أ. م. د. حمد جاسم محمد
رئيس قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
أيلول/ 2024
منذ عملية طوفان الأقصى في 7 اكتوبر 2023، والهجوم الصهيوني على غزة، ما زال حزب الله اللبناني يوجه أسلحته المختلفة، إلى شمال فلسطين المحتلة، ويستهدف المنشآت العسكرية الصهيونية، والمستوطنات، وهو ما وضع المواجهة المباشرة بين الطرفين. في الوقت نفسه، قام الكيان الصهيوني بقصف مناطق في جنوب لبنان، ومقرَّات حزب الله. إلا أنَّ أهم ما يميز المواجهة بين الكيان الصهيوني وحزب الله، أنَّ الولايات المتحدة وحلفاءها حول العالم، كانوا في صف واحد إلى جانب الكيان الصهيوني، ممَّا مكَّنه من الاستفادة من خبرات هذه الدول وشركاتها، ولاسيَّما المتخصصة في مجال الاتصالات المختلفة، وهو ما وفَّر للعدو فرصة لاستهداف قادة المقاومة، عن طريق تتبع اتصالاتهم، ووضع أجهزة تنصت، وتتبع لهم، عن طريق عملاء داخل لبنان وخارجها، وقد أدت العمليات العسكرية الصهيونية، إلى استهداف عدد من قادة المقاومة في حزب الله في لبنان وسوريا، إلا أنَّ العمليات السيبرانية، والحرب الإلكترونية، أخذت مديات أوسع، وآخرها عملية تفجير عدد من أجهزة الاتصالات (البيجر)، لدى أعضاء من حزب الله أو مواطنين في يوم 17 ايلول، كذلك أجهزة للطاقة الشمسية، وأجهزة اتصالات أخرى، ذكرت بعض المصادر أنَّها مجهزة من دولة اوربية، وبعضها يابانية، وتايوانية، وأدت هذه الانفجارات إلى استشهاد عدد من المواطنين، وجرح الآلاف منهم، وأضرار في بعض المباني والسيارات. وهي بحسب أغلب التحليلات، عمليات إرهابية مرتبطة بشبكة مخابرات دولية، وشركات مختلفة، أسهمت في نجاح هذه العملية، إذ إنَّ أغلب أجهزة الاتصالات المتفجرة، تمَّ صنعها وتوريدها من دول حليفة للولايات المتحدة، كما أنَّ اتساع رقعة العملية، وشمولها لأكثر من جهاز، يدل على تواطؤ أمريكي واضح.
إنَّ هدف العملية الحالية في لبنان، جاءت بعد أن عجز الكيان الصهيوني لقرابة العام، من تحقيق أي من أهدافه في غزة، كذلك عجزه عن وضع حدّ لاستهداف مدن الكيان، في شمال فلسطين المحتلة، ولاسيَّما في الجليل التي هجرها معظم سكانها، ولا يوجد لدى الكيان الصهيوني أي خطة واضحة وناجحة في اعادتهم، كذلك ازدياد الضغط الداخلي على رئيس الوزراء (بنيامين نتياهو)، من أجل عقد صفقة مع حركة المقاومة الاسلامية حماس، وإطلاق ما تبقى من الأسرى، ولاسيَّما بعد فشل جيش الاحتلال من تحرير أسراه، أو معرفة أماكن وجودهم، على الرغم من كل ما يملكه من أسلحة، وأجهزة متطورة، ودعم غربي أمريكي كبير، وعودة سكان مدن الشمال، بل إنَّ بعض عمليات جيش الاحتلال، أدت إلى قتل عدد من أسراه، وهو ما أثار نقمت الشارع الاسرائيلي عليه.
كما أنَّ قيام حكومة العدو الصهيوني بهذا العمل الإرهابي، وتفجير أجهزة اتصالات مدنية وعسكرية في لبنان، والتي أدت إلى استشهاد عدد من الأطفال، والنساء، والشيوخ، وتدمير المباني، هدفها القيام بعملية من أجل لفت الأنظار، إلى نصر وهمي أمام المواطنين الغاضبين، ولاسيَّما عوائل الأسرى، ويحاول اثبات أنَّ كيانه ما زال لديه امكانية الاستمرار في الحرب، على الرغم من فشله الواضح في غزة.
كذلك يهدف الكيان الصهيوني إلى إثارة الشارع اللبناني ضد المقاومة في حزب الله، وإضعافه داخليًا، في محاولة من أجل وقف الاستهداف ضد مقراته العسكرية، ومستوطناته في فلسطين المحتلة، كذلك عملية ايصال رسائل إلى الحزب، بأنَّ استمراره في الحرب إلى جانب غزة، سيكلفه الكثير ولاسيَّما قاعدته الشعبية.
كذلك تهدف العملية إلى كشف قادة حزب الله، وأعضائه، واستهدافهم بأقل الخسائر، عن طريق عملية ذات ارتباط بعيد بالكيان الصهيوني.
وعلى الرغم من أنَّ الهجوم قد أحرج حزب الله، وأنَّ العملية كانت واسعة، وذات تدمير كبير، إلا أنَّه لم يغير من قوة حزب الله، وأهدافه في استمرار استهداف مستوطنات العدو، ومقراته في شمال فلسطين المحتلة، إذ واصل حزب الله عملياته العسكرية. وعلى الرغم من حالة الإرباك في لبنان، فإنَّ العدو الصهيوني لم يستفد منها، ولم يقدم على أي عمل عسكري كبير ضد حزب الله، وهذا يدل على ضعف قدرته على الهجوم على جنوب لبنان، أو إقامة مناطق عازلة كالسابق، حتى أنَّ اجتماع مجلس الحرب المصغر برئاسة (نتياهو)، قد تمَّ في قاعدة عسكرية، وفي ملجأ تحت الأرض، ما يدل على الخشية من توسع الحرب.