م.م قسمه عزيز
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية
حزيران/ 2024
في إشارة واضحة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، إلى أنَّ العقوبات الأمريكية، لا يقتصر فرضها فقط على الدول والأشخاص، بل من الممكن أن تفرضها على المؤسسات والمنظمات الدولية. بعد أن طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان في 20/ أيار/ 2024، إصدار أوامر اعتقال بحق كل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، لمسؤوليتهم في ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني، وتأكد المحكمة من أنَّ هذه الجرائم الفظيعة، مستمرة منذ 8/10/2023 إلى هذا اليوم. وفي الوقت الذي تعدُّ حادثة أوامر القبض هذه الأولى من نوعها، سواء لكونها متصلة بالقضية الفلسطينية، أو لكونها تتعلق بحليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، إذ لم يسبق أن قدم المدعي العام للمحكمة الجنائية، منذ أن تأسست، أوامر قبض بحق مسؤول إسرائيلي، على الرغم من أنَّ الجرائم التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي، ليست جديدة بحق الشعب الفلسطيني، لذا يمكن أن تعد تلك الأوامر، نوعًا من إعادة الثقة من قبل الشعوب كافة بالقضاء الدولي، أو في الأقل النظر إلى المحكمة الجنائية الدولية بشكل مختلف، لكونها أصدرت أوامر القبض بحق مسؤولين، من كلا طرفي النزاع دون تميز بينهم، فضلا عن أنَّ طلب اصدار أوامر القبض ذاته، يعد خطوة غير مسبوقة، لكون المحكمة الجنائية الدولية لأول مرة، تتجرد من الضغوط الأمريكية في عدم ملاحقة حلفائها، على العكس من مجلس الأمن الدولي، الذي تخضع جميع قراراته المتعلقة بالقضية الفلسطينية، للفيتو من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، لذا جاءت ردود الفعل مختلف من قبل العديد من الدول، حال ما أعلنت المحكمة عن ذلك، إذ أكَّد مسؤولو حماس أنَّ قرار المحكمة الجنائية، هو مساواة بين الضحية والجلاد، وأنَّ هذا القرار من شأنه أن يشجع إسرائيل، على الاستمرار في ارتكاب جرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني، من جهة أخرى أن إسرائيل تعدّ ذلك وصمة عار على المستوى العالمي، في حين إنَّ مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوربي جوزيف بوريل، يرى أنَّ المحكمة الجنائية الدولية مؤسسة دولية مستقلة، ويجب على الدول التي صادقت على النظام الأساسي للمحكمة، الالتزام بتنفيذ قراراتها. من جهتها ترى بريطانيا وعلى لسان رئيس الوزراء ريشي سوناك، أنَّ قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، طلب إصدار أمر باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، غير مفيد، لكون القرار لا يساعد في وقف القتال، أو ادخال المساعدات الإنسانية، أو إخراج الرهائن. أمّا المانيا والنمسا والتشيك فيرون، أنَّ اقتراح المدعي العام اصدار أمر الاعتقال، بحق رئيس حكومة منتخبة بشكل ديمقراطي، مع ارهابي (قادة حماس)، أمر لا يمكن فهمه، وأنَّه غير مقبول على الإطلاق، لاسيّما أنَّ حماس هي التي بدأت الهجوم على إسرائيل. أمّا فرنسا فقد صدر بيان عن وزارة الخارجية، تدعم فيه استقلال المحكمة الجنائية الدولية، ومكافحة الإفلات من العقاب في جميع الحالات. أمّا الولايات المتحدة الامريكية فهي صاحبة الموقف الأكبر، لكونها لم تكتفِ بإدانة القرار، إذ في بداية الأمر، عدَّ الرئيس الأمريكي جو بايدن، طلب المدعي اعتقال قادة إسرائيل، أمرًا شائنًا، وأنَّه ليس هناك أي تكافؤ بين موقفي إسرائيل وحماس، أما وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، فرفض مساعي المحكمة الجنائية في إصدار أمر القبض بحق قادة إسرائيل، مؤكدًا على أنَّه لا سلطة قضائية للمحكمة الجنائية الدولية على إسرائيل، على اعتبار أنَّ إسرائيل ليس من ضمن الدول الموقعة على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية، على الرغم من أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية، قد سبق ورحبت بقرار المحكمة الخاص بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بسبب الحرب على أوكرانيا، وطالبت بتنفيذه، على الرغم من أنَّ روسيا ليست عضوًا في المحكمة، كما هو الحال بالنسبة لإسرائيل. شهد اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية، على طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، تصعيدا متسارعًا، إذ شرَّع مجلس النواب الأمريكي، قانونًا يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، تحت مسمى “قانون العمل المضاد للمحكمة غير الشرعية”، واتخذ القرار بأغلبية، إذ صوَّت (247) نائبًا لصالح القرار، مقابل (155) صوَّت ضده، إذ صوَّت جميع النواب الجمهوريين، والبالغ عددهم (205) نواب لصالح القرار، فضلا عن (42) نائبًا من الحزب الديمقراطي، وحال تطبيق القرار المذكور، فإنَّ القضاة والموظفين المرتبطين بالمحكمة الجنائية الدولية، وأفراد أسرهم، يمنعون من دخول الولايات المتحدة الامريكية، فضلا عن العقوبات الاقتصادية الشاملة، على الرغم من أنَّ طلب إصدار أوامر الاعتقال، لم يوافق عليه بعض قضاة المحكمة الجنائية الدولية، البالغ عددهم (18) قاضيًا، والذين يحملون جنسيات دول مختلفة، وإنَّ الأمر هو مجرد تقديم طلب، من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، إلى قضاة الدائرة التمهيدية الأولى، لإصدار أوامر القبض، ولكن في حال وافق قضاة المحكمة على طلب المدعي العام، فإنَّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، ووزير دفاعه، معرضين للاعتقال في جميع الدول الموقعة على نظام روما الأساسي، والبالغ عددها (124) دولة، لذا هل من الممكن أن نشهد نهاية عهد إسرائيل في الإفلات من العقاب، على مختلف الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، منذ عقود لمجرد كونها مدللة أمريكا؟
هذا، وقد سبق أن وجه أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي، تهديدات إلى موظفي المحكمة الجنائية الدولية وعوائلهم، فضلا عن تهديد المدعي العام للمحكمة وعائلته، وقد عدّوا الموضوع ليس متعلق بسيادة إسرائيل وحدها، بل تعدّ تهديدًا مستقبليًا للولايات المتحدة الأمريكية، لذا يمكن عد الدعم الأمريكي إلى إسرائيل، والحصانة التي تمنحها لحكومة نتنياهو، السبب الرئيس دون أدنى شك، في عدم تطبيق قرار محكمة العدل الدولية، الذي طالبت فيه بإيقاف الإبادة الجماعية في قطاع غزة من قبل إسرائيل، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع بشكل فوري وعاجل، فضلا عن عدم الامتثال إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2728، الذي ينص على الإيقاف الفوري لإطلاق النار قي القطاع، إذ إنَّ إسرائيل تعدُّ نفسها محصنة ضد أي قانون دولي، وذلك بحكم طبيعة النظام الدولي، والذي يمكن وصفه بالمختل وغير المتوازن، بسبب هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، وتيسير النظام الدولي وفقا لما تقتضيه مصلحتها.
عقوبات أمريكا تطال المحكمة الجنائية الدولية
التعليقات على عقوبات أمريكا تطال المحكمة الجنائية الدولية مغلقة