باحث في قسم الدراسات القانونية
مركز الدراسات الاستراتجية
جامعة كربلاء
يطلق على حقوق الانسان بالحقوق التضامنية، ومنها الحق في البيئة، ومتداولا في الدراسات القانونية بأنَّ حقوق الانسان تعد من الجيل الثالث، بعد الحقوق السياسية والمدنية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومن ثم يمكن القول: إنَّ الحق في البيئة يعدّ حقًا من حقوق الجيل الثالث، والذي يتميز بظهوره في مرحلة ما بعد الحداثة، التي شهدت تحولات كبيرة في النظم القانونية، ومنها منظومة حقوق الإنسان. وتعد البيئة المحيط الذي تعيش فيه الكائنات الحية بجميع عناصره، والتأثيرات الناجمة عن نشاطات الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومن ثَمَّ الحق في البيئة يعني: (حق الإنسان في أن يعيش في بيئة متوازنة، تسمح له بحياة كريمة خالية من مصادر التلوث)، وبهذا يكون الانسان هو المستفيد الأول من هذا الحق، إذ ترتبط حياته بعيش مزدهر بوجود وسط بيئي نظيف وصحي خالٍ من مصادر التلوث.
يعد الوصول إلى بيئة سليمة ومتوازنة شرطًا أساسيًا ومسبقًا للتمكين والانتفاع بحقوق الإنسان، وبالمقابل فإنَّ ضمان مستوى معين من حقوق الإنسان، قد يسهم اسهامًا إيجابيًا في المحافظة على البيئة وحمايتها، وأدى هذا التلازم بالمناداة بضرورة الربط بين موضوعي البيئة وحقوق الإنسان، نظرًا لاكتشاف العلاقة بين التدهور البيئي وآثاره السلبية، على التمتع بجملة من الحقوق، على اعتبار أنَّ البيئة تعد الفضاء الرئيس لممارسة الإنسان لحقوقه.
وإيضاح العلاقة التكاملية بين البيئة وحقوق الإنسان من الوجهة القانونية، تبحث من جانبين: أحدهما سلبي يقوم على أساس أن التمتع بحقوق الإنسان، يؤدي بالضرورة إلى الاعتداء على البيئة وتدهورها، مما يتطلب تقييد تلك الحقوق، والحد من الانتفاع بها، حماية للبيئة والمحافظة عليها من التلوث. فمثلا التغير المناخي يعد أبرز المشكلات القانونية التي يعاني منها المجتمع الدولي اليوم، والناتج عن ظاهرة الاحتباس الحراري، نتيجة القيام بالأنشطة الصناعية، على اعتبار أنَّها تدخل ضمن الحق في الملكية، فهنا تقييد هذا الحق هو حماية لحقوق الانسان، بمنع تلوث البيئة عن طريق منع القيام بتلك الأنشطة، والمحافظة على المساحات الخضراء، ومنعها من التجريف والتفتيت لتلك الملكية. وثانيهما الجانب الإيجابي للعلاقة بين حقوق الإنسان والبيئة، فكلما عززنا حقوق الإنسان أسهمنا بطريقة غير مباشرة في حماية البيئة، والعكس كلما وفرنا حماية أكبر للبيئة زاد ذلك في فرص تمتع الإنسان بحقوقه المعترف له بها، مما يعني أنَّ الحقين أحدهما يكمل الآخر، وهما مرتبطان ارتباطًا وثيقًا ببعضهما، بحيث إنَّ تحقق الأول يعد شرطًا أساسيًا لتحقق الثاني، وهنا تظهر علاقة التكامل بينهما.
ومن ثَمَّ فإنَّ لتلك العلاقة التكاملية بين حقوق الانسان والبيئة، تجعل حقوق الجيل الثالث تتميز بأنَّها تتعلق أساسًا بصاحب الحق والمدين به، فصاحب الحق هنا ليس فقط الفرد، بل الكل الفرد والمجتمع والجمعيات وحتى الدولة، بحيث قد يتحول الفرد إلى مدين في الوقت نفسه لمصلحة الغير، ويجب عليه حماية البيئة إلى جانب باقي الفواعل الحكومية وغير الحكومية، وذلك لكون أنَّ المسائل البيئية لا يمكن حلَّها إلا بتضافر جهود الجميع، وعلى المستويات كافة، سواء المحلية أو الدولية، وبهذا يتجسد معنى الحقوق التضامنية.
لذا نصَّت العديد من الدساتير الوطنية على هذه المسالة، حيث اعتبرت بأنَّ للفرد الحق في بيئة صحية وملائمة، وفي الوقت نفسه رتبت عليه واجب حمايتها إلى جانب باقي الفواعل، فمفهوم التضامن ينظر إليه كمفهوم يمكنه معالجة تعقيدات القضايا البيئية، عن طريق تعدد المكلفين بالتزامات الضمان، فمهما كانت قدرة الدولة وتطورها وامتلاكها للوسائل البشرية والمادية، فإنَّها قد تعجز عن حماية البيئة بمفردها، وضمان حق أفرادها في ذلك إن لم يتعاون الجميع.
إذ نجد، ولأول مرة في تاريخ الدولة العراقية منذ تأسيسها عام 1921، بأنَّ دستور عام 2005، قد أشار بصورة صريحة إلى الحق في البيئة، فالمادة (33) تنص: (أولاً – لكل فرد حق العيش في ظروفٍ بيئيةٍ سليمة. ثانياً- تكفل الدولة حماية البيئة والتنوع الاحيائي والحفاظ عليهما). وتطبيقاً لذلك صدر قانون وزارة البيئة رقم (37) لسنة 2008، ليتضمن ضمن نصوصه حماية البيئة، وبعدها صدر قانون حماية البيئة وتحسينها رقم (27) لسنة 2009، لتكتمل العملية التشريعية الخاصة بحماية البيئة، مع وجود قانون حماية وتنمية الانتاج الزراعي رقم (71) لسنة 1978، وبتلك المجموعة التشريعية الكاملة، تكون قد فرضت على الدولة والأفراد وبقية الفواعل في المجتمع، التزامات تضامنية بالحفاظ على البيئة، لتحقق حقوق الانسان عن طريق منع التلوث، وتأمين الأمن الغذائي.
وما نشاهده في تلك الفترة من تعرض المنتوجات الزراعية لآفات خطرة، ولاسيما ما يطلق عليه ذبابة الفاكهة، التي تفتك بالمنتوج الزراعي، وتؤثر في الأمن الغذائي، ومستوى الدخل المعاشي للأفراد، وزيادة البطالة عن طريق ترك أصحاب الأراضي الزراعية لمهنهم، وفي ذلك تأثير في البيئة وحقوق الإنسان، لذا تكون الدولة المدين بالمقام الأول، التي تلزمها النصوص القانونية الدولية أو الداخلية، بضرورة حماية البيئة عند انتهاكها من أي طرف كان، في حالة تأثر حقوق الأفراد بها، لذا يكون لزامًا على الدولة، اتخاذ الاجراءات الكفيلة ومتابعتها مع الجهات الحكومة ذات العلاقة بالموضوع، لمكافحة تلك الآفات، وحماية البيئة كحق من حقوق الانسان.