنَّ القطاعات المتصلة بالنفط مباشرة وغير مباشرة، مثل قطاع الطيران، قد تتأثر بشكل خاص، إذ ألغت العديد من شركات الطيران في الشرق الأوسط رحلاتها، أو قامت بتغيير مساراتها، مما يمكن أن يؤثر في الطلب على وقود الطائرات، ومن ثَمَّ في سعر النفط.
فيما يتعلق بالأسواق المالية، شهدت بورصات آسيا والمحيط الهادئ، تراجعًا يوم الاثنين، بسبب تقييم المستثمرين لتأثير الهجوم الإيراني. وفيما يتعلق بأسواق المعادن، ارتفع سعر الذهب بشكل ملحوظ، ليقترب من المستويات القياسية، إذ وصل تداوله في الأسواق ما يقارب (2400) دولار للأوقية، نتيجة للطلب المتزايد عليه كاستثمار آمن، في ظل عدم اليقين السياسي والاقتصادي.
يظل الاهتمام الدولي مرتكزاً على تأثيرات هذه التوترات، في الأسواق النفطية والمالية العالمية، لاسيّما في ظل تصاعد الصراعات المحتملة، في المنطقة الشرقية للشرق الأوسط. وفي حال استمرار هذه التوترات، يمكن أن تشهد أسواق النفط مزيدًا من التقلبات، مما قد يؤثر بشكل عام في الاقتصادات العالمية.
ويظل القلق مرتفعًا حيال رد إسرائيل المحتمل على إيران، لاسيّما في حال استهداف المنشآت النفطية، مما قد يؤدي إلى تأثيرات كبيرة في الأسواق النفطية. فإيران تحتل مكانة بارزة كمنتج للنفط على مستوى العالم، فوفقا للإحصائيات، إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، تعد ايران سابع أكبر منتج للنفط في العالم ، وثالث أكبر عضو في كارتل منتجي النفط في أوبك، إذ بلغ إنتاجها من الخام (3.12) مليون برميل يوميًا. أو قد يكون الرد بأسلوب آخر، ألا وهو فرض عقوبات أمريكية مشددة على إيران، وتأثيرها في صادرات النفط التي تعتمد عليها إيران بشكل كبير. ذلك قد يضع الضغط على منتجي النفط الرئيسيين في أوبك، مثل المملكة العربية السعودية، لزيادة الإنتاج، لتعويض أي نقص في التدفقات الإيرانية، لاسيّما مع إعلان وكالة الطاقة الدولية، أنَّ تحالف أوبك بلاس لديه ما يقدر بـ (6) ملايين برميل في اليوم، من الطاقة الإنتاجية الفائضة، التي يمكن استغلالها. وعلى الرغم من احتمالات أن يكون التصعيد بأسلوب عسكري أو بأسلوب اقتصادي، إلا أنَّ تصعيد الأمر ليس من مصلحة دول أوبك بلاس، ولا دول العالم، فمن المعلوم أن يقول المحللون: إنَّ الشحن يمر عبر مضيق هرمز، وهذا المضيق الذي يقع بين عمان وإيران، وهو طريق ملاحي مهم لإمدادات التجارة والنفط، يمر عبره نحو (20٪) من إجمالي إمدادات النفط العالمية، حيث ترسل السعودية وإيران والإمارات والكويت والعراق معظم صادراتها النفطية عن طريقه، والذي تصدره عبر المضيق. وإنَّ أي تصعيد من قبل أمريكا أو إسرائيل، قد يجعل إمكانية إغلاق مضيق هرمز من قبل ايران ممكنًا.
على الرغم من استمرار الجهود للحد من التوترات، ومنع تصاعد الصراعات على المستوى العالمي بشكل عام، وفي منطقة الشرق الأوسط التي تمثل (40٪) من صادرات النفط العالمية، فلا بد من دراسة الآثار المحتملة لأي تصعيد، في أسعار النفط، والاستقرار الاقتصادي العالمي. كما يتعين على أوبك وحلفائها التعاون بشكل وثيق، لتجنب أي تداعيات سلبية قد تطال السوق النفطية والاقتصادات العالمية.