مشروع طريق التنمية: هل سيكون طريق الحرير الجديد؟

      التعليقات على مشروع طريق التنمية: هل سيكون طريق الحرير الجديد؟ مغلقة

 

د. بيلجاي دومان، منسق دراسات العراق في مركز دراسات الشرق الأوسط (اورسام)

ترجمة: د. نصر محمد علي  

قام رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بزيارة رسمية إلى تركيا في المدة من 21 إلى 22 آذار/ مارس، بدعوة من الرئيس رجب طيب أردوغان. طُرحت على طاولة النقاش، إلى جانب العلاقات الثنائية، القضايا ذات الصلة بالمعادلة الإقليمية. ومن الجدير بالذكر، حظي  التركيز في مشروع طريق التنمية (DRP)، إلى جانب العلاقات التجارية القائمة، التي تبلغ قيمتها (24) مليار دولار بين تركيا والعراق، بأهمية كبيرة من زيارة السوداني إلى تركيا. والحقيقة أنَّ تحقيق هذا المشروع، لا ينطوي على امكانية تعزيز العلاقات بين تركيا والعراق فحسب، بل وإحداث نتائج مهمة على المعادلات الإقليمية، وحتى العالمية.

لقد مهَّد غياب روسيا والصين من قمة مجموعة العشرين في الهند، الطريق للكشف عن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند، والشرق الأوسط، وأوروبا (IMEC)، الأمر الذي دفعه إلى حيز الاهتمام في الحوارات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية، وهو ماجعله يحدث تأثيرًا خاصًا في حركيات التنافس الصيني – الأمريكي. وتهدف هذه المبادرة الطموحة إلى إنشاء مبادرة اقتصادية مقابلة ناجعة، لمبادرة الحزام والطريق التوسعية في الصين. وقد وصف الرئيس جو بايدن الممر الاقتصادي IMEC، بأنَّه: “ممر اقتصادي تاريخي”، مؤكدًا على تأثيره الجوهري المحتمل في التجارة العالمية والترابط الاقتصادي.

ومع ذلك، فإنَّ الممر الاقتصادي بين الهند، والشرق الأوسط، وأوروبا IMEC، في هذه المرحلة، يظل إعلانًا سياسيًا وليس حقيقة وشيكة، صحيح أنَّه يحظى بتأييد كل من الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، غير أنَّه يواجه رحلة طويلة نحو التنفيذ. ولما كان الممر المتصور يرنو إلى ربط أوروبا بالهند، عن طريق شبكة واسعة النطاق عبر الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والأردن، والكيان الصهيوني، واليونان، فهو يستلزم إبرام مجموعة واسعة من الاتفاقيات، والشراكات، المشابهة لحجم مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي أقامت شراكات مع الصين، حوالي (140) دولة منذ إعلانه في عام 2013.

وفي هذا السياق، سلَّط الرئيس رجب طيب أردوغان، الضوء على أهمية تركيا الاستراتيجية بالنسبة إلى الممر الاقتصادي، بين الهند، والشرق الأوسط، وأوروبا IMEC، مؤكداً أنَّ نجاح الممر يتوقف على مشاركة تركيا. كما لفتت تصريحاته الانتباه إلى مبادرة طريق التنمية DRP، وهي مبادرة ظل تركيا والعراق يتقدمان بها بنشاط، عن طريق المناقشات والمفاوضات. وتمثل مبادرة طريق التنمية DRP، جغرافيًا ولوجستيًا، القناة الأكثر مباشرة وكفاءة من الشرق الأوسط إلى أوروبا، الأمر الذي من شأنه أن يوفر مظهرًا ملموسًا للاتصال، الذي تتوخاه مبادرات من قبيل الممر الاقتصادي بين الهند، والشرق الأوسط، وأوروبا IMEC.

لقد أشاد رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، استجابة لما يحمله الممر الاقتصادي بين الهند، والشرق الأوسط، وأوروبا IMEC، من آفاق واعدة بخطة طريق التنمية، بوصفه الطريق “الأفضل والأقصر والأقل تكلفة” إلى أوروبا، عاداً إياه حجر الزاوية لازدهار المنطقة في المستقبل. ويتردد صدى هذا الشعور في الجهود المتضافرة الجارية، لتحقيق خطة طريق التنمية DRP. كما أعرب الرئيس أردوغان عن التزام تركيا، بإعطاء الأولوية لممر يمتد إلى أوروبا، عبر قطر وأبو ظبي والعراق، وتعهد باتخاذ الخطوات الدبلوماسية وما تتطلبه من بنية تحتية مع الدول المعنية كافة، في غضون إطار زمني مدته (60) يومًا. وتسلط زيارة أردوغان المرتقبة إلى العراق، الضوء على الزخم المتراكم وراء هذه المشاريع العابرة للإقليمية، والتي تسعى بشكل جماعي إلى إعادة تحديد سبُل التجارة الدولية، والتعاون الاقتصادي في مواجهة التحديات العالمية الناشئة.

مستقبل العراق: “مشروع طريق التنمية”:

لا يجانب الصواب القول: إنَّ العراق يدخل في معادلة جديدة للسياسة الخارجية منذ عام 2019. ففي أعقاب المظاهرات الاحتجاجية التي انطلقت في العراق في عام 2019، كان هناك سخط كبير على نفوذ إيران، والولايات المتحدة الأمريكية في العراق. وفي هذا السياق، ركَّز العراق بنحو خاص على التعاون الإقليمي، وإبرام اتفاقيات تعاون مع مصر والأردن، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية، والتوسط في المحادثات بين إيران والمملكة العربية السعودية. وتبعاً لذلك، سعى العراق إلى رفع الضغوط الخارجية التي يتعرض لها منذ عام 2003، ساعياً إلى أداء دور فعّال في سياسة الشرق الأوسط، عن طريق موقعه الجغرافي الاستراتيجي. وبالفعل، فقد تمَّ اتخاذ خطوات استراتيجية لتحقيق هذه الغاية.

لمدة طويلة، كان يُنظر إلى مشروع “ميناء الفاو الكبير”، الذي وضع أساسه في عهد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي عام 2021، على أنَّه حلم، على الرغم من كل الظروف غير المواتية  والمنافسات السياسية في العراق. تم الانتهاء من (7%) من بناء هذا الميناء ابتداءً من عام 2022، ومن المؤمل الانتهاء منه بالكامل بحلول عام 2028. ويهدف إلى أن يكون أكبر ميناء في الشرق الأوسط، بمساحة (54) كيلومترًا مربعًا. ومن السمات المميزة الأخرى لهذا الميناء، أنَّه سيكون أول ميناء في العراق يفتح على البحار المفتوحة، في حين أنَّ الموانئ الأخرى في العراق انشأت على مياه الروافد.

ومن المخطط أن يصل ميناء الفاو الكبير، إلى أعماق قادرة على استيعاب أكبر سفن الشحن. ويضم بناء هذا الميناء، الذي قامت به شركة دايو الكورية، كاسر أمواج يبلغ طوله حوالي (14.523) كيلومتراً، وهو ما أدخلته موسوعة غينيس للأرقام القياسية بوصفه الأطول في العالم. وهذا وحده يؤكد الحجم الكبير للميناء.

ومع ذلك، فإنّ أهمية هذا المنفذ، لا تكمن فقط في قدراته المستقلة. ويتم تعزيزها بشكل أكبر عن طريق ارتباطها بمشروع آخر، يمكن أن يضع العراق بوصفه عقدةً حاسمةً، في شبكات التجارة الدولية. المشروع، الذي كان يشار إليه سابقاً باسم “القناة الجافة”، والتي تمتد من البصرة إلى الحدود التركية، ومن ثم عبر تركيا إلى أوروبا، جرى التأكيد عليه خلال زيارة السوداني لتركيا، باسم “مشروع طريق التنمية”. يتكون هذا الطريق التجاري المتصور، من مرحلتين: سكة حديدية وطريق سريع موازٍ. ومن المقرر أن تمر مشاريع السكك الحديدية، والطرق هذه، بدءًا من البصرة مروراً بالناصرية، والديوانية، والنجف، والحلة، وكربلاء، وبغداد، وصلاح الدين (تكريت)، وبيجي، والموصل، وصولاً إلى الحدود التركية. ويُوصف المشروع، المتوقع اكتماله بحلول عام 2038، بأنَّه محوري لمستقبل العراق. ومن الممكن أن يؤثر تحقيق هذا المشروع بنحو كبير، ليس على مصير العراق فحسب، بل على الحركيات الإقليمية والعالمية أيضاً. وعلى وجه التحديد، يمكن أن يغير اتجاه الأنشطة التجارية والاقتصادية عبر الخليج، ويؤثر بنحو حاسم في التنافس بين الولايات المتحدة والصين، ومن المحتمل أن يندمج في مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي يطلق عليها اسم “طريق الحرير الجديد”.

إنَّ تركيز الصين المتزايد في العراق موثقًا توثيقاً جيداً، ولاسيَّما بعد احتجاجات 2019، التي أدت إلى استقالة رئيس الوزراء آنذاك عادل عبد المهدي، بعد زيارته للصين، والتدهور اللاحق في العلاقات الأمريكية. كما تعهدت الصين في عام 2021، باستثمار (10.5) مليار دولار في قطاع النفط العراقي، لتصبح واحدة من أهم المشترين. ويُعتقد، في الوقت الحالي، أنَّ حوالي (45%) من صادرات العراق النفطية تذهب إلى الصين. وقد خفف هذا الوضع بعض الضغوط التي يواجهها العراق من الولايات المتحدة، مما ساعد العراق في الحفاظ على سياسة خارجية متوازنة، خلال السنوات القليلة الماضية. كما أنَّه يعزز موقف إيران في العراق ضد الولايات المتحدة، نظراً لعلاقات إيران الجيدة مع الصين.

يبدو، في هذه المرحلة، أنَّ سعي العراق إلى تنفيذ “مشروع طريق التنمية”، بمنزلة مسعًى حاسم للهروب من التبعية. وتؤكد مشاركة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في القمة العربية الصينية، التي عقدت في الرياض في 9 كانون الأول/ ديسمبر 2022، دعم العراق لمبادرة الحزام والطريق الصينية، التي توصف بأنَّها: “مشروع طريق الحرير الجديد”. إنَّ إعلان السوداني عن حرص العراق، على أن يكون جزءًا من “طريق الحرير الجديد” خلال هذه القمة، إلى جانب إشارة الرئيس رجب طيب أردوغان، إلى “مشروع طريق التنمية” باسم “طريق الحرير الجديد”، خلال زيارة السوداني لتركيا، يؤكد على أهمية المشروع.

الدور التركي:

تهدف تركيا من مشروع طريق تنمية العراق، إلى الوصول إلى السوق الأوروبية، وتوسيع نفوذها. وبالفعل، قام السوداني بزيارة إلى المانيا لمدة يومين، في 13-12 كانون الثاني/ يناير 2023، إذ التقى بمسؤولين ألمان، من بينهم المستشار أولاف شولتس. وعقب المباحثات عقد السوداني ونظيره الألماني شولتس، مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا، وأعرب شولتز عن سرور ألمانيا بالدخول في شراكة مع العراق، لاستيراد الغاز والنفط. ومما يسترعي الانتباه بصفة خاصة، عندما أشار السوداني إلى مشروع ميناء الفاو الكبير الحالي، قائلاً: “نحن نقوم ببناء خطوط السكك الحديدية، إلى جانب خطوط الأنابيب، لنقل غازنا الطبيعي من هذا الميناء، عبر تركيا إلى أوروبا”.

أعاد هذا التصريح إلى الأذهان مشروع سكة حديد برلين- بغداد، الذي جرى تصوره في الخمسين عاماً الأخيرة، من عمر الإمبراطورية العثمانية. بدأ المشروع في أواخر القرن التاسع عشر، وكان يهدف إلى إقامة توازن جديد في السياسة العالمية والإقليمية، وكان الهدف منها ربط الخليج العربي عبر تركيا، بأوروبا الشرقية وألمانيا، ومن ثمَّ مواجهة مشاريع إنجلترا وفرنسا، القوتان العظميان في تلك الحقبة في الشرق الأوسط.

كان الهدف هو تأمين التفوق الألماني على البريطانيين والفرنسيين، في سياسات الشرق الأوسط وأوروبا. ومع ذلك، فإنَّ اندلاع الحرب العالمية الأولى، وهزيمة ألمانيا، وتفكك الإمبراطورية العثمانية لاحقًا، بدد الآمال المعلقة على هذا المشروع. كان ما يعرف اليوم بالعراق تحت السيادة العثمانية، في الوقت الذي أقترح فيه المشروع. ثم سقطت المنطقة، بعد الحرب، لترزح تحت الاحتلال البريطاني، مما أدى إلى إنشاء دولة العراق تحت الانتداب البريطاني، ومن ثمَّ تعليق مشروع سكة حديد برلين- بغداد.

ومع ذلك، اليوم، يهدف ميناء الفاو الكبير ومشروع طريق التنمية، على الرغم من أنَّه ليس بالشكل الأصلي لمشروع سكة حديد برلين- بغداد، إلى إعادة ربط التجارة في قلب الخليج العربي بأوروبا. وتشير هذه الخطوات إلى البحث عن طرق بديلة، لاسيَّما في ظل أزمات الطاقة المستمرة والمحتملة في أوروبا، في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، حتى لو لم يكن استكمال المشروع على المدى القصير ممكناً.

وذكر المستشار الألماني شولتس، الذي أبدى رغبته في تعميق العلاقات الثنائية بين ألمانيا والعراق، أنَّهما اتفقا على برنامج عمل، وناقشا استيراد الغاز الطبيعي من العراق. ومن الجدير بالذكر أنَّ المناقشات بين الطرفين، ركزت في تنشيط الأنشطة التجارية، وفي مقدمتها الغاز الطبيعي. إنَّ إمكانات العراق الكبيرة في قطاع الطاقة، لاسيَّما في وقت باتت فيه قضايا الطاقة في أوروبا في المقدمة، والتي تفاقمت بفِعل التدخل الروسي في أوكرانيا، لذا من الممكن أن تكون حافزاً لإقامة تحالفات جديدة بين أوروبا والعراق. إنَّ إشارة السوداني إلى التجارة عبر تركيا عبر ميناء الفاو الكبير، تؤكد الدور الرئيس المحتمل لتركيا، في تسهيل هذه التجارة بين أوروبا والعراق.

وبدا من الواضح أنه يتعين على العراق أيضاً، كي يحقق هذا المشروع، أن يعمل على تعزيز علاقاته مع تركيا، إذ إنَّ الطريق الأكثر مباشرة إلى أوروبا، يمر عبر تركيا. وقد بدأت بالفعل محادثات بين وزارتي النقل في تركيا والعراق بشأن هذا المشروع، مما يعكس اهتمام تركيا الطويل الأمد، بتعزيز العلاقات التجارية مع العراق، واستكشاف البدائل. أوشكت الاستعدادات لافتتاح البوابة الحدودية الثانية “أوفاكوي”، على الجانب التركي على الانتهاء، الأمر الذي يؤكد على التقدم المحرز نحو هذه المبادرة.

ومع ذلك، يجب على العراق، لكي ينجح المشروع، أن يعالج قضاياه الداخلية على الفور، وعلى وجه الخصوص، استقرار العلاقة بين أربيل وبغداد الذي يعد أمرًا ضروريًا. فضلا عن ذلك، فإنَّ وجود منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية في سنجار، الواقعة على طول مسار “مشروع طريق التنمية”، لا يزال يشكل تهديدًا كبيرًا لتحقيق المشروع. ومن الواضح أنَّ تعاون العراق مع تركيا، في القضاء على حزب العمال الكردستاني، واتخاذ خطوات ملموسة لتحقيق هذه الغاية، أمر ضروري. وبدون تأمين المنطقة، والقضاء على العنصر الإرهابي، فإنَّ تحقيق المشروع، الذي يُنظر إليه على أنَّه حاسم لمستقبل العراق، يظل مسعًى صعبًا.

نهج تركيا متعدد الأطراف:

في عصر يُعاد فيه تشكيل المشهد الجيوسياسي على نحو مستمر، فإنَّ المساعي الاستراتيجية التي تبذلها تركيا، في ظل قيادة الرئيس أردوغان، تشير إلى تحول مقنع نحو الدبلوماسية المتعددة الأطراف، كما يتضح من الرؤية الموسعة لمشروع طريق التنمية. وبعيداً عن عدَّه مجرد تعاون في البنية التحتية بين تركيا والعراق، فإنَّ مشروع طريق التنمية يظهر بوصفه مثالاً نموذجياً، لالتزام تركيا بتعزيز إطار إقليمي شامل، وإنَّ هذا النهج ليس من شأنه سد الفجوة بين الشرق الأوسط وأوروبا، عن طريق العلاقة الاستراتيجية لتركيا فحسب، بل يهدف بشكل طموح إلى تعزيز التواصل مع دول مجلس التعاون الخليجي، مما يعكس توافقاً دقيقاً مع التوجه السياسي المتطور لمنطقة الخليج، نحو المشاركة متعددة الأطراف.

إنَّ إعادة ضبط تركيا لاستراتيجيتها في السياسة الخارجية، ولاسيَّما في إصلاح علاقاتها وتعزيزها، مع القوى المحورية في الشرق الأوسط، مثل: الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، تؤكد على مدة من التجديد الدبلوماسي بعد سنوات من التوتر. إنَّ إعادة التنظيم الاستراتيجي هذه مع مجلس التعاون الخليجي، تؤكد على مناورة تركيا الماهرة داخل نسيج السياسة الإقليمية المعقد، إذ تسعى ليس فقط إلى تأكيد أهميتها الجيوسياسية، ولكن أيضًا إلى أن تكون بمنزلة محور أساسي في التواصل عبر الإقليمي، الذي يتوخاه مشروع طريق التنمية.

وتمتد الإمكانات التحويلية التي ينطوي عليها مشروع طريق التنمية، إلى ما هو أبعد من النماذج ثنائية الاطراف التقليدية، إذ يبشر بفوائد متعددة الأطراف، يمكن أن تعيد تحديد معالم التعاون الإقليمي. يقف المشروع بمنزلة شهادة على موقف تركيا الاستباقي، في تعزيز العلاقات الدائمة بين الدول المشاركة، عبر تجاوزه للمفهوم ثنائي الأطراف الأولي، ليتبنى إطارًا متعدد الأطراف أكثر شمولاً ونهجاً. إنَّ المشروع يبشر بفصل جديد في المشاركة الدبلوماسية، إذ يعطي تركيا الأولوية للعمل العملي على مجرد الالتزام الخطابي، ومن ثمَّ تعزيز دورها بوصفها لاعباً حركياً ومحورياً، في المجال المعقد للعلاقات الدولية والدبلوماسية الإقليمية. وفي هذا السياق، يجسد النهج الذي تتبناه تركيا، البصيرة الاستراتيجية في التعامل مع التحديات، والفرص، التي يتيحها النهج متعدد الأطراف، في ساحة عالمية متزايدة الترابط والتعقيد.