أ.م. علي مراد النصراوي.
مركز الدراسات الاستراتيجية/ قسم إدارة الأزمات.
حزيران/ 2024
يكاد يكون النظام السياسي في إيران، الفريد من نوعه على مستوى العالم، وفقاً للهياكل التي يستند إليها، إذ يجمع بين أكثر من شكل في الوقت ذاته، وجود رئيس منتخب من الشعب يخضع لمراحل عدة قبل أن يتم ترشيحه، فضلا عن أنَّه يتولى تعيين الوزراء، ويقود السلطة التنفيذية في الوقت نفسه لا يوجد رئيس للوزراء، مع وجود قيادة عليا متمثلة بالمرشد الأعلى، إلى جنب عدة مجالس ذات صلاحيات متفرقة، كما أنَّ السلطة التشريعية تتكون من مجلس الشورى، الذي يجري انتخابهم بصورة مباشرة من قبل الشعب، إلى جنب مجلس صيانة الدستور الذي يتكون من (12) عضواً، (6) منهم رجال دين يعينهم المرشد الأعلى، إلى جنب الـ (6) الآخرين من القضاة، الذين يعينهم رئيس السلطة القضائية.
وفي أعقاب سقوط مروحية الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي، مع عدد من الوزراء والمسؤولين، وهي حادثة تمثل صدمة في الداخل الايراني وحتى الخارج، لذلك تصاعدت التساؤلات حول المرحلة التالية، ما بعد خلو المنصب.
بحسب الدستور الإيراني، يتولى نائب الرئيس، والذي هو الآن السيد محمد مخبر، مهام الرئاسة بصورة مؤقتة لمدة (50) يوماً، على أن يتم إجراء انتخابات رئاسية جديدة، إذ تنص المادة الـ(131) من دستور الجمهورية الإيرانية، على أنَّه “في حالة وفاة رئيس الجمهورية، أو عزله، أو استقالته، أو غيابه، أو مرضه لأكثر من شهرين، أو في حالة انتهاء فترة رئاسة الجمهورية، وعدم انتخاب رئيس جديد، يتولى المعاون الأول للرئيس أداء وظائف رئيس الجمهورية، ويتمتع بصلاحياته بموافقة القيادة”، والقصد هنا المرشد الأعلى، وكما اسلفنا أنَّ النظام السياسي الإيراني، يرتكز على سلطات ثلاث، هي: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، إلا أنَّ الكلمة النهائية في السياسات العامة للدولة تعود للمرشد الأعلى، ويتولى رئيس الجمهورية تعيين مجلس الوزراء وإدارته، نظرا لعدم وجود منصب رئيس الوزراء، فضلا عن وضع السياسات الاقتصادية والمالية للبلاد، والإشراف على تنفيذ السياسة الخارجية.
أمّا عن الفترة القادمة فتتمثل في أنَّ الرئيس المؤقت، سوف يتولى مهام رئيس الجمهورية ومسؤولياته ويتمتع بصلاحياته، إلا أنَّه “لا يمكن له استيضاح الوزراء، أو حجب الثقة عنهم، وليس من مهامه القيام بإعادة النظر في الدستور، أو إصدار الأمر بإجراء الاستفتاء العام في البلاد”، على وفق المادة (132). كما أنَّ المدة المتبقية سيجري التركيز في الإعداد للانتخابات، في ظل تصاعد التحديات، لأسباب عدة، أولها: الوضع العام الايراني الداخلي، وتحدي وجود الكثير من الأطراف المعارضة، قد تجد في ذلك فرصة لإثارة الاحتجاجات مجدداً، فضلا عن الغموض الذي يكتنف حادثة الرئيس رئيسي أيضاً. والتحدي الأصعب هو الوضع الاقليمي المشحون، لاسيّما أحداث غزة، وملف العقوبات على إيران، وحالة التصعيد ما بين إيران وإسرائيل في أعقاب الرد المتبادل، وبحسب المادة التاسعة والتسعين من الدستور الإيراني، يقوم مجلس صيانة الدستور بالإشراف على انتخابات مجلس خبراء القيادة، ورئيس الجمهورية، وأعضاء مجلس الشورى، وعلى الاستفتاء العام، وهناك فقرة مهمة ومفصلية، وهي أن يتولى المجلس مهمة ضمان مطابقة ما يصدق عليه مجلس الشورى مع الأحكام الإسلامية والدستور، ويبقى مجلس صيانة الدستور، يمثل دور “المحكمة الدستورية” بالأنظمة السياسية الأجنبية، لأنَّ قرار الفصل في قبول أو رفض ترشيحات المرشحين، هي من ضمن مهامه، والموضوع ليس اعتباطاً، إذ إنَّ المادة (115) من الدستور الإيراني، حددت الشروط التي يجب توفرها في رئيس الجمهورية، على أن يكون “من بين الرجال المتدينين السياسيين الذين تتوفر فيهم الشروط التالية: أن يكون إيراني الأصل ويحمل الجنسية الإيرانية، وقديرا في مجال الإدارة والتدبير، وذا ماضٍ جيد، وتتوفر فيه الأمانة والتقوى، ومؤمناً ومعتقداً بمبادئ الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمذهب الرسمي للبلاد”.
وبحسب الكثير من المتابعين للشأن الايراني، إنَّ الموضوع سيسير وفق ما مخطط له، من فتح باب الترشيح، وعمل فلترة للمرشحين، وربما سيجري التوجه نحو اختيار شخص أكثر اعتدالاً، وربما من الدماء الجديدة، في محاولة لبث رسائل اطمئنان للداخل الايراني وحتى الخارجي، فاستقرار النظام يقع ضمن اولويات إيران الآن، وإنجاح دور المؤسسات، وترسيخ قيمها، والالتزام بالدستور .