أ.م. علي مراد النصراوي
مركز الدراسات الاستراتيجية/ قسم إدارة الأزمات
عملت الأمم المتحدة على وضع أهداف للتنمية المستدامة، وهي خطة 2015 إلى 2030 التي تكونت من (17) هدفًا، وميزة هذه الأهداف أنَّها شاملة لكل دول العالم، وامكانية تطبيقها عبر المعايير التي وضعت لها. وقبل الخوض في مضامين الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة، والذي هو محور البحث هنا، لا بدَّ من تعريف التنمية المستدامة، وقد عرَّفها تقرير اللجنة العالمية للتنمية والبيئة “برونتلاند”، على أنَّها: “التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر من دون النيل من قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها”. وعبارة تنمية مستدامة هي نمط من التنمية لا تؤدي إلى الافراط في استثمار مصادر الثروات الطبيعية، التي ترتكز عليها هذه التنمية. وتعمل هذه التنمية على تجديد الموارد والثروات، والعمل على إعادة التصنيع بصورة تضمن معها البيئة النظيفة، والصالحة لحياة الأجيال الحاضرة والقادمة.
وبالعودة للهدف الثامن، وهو (العمل اللائق والنمو الاقتصادي)، إذ عرَّفته الأمم المتحدة على أنَّه: “العمل الذي يحترم الحقوق الأساسية للفرد كإنسان، كما يحترم حقوق العاملين في إطار مجموعة من قواعد الأمان، ومعايير لتحديد أجور مُجزية، مع مراعاة السلامة الجسدية، والعقلية، للعامل خلال تأديته لوظيفته”. ويهدف العمل اللائق إلى العمالة الكاملة والمنتجة، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتوفير عمل لائق للجميع. وعلى هذا الأساس، وبحسب منظمة العمل الدولية، توجد مجموعة من الأولويات، وهي كما يأتي:
- تحقيق العمالة الكاملة، والمنتجة، وتوفير العمل اللائق.
- تقليص فجوة الأجور بين الجنسين، وبطالة الشباب.
- إنهاء جميع أشكال عمل الأطفال، وإضفاء الطابع الرسمي على الاقتصاد غير الرسمي.
- تشجيع المؤسسات المتناهية الصغر، والصغيرة، والمتوسطة الحجم.
- حماية حقوق العمل، وتعزيز بيئات عمل توفر السلامة، والأمن.
- العمال المهاجرون.
وبالعودة لموقع العراق في هذا الهدف، ومدى مواكبته واستجابته له، نجد أنَّ العراق في تلك المرحلة لاسيَّما خلال الأعوام من 2015 إلى 2018، قد شهد التركيز في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، صاحبه انخفاض في أسعار النفط عالميًا، لذا تراجع العراق كثيرًا عن تطبيق العديد من الأهداف، ومنها توفير فرص عمل مناسبة. وعند العودة للبيانات الإحصائية التي تنشرها وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية، حول مستجدات سكان العراق وأحوالهم، يلاحظ هناك زيادة سريعة في معدلات النمو، إذ بلغ عدد سكان العراق في عام 2003، قرابة الـ(26.3) مليون نسمة، ووصل إلى (40) مليون نسمة عام (2022)، وقرابة الـ(43) مليون نسمة عام 2024، وتقدر نسبة النمو بحدود (3%)، مع ارتفاع نسبة الفئة العمرية للسكان في سن العمل، لأكثر من (52%)، في حين تبلغ نسبة السكان في سن (65) سنة فما فوق، بحدود (3%) من مجموع السكان، وهذه النسب تحتاج إلى دراسة مكثفة من صانع القرار، في سبيل صياغة الخطط المناسبة، لأجل استيعاب تلك الزيادة وبحسب الفئات العمرية، وهذا ما يفسر حقيقة ارتفاع نسبة الإعالة في العراق، الأمر الذي يُثقل العبء على الفئة العمرية الفعّالة من السكان([1]).
وحتى مع تعافي أسعار النفط تدريجيًا بعد أزمة كورونا، وبالرغم من تمكن العراق من تحسين وضعه في بعض القطاعات، إلا أنَّه لا يزال، وبحسب المؤشرات، متأخرًا جدًا عن تحقيق الكثير من الأهداف، والسبب يعود لوجود معوقات سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وصحية، وخدمية، وتعقيد بالإجراءات، وتخلف الكثير من المؤسسات، ومع ذلك في بعض الأهداف، تمكن العراق من تحقيق شيء ملموس، أمَّا الهدف الثامن (العمل اللائق ونمو الاقتصاد) فبحسب المؤشرات، لا تزال نسب البطالة مرتفعة، ولا تزال توجد عمالة للأطفال.
كما أنَّ القطاع العام مترهل جداً، ويشهد مشكلات متراكمة، والقطاع الخاص هو الآخر يشهد تقدمًا لكنَّه بطيء جداً، لكون الأمر يتعلق بالوضع العام من حيث الاستقرار، وتشريع القوانين المساعدة له. وبصورة عامة منذ العام 2022، جرى إطلاق حزمة من المشاريع، أسهمت في تشغيل أيادي العمل، إلا أنَّها دون مستوى الطموح، وذلك لعدة أسباب جرى ذكرها آنفًا، وهنا لا بدَّ من وضع توصيات لصانع القرار في هذا المجال:
1- رفع القدرات، وتنمية الموارد، والتعليم، والتدريب.
2- السعي إلى الحصول على المعرفة المتاحة في البلدان المتقدمة.
3- الاهتمام بالبيئة ولاسيَّما بيئة العمل.
4- جمع المعلومات بالأرقام، والدقة المتناهية.
5- إشراك الجماهير فيما يخص رأيهم بمشاريع التنمية بمختلف صنوفها.
6- عدم استهلاك الموارد المتجددة.
7- تفضيل الفلاحة التعددية، زراعة الأرض بمحاصيل متنوعة.
8- تشجيع إعادة تدوير النفايات.
[1]– ينظر: الموقع الرسمي لوزارة التخطيط والتعاون الانمائي، هيئة الاحصاء ونظم المعلوماتية الجغرافية، https://cosit.gov.iq/ar/2013-01-31-08-48-55