م.م. نبيل خالد مخلف
باحث مشارك في قسم إدارة الأزمات/ مركز الدراسات الاستراتيجية
nabil.kh.mik@gmail.com
منذ أن بدأت الحرب الروسية الأوكرانية، وتصاعد العمليات العسكرية بين الجانبين، تمكنت روسيا بفعل ما تملكهُ من العدة والعدد، من فرض السيطرة الكاملة على عدد كبير من المواقع الاستراتيجية داخل الأراضي الأوكرانية. وعلى الرغم من الدعم الكبير من الجانب الأمريكي الغربي لحكومة (فولوديمير زيلينكسي)، إلا أنَّ تواصل العمليات العسكرية، وتصاعد حدة القتال، أدت إلى تكبيد أوكرانيا خسائر كبيرة، وهو ما كان متوقعاً في ظل ما تملكهُ كييف من إمكانات عسكرية، إذ لم تكن روسيا بمنأى عن هذه الخسائر، فقد عانت من المصير نفسه الذي وقع على القوات الأوكرانية، في عدد من ساحات القتال، إذ بلغ عدد قتلى الجيش الروسي وجرحاه، منذ بدء المعركة وحتى الآن، نحو ما يقارب (528.620) ألف قتيل، وفق البيان الصادر عن هيئة الأركان العامة للقوات الأوكرانية. والجدير بالذكر أنَّه إلى الوقت الراهن، لا تزال كييف مصرةً على مقاومة الهجوم الروسي، لاسيَّما أنَّ الدعم الغربي حاضر، على أمل كسر جبروت القوة الروسية. والحقيقة أنَّ دخول روسيا في هذه الحرب، قد أفقدها الكثير، وتسببت في خسائر كبيرة مادية وبشرية واقتصادية واجتماعية ودبلوماسية، وهو ما يمكننا من القول إنَّ خطوة روسيا للحرب كانت غير صحيحة، إلا أنَّ الدخول في الحرب ومن ثم الانسحاب بدون نتيجة، سيكلف روسيا كثيراً، وهو ما يعني الاستمرار حتى النهاية، وهو الخيار الواضح للعالم ككل. ومن جانب آخر ترى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، أنَّ هذه الحرب خطوة للقضاء على القوة الروسية الفاعلة والمؤثرة في النظام الدولي، انطلاقاً من عمق العداء المتبادل لسياسات الأطراف الدولية، وبعد الدعم الأمريكي الأوروبي، لوحت السياسة الفرنسة بإمكانية دفع (90) ألف جندي من حلف شمال الأطلسي، للقتال ضد روسيا إلى جانب القوات الأوكرانية، وهو ما حذر منه الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين)، قائلاً: إنَّ ترسانة موسكو النووية على أتم الاستعداد، لمواجهة أي تدخل يهدد السيادة الروسية، وهو ما يعني تهديداً واضحاً وصريحاً للأطراف التي تحاول تحجيم الدور الروسي أو نهايته، وعلى هذا الأثر بات الوضع الروسي معقداً جداً، لاسيَّما أنَّ الحرب أخذت طابع الاستمرارية، وهو ما يعني الاستنزاف الكامل للقدرات، علاوةً على الدعم الأمريكي لأوكرانية، وبالرغم من ذلك فإنَّ بوتين لم يتخلَ عن أهدافه الرئيسة المتمثلة في إخضاع أوكرانيا للإرادة الروسية، إذ يرى بالقوة البشرية والمعدات الروسية (نصراً قريباً)؛ وهو ما يخالف حقيقة إنتاج الذخيرة المحلية الروسية، التي باتت لم تعد كافية لاحتياجات الحرب، لاسيَّما أنَّ العقوبات الغربية على روسيا، زادت من تكاليف إنتاج هذه الذخائر، وحتى على مستوى إصلاح الأسلحة المتضررة جرّاء عمليات التصعيد العسكري في أوكرانيا. وبحسب بيان هيئة الأركان العامة للقوات الأوكرانية، فقد بلغت خسائر روسيا من الآليات، نحو: (7974) دبابة، و(15307) مركبة قتالية، و(13959) نظام مدفعية، و(1104) من أنظمة راجمات الصواريخ، و(853) من أنظمة الدفاع الجوي، و(359) طائرة مقاتلة، و(11187) طائرة مسيرة، وغواصة واحدة، و(18967) مركبة وخزان وقود، و(2297) صاروخ كروز، و(28) سفينة حربية، وعلى أثر هذه الخسائر الكبيرة، اندفعت روسيا للاعتماد على حلفائها، مثل: إيران وكوريا الشمالية، لتزويدهم بالمعدات اللازمة لاستمرار جهودها الحربية، فضلا عن المعدات والأسلحة، فإنَّ الخسائر البشرية التي لحقت في صفوف القوات الروسية كانت هائلة، مما أثر سلباً في سير العمل العسكري في ساحات القتال، إذ أصبحت الهجمات الروسية تارة قوية وتارة أخرى ضعيفة، وهذا إن دلَّ على شيء فإنَّما يدل على فشل الكرملين في تحقيق تقدم إيجابي على أرض المعركة، وتكبد الجيش الروسي خسائر فادحة، منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا وحتى اليوم، لذا فإنَّ تزايد الخسائر البشرية خلق حالة من التوتر والقلق في صفوف القوات الروسية. ومن أجل تدارك هذا الموقف، عملت موسكو جاهدةً على تجنيد آلاف المهاجرين والطلاب الأفارقة الموجودين في روسيا، بتأشيرات عمل أو دراسة، وإجبارهم على الاختيار بين الترحيل أو القتال، إلى جانب القوات الروسية في حربها ضد أوكرانيا. وعلى الرغم من أنَّ هذا النهج يعتمد على الإكراه، إلا أنَّ روسيا عرضت على المهاجرين العديد من الحوافز المغرية، لاسيّما فيما يتعلق بمنحهم الجنسية الروسية، مما أدى إلى زيادة أعداد المتقدمين للانضمام إلى الخطوط الأمامية، فقد بلغ عدد المتقدمين ذوي الأصول السودانية في عام 2024، حوالي (165) شاباً سودانياً، فضلا عن أعداد أخرى من دول أفريقية عدة، على سبيل المثال شباب من ذوي الأصول الكاميرونية حوالي (90) شاباً، فيما بلغ عدد المنتمين للجيش الروسي من أصول جنوب أفريقيا، ما يقارب (300) شاب. وأشارت بعض التقارير إلى أنَّ ما يقارب حوالي (250) شاباً من نيجيريا، أعلنوا الانضمام حديثاً، وهنالك العديد من الشباب الأفارقة، الذين أعلنوا الانتماء إلى صفوف الجيش الروسي للقتال في أوكرانيا. وبالرغم من عدم توافر الأرقام الدقيقة، إلا أنَّ الأعداد قد فاقت الأرقام المذكورة أعلاه، كون أن هناك ما بين (35) ألف، إلى (37) ألف طالب أفريقي في روسيا، يدرسون بالمجان وفق إحصائية المنتدى الاقتصادي الدولي، فضلا عن ذلك فإنَّ هناك العديد من الأفارقة ذوي الأصول المختلفة، الذين أعلنوا الانضمام للجيش الروسي، دون وجود أي أرقام تبرهن ذلك من الجانب الروسي، وقد تكون هذه الخطوة تحفظاً لأمور تتعلق بالغاية الروسية، الرامية إلى جعل هؤلاء الشباب خطوطاً دفاعية للقوات الأساسية الروسية، في ساحات القتال ضد القوات الأوكرانية، نظراً إلى ما عانته روسيا من خسائر كبيرة، منذ فبراير عام 2022 وحتى اليوم.
اعتمد الباحث بالنسبة للأرقام والأعداد، على المصادر الآتية:
⦁ Qatar News Agency, a report published on the agency’s website on June 18, 2024, via the electronic link: ⦁ https://tinyurl.com/yc7fhuza.
⦁ Ukrainian Ministry of Defense, total enemy combat losses, via the electronic link: ⦁ https://tinyurl.com/45pswc9r.
⦁ Taipei Times newspaper, Russia sends Africans to die in the Ukraine war, an article published on June 10, 2024 via the electronic link: ⦁ https://tinyurl.com/556yhnea.