ثقـــــــافة السلم الاجتماعي والتعايش السلمي في المجتمع

      التعليقات على ثقـــــــافة السلم الاجتماعي والتعايش السلمي في المجتمع مغلقة

الدكتور ادريس عبد الله فيصل

دكتوراه في القانون العام

جامعة كربلاء / كلية العلوم الطبية التطبيقية

تتجسد حماية السلم الاجتماعي والتعايش السلمي في المجتمع بوصفه الاساس الذي تبنى به الدولة والذي يعبر عن اتفاق الافراد على المشتركات العامة بين المكونات الوطنية المستندة على التكيف مع التنوع الاجتماعي واعتماد نظام التعددية الذي تتكون على اساسه الهوية الوطنية الشاملة , وتتجدد بموجبه اسس تكوين وممارسة السلطة التي تضفي عليه الشرعية  وان الوصول الى اتفاق بشأن هذه المشتركات ووضع القواعد والاسس الخاصة بها سواء ما يتعلق بالتنوع من حيث قبول التكيف معه او السلطة من حيث تكوينها او ممارستها تحت ظل سيادة القانون يشكل وبما اثبتته التجربة الانسانية اساس وجود الدولة التي ينتمي اليها الجميع والتي يمكن وصفها بالدولة القانونية او الدولة الرشيدة التي تتميز عن غيرها في شرعيتها وقدرتها على الاحتفاظ بالاستقرار.

فالسلم الاجتماعي يعد الاتفاق الشعبي بين المكونات  الوطنية نحو اقامة دولة قانونية مدنية تعتمد على ثقافة التعددية بقبول التكيف مع التنوع واعتماد قواعد لتكوين وممارسة السلطة.

فالتعددية في ظل السلم الاجتماعي تمثل نظام القيم والمؤسسات والمواقف والاليات التي يمكن ان تترجم هذا الواقع المتنوع الى التعايش السلمي والتماسك الاجتماعي المستدام والاستقرار السياسي والتنمية اقتصادية فضلاً عن كونه نظام يقبل التنوع بوصفه قيمة ايجابية ويسهل اعتماد لغة الحوار والمفاوضات الدائمة والتوفيق بين العديد من انواع الاختلافات للوصول الى هوية وطنية مشتركة تستوعب الجميع وتحترم خصوصياتهم كمكونات اساسية متساوية في الحقوق والواجبات دون السعي للقضاء على الاخر او استبعاده او ادماجه قسرا.ً

واذا كان التنوع والتعددية حقيقة كونية واساس السلم الاجتماعي وانه لابد من حصول الاختلاف كنتيجة طبيعية له , فأن ادراك التكيف والتعايش السلمي معه لازمة لتحقيق السلم الاجتماعي الذي يتمثل بوساطته الهوية الوطنية الجامعة التي يتحقق بها وصف الشعب ركناً في بناء الدولة من خلال نظام التعددية قيماً وآليات وتدابير

وجدير بالإشارة الى ان السلم الاجتماعي يعد عنصراً من عناصر الامن الانساني وجزء فعال في تحقيقه لكنه يختلف في نطاقه اذ يتحدد السلم الاجتماعي باتفاق الافراد على بناء دولة تقدم على الاعتراف بالتنوع والمشاركة بالسلطة دون تمييز بأي شكل من الاشكال في حين يتخذ الامن الانساني نطاقاً اوسع في الشأن الداخلي للدول.وبالتالي فأن المصلحة في السلم الاجتماعي والتعايش السلمي تكمن في حمايته وهذا يتم باعتماد الاسس والاليات القانونية الدولية من خلال الاتفاقيات والمواثيق والاعلانات العالمية والاقليمية فضلاً عن التشريعات الوطنية وعن طريق نصوص دستورية وقانونية في الدساتير والقوانين الوطنية.

ان اهمية السلم الاجتماعي  تتأتى من اهمية الحفاظ على النسيج الاجتماعي والتعايش السلمي تحقيقاً لتماسك الهوية الوطنية.

ان  السلم الاجتماعي في اي مجتمع يمثل القاعدة الاجتماعية الاساسية التي ينطلق فيه افراد المجتمع في تامين تعايشهم السلمي على الصعيد الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتعليمي وفي المجالات كافة ومن خلاله يتحقق لهم توفير امنهم واستقرارهم والبحث عن مصادر معيشتهم ومصالحهم المادية وفي ظل السلم الاجتماعي يمكن تحقيق التنمية والتقدم والبناء مع حفاظ جميع الافراد على صون ممتلكاتهم وتبادل منافعهم المشتركة فضلا عن انه بالسلم الاجتماعي الحامل للوئام والسلام تتعاضد الجهود بين افراد المجتمع وتتوحد قدراتهم وتعاونهم في خدمة بعضهم البعض وبالتالي خدمة وطنهم وفقدان السلم الاجتماعي والاهلي يشل التنمية الطبيعية في تدهور الامن وزعزعه الاستقرار في المجتمع.

وتأسيسا على ذلك فان مفهوم السلم الاجتماعي يمثل حالة السلام والوئام بين مكونات المجتمع كافة ويعد عنصر اساسي من عناصر تقدم المجتمع وتطوره .

ان تطبيق التعايش السلمي  على ارض الواقع لا يختصر مطالب تحقيقه على جهة معينه فقط بل يشكل حلقة مجتمعية تكاملية تتمسك به كل قوى ومكونات المجتمع الوطني وتتحد طبيعة سلوك ممارسات افراد المجتمع بواقع السلم الاجتماعي والاهلي من خلال  بروز ظواهر حسن روابط العلاقات المجتمعية والقبول بواقع حالة التعايش السلمي  صور التواصل الاجتماعي بين مكونات المجتمع كافة وبمدى تطبيق معاني السلم الاجتماعي والتعايش السلمي القويم , وقد نادت الاديان السماوية كافة بضرورة التعايش السلمي والسلم الاجتماعي ومنها الدين الاسلامي الحنيف حيث قال الله تعالى بمحكم كتابه الكريم (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِين)) وقوله تعالى  ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )) صدق الله العلي العظيم.