أثر قواعد القانون الدولي في الحقوق المدنية

      التعليقات على أثر قواعد القانون الدولي في الحقوق المدنية مغلقة

د. إدريس عبد الله فيصل

دكتوراه في القانون العام

جامعة كربلاء/ كلية العلوم الطبية التطبيقية

adreesfaysal@gmail.com

      لا شكَّ أنَّ لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، آثارًا فاعلة ومؤثرة في المبادئ الدستورية بصورة عامة، ولاسيَّما في الحقوق والواجبات, إذ إنَّ من المبادئ المعترف بها في النظم الديمقراطية أن يشكل الدستور الوثيقة القانونية واجبة الاحترام والتطبيق, من السلطات الأساسية في الدولة، لكون الدستور يتضمن المبادئ القانونية التي تتعلق بشكل الدولة، ونظام الحكم فيها, وعلاقته بالمواطنين، وينظم السلطات العامة في الدولة, فضلاً عن الإقرار بالحقوق والحريات بوصفها أحد المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها الدستور. ويعد الدستور أعلى التشريعات في الدولة، ويقع في قمة الهرم القانوني، ويسمو على القواعد القانونية الأخرى، مما يعني أنَّ تلتزم سلطات الدولة جميعها بالتقيد بأحكامه, وإلا عدت تصرفاتها غير مشروعة.

وعلى هذا الأساس فإنَّ إدراج الحقوق والحريات في صلب الدساتير، ولاسيَّما الحقوق المدنية والسياسية، يمنحها قوة دستورية ملزمة لا يجوز مخالفتها, كون هذه المبادئ الدستورية المتمثلة بحقوق الإنسان، تمثل القواعد القانونية التي تستند إليها الوثيقة الدستورية في فلسفتها، ويمنح أنظمة الحكم مشروعيتها ولاسيَّما الأنظمة الديمقراطية, فضلاً عن أنَّ هذه المبادئ الدستورية تستمد قوتها الإلزامية من التزامها بالقواعد الدولية سواء الاتفاقية أو العرفية. لقد اكتسبت المبادئ الدستورية المستمدة من القواعد الدولية، والتي تعتمدها الوثيقة الدستورية، ولاسيَّما المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، أهميتها ومكانتها الدستورية والدولية من ترسيخها للقواعد الدولية، وتأثرها بميثاق الأمم المتحدة لعام 1945، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، وغيرها من الاتفاقيات، والإعلانات، والمواثيق الدولية، والإقليمية، والتشريعات الوطنية المختلفة, فضلاً عن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966. إنَّ الإعلانات، والمواثيق الدولية، والتشريعات الوطنية، قد تضمنت حقوقاً يتمتع بها الإنسان كفرد مستقل، وتندرج غالباً في إطار الحقوق المدنية، فضلاً عن الحقوق السياسية, والتي منحها البعد الدولي للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966. وجدير بالذكر أنَّ تلك المواثيق الدولية، تضمنت حقوقاً جماعية تثبت لجميع الأفراد بصورة عامة, فهي ليست حقاً شخصيًا لفرد بعينه، بل هي حقوق تثبت وتقرر للجميع. وسنتطرق في هذا الإطار إلى الحقوق المدنية، كأحد المبادئ الدستورية التي أقرتها الإعلانات الدولية.

أولًا- الحقوق المدنية الفردية:

       تعد الحقوق المدنية الفردية من الحقوق اللصيقة بالإنسان, وهي حقوق مقررة للأفراد جميعاً.  ونود أن نشير إلى أبرز هذه الحقوق المدنية الفردية، التي أقرتها المواثيق والإعلانات الدولية, وأصبحت من المبادئ الدستورية في التشريعات الوطنية.

1- الحق في الحياة والحرية والأمان:

       يعدُّ الحق في الحياة، والحرية، والأمان، من الحقوق الطبيعية التي ينبغي أن تكفل لكل إنسان، وحماية هذه الحقوق لا يقتصر على عدم المساس بها من قبل الدول، بل هي حقوق تستلزم التزام الدولة، بمنع الاعتداء عليها من قبل الأفراد، والهيئات، والجماعات, فضلاً عن تكريس القوانين التي تحقق هذه الحماية بصورة فعلية، وتوقيع الجزاء على كل من ينتهك هذه الحقوق بأي شكل من الأشكال. وبهذا السياق فقد نصت المادة السادسة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، على أنَّ: “لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة، ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي”. وعلى هذا الأساس نجد أنَّ الحق في الحياة بمعناه الواسع، كالحق في الحرية والأمن، تمت ترجمته ضمن هذه المادة ذات الإطار الدولي، ضمن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

2- تحريم التعذيب والعقوبات غير الإنسانية:

     إنَّ تحريم التعذيب والعقوبات غير الإنسانية، يرتبط بالحق في الحياة، والحق في الحرية، والحق في الأمان الشخصي, وقد تعرضت الاتفاقيات الدولية والإقليمية إلى تحريم هذه الممارسات, إذ نصَّت على ذلك الاتفاقية الأوربية، مما يعكس أهمية النص على تحريم التعذيب، والمعاملة القاسية وغير الإنسانية, وبهذا الصدد فقد نصت المادة/ 6/ ب على أنَّه: “لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاءً على أشد الجرائم خطورة، وفقاً للتشريع النافذ وفق ارتكاب الجريمة، وغير المخالف لأحكام هذا العهد, والاتفاق على منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها, ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة”. وبناءً على هذه المادة، نلاحظ بأنَّها حرمت العقوبات القاسية، والممارسات غير الإنسانية.

3- احترام الحق في الحياة الخاصة والعائلية:

       يعدُّ الحق في احترام الحياة الخاصة والعائلية، من الحقوق المدنية التي أقرتها القواعد الدولية، ولاسيَّما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية, إذ لا يجوز التدخل بصورة تعسفية، أو بشكل غير قانوني، بخصوصيات أي إنسان أو حياته الشخصية العائلية ومراسلاته, كما لا يجوز التدخل بشكل غير قانوني بسمعته وشرفه, ويثبت لكل إنسان الحق في الحماية القانونية، ضد التدخل في الحياة الشخصية والعائلية لكل فرد, ونصت على هذا الحق الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان، كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية, والاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان, إذ أشارت إلى عدم جواز أن تتدخل السلطات العامة في مباشرة هذا الحق، إلا إذا كان هذا التدخل ينص عليه القانون، ويكون ضرورياً في نظام ديمقراطي، أو لحرية النظام العام، ولمنع الجرائم، أو لحماية الصحة والآداب العامة, ولحماية حقوق وحريات الآخرين. وعلى هذا الأساس فإنَّ حماية الحياة الخاصة والعائلية، وحماية حرية المساكن، وحرية المراسلات، ليست مطلقة إذا ما توفرت الشروط في الأعلى, بمعنى أن يكون تدخل المشرع ضروريًا، في مجتمع ديمقراطي تتوفر فيه أسباب ضرورية للتدخل للمصلحة العامة، ولحماية حقوق الآخرين، مع كفالة الضمانات القانونية لاحترام الحياة الخاصة والعائلية.

4- احترام الحقوق العائلية والأسرية:

       تعدّ الحقوق الأسرية والعائلية الشخصية، من الحقوق التي أقرتها المواثيق والإعلانات الدولية، ولاسيَّما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والعهد الدولي للحقوق المدنية، والسياسية، والاتفاقيات الدولية والإقليمية, وقد أكدت عليه هذه الحقوق وكفالتها من التدخل في الخصوصيات الأسرية والعائلية, إذ جاء بالمادة/ 17/ على أنَّه: (1ـ لا يجوز تعويض أي شخص على نحو تعسفي أو غير قانوني، للتدخل في خصوصياته، أو شؤون أسرته، أو بيته، أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته. 2ـ من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس). وكانت المادة/ 23/ قد نصت على أنَّه: (1ـ الأسرة هي الوحدة الجماعية الطبيعية الأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة. 2ـ يكون للرجل والمرأة ابتداءً من بلوغ سن الزواج، حق معترف به في التزوج وتأسيس أسرة. 3ـ لا ينعقد أي زواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءً كاملاً لا إكراه فيه. 4ـ تتخذ الدولة الأطراف من هذا العهد التدابير المناسبة، وكفالة تساوي حقوق الزوجين وواجباتهما لدى التزوج، وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله, وفي حالة الانحلال يتوجب اتخاذ تدابير لكفالة الحماية الضرورية للأولاد في حالة وجودهم).

ويتضح لنا مما سبق، أنَّ العائلة تعد الوحدة الاجتماعية الطبيعية والأساسية لكل مجتمع, وعلى هذا الأساس يقع على عاتق الدولة والمجتمع حمايتها, وقد أقرت النصوص القانونية الدولية كما أسلفنا، بالاعتراف للرجال والنساء الذين هم القاعدة الأساسية في جميع المجتمعات البشرية, وتتكون نتيجة الرضا الكامل لأطراف العلاقة, وتتخذ الدولة التدابير القانونية اللازمة لتأمين المساواة في الحقوق والالتزامات كافة، وفي جميع المراحل المختلفة للزواج. فاحترام الحقوق الأسرية والعائلية، يعني حق الفرد في تكوين أسرة، وعلى الدولة حماية هذا الحق طبقاً للقانون, وهذا يعد من المبادئ الدستورية بوصفها من الحقوق المدنية التي كفلتها القواعد الدولية.

ثانياًـ حق المساواة المدنية كإحدى القواعد الدولية:

       يعدُّ مبدأ المساواة المدنية، كأحد المبادئ الدستورية التي رسختها القواعد الدولية لحقوق الإنسان، وهو مبدأ أساسي من الحقوق المدنية, فضلاً عن ذلك فإنَّه يعني بأنَّ جميع الأفراد متساوون في التمتع بالحقوق والحريات الفردية، دون أي تمييز أو تفرقة بسبب الدين، أو العنصر، أو اللون، أو الأصل، أو القومية, وإقرار هذا المبدأ من قبل الإعلانات، والمواثيق الدولية، والتشريعات الوطنية، يمثل ضمانة أساسية من ضمانات الحريات والحقوق الفردية, وإنَّ المساواة المدنية تتضمن المساواة أمام القانون، والمساواة أمام القضاء، والمساواة أمام الوظائف العامة, والمساواة أمام التكاليف العامة مثل أداء الواجبات، كأداء الضرائب، وأداء الحقوق العسكرية. ومبدأ المساواة يعد إحدى خصائص الديمقراطية الحديثة، إذ يحدد المساواة أمام القانون، أي أنَّ القانون واحد بالنسبة لجميع الأفراد، وبدون تمييز بين فئة وأخرى, وأنَّ مبدأ المساواة المدنية تقرر لأول مرة، على الصعيد الرسمي في الديمقراطيات الحديثة، كما في معظم الدول الغربية, لاسيَّما إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لسنة 1789, إذ أكد هذا الإعلان على الحقوق الفردية الشخصية، أو الحقوق الطبيعية للإنسان، كالحق في الحرية والمساواة, وحق الملكية، والحق في الأمان، وحق مقاومة التعسف والظلم. وجدير بالذكر أنَّ أساس مبدأ المساواة المدنية بين الأفراد، بوصفه أحد الحقوق المدنية في ظل المبادئ الدستورية، يعود إلى نظرية العقد الاجتماعي, كون شروط العقد الاجتماعي بين الحكام والمحكومين، كانت واحدة بالنسبة لجميع المشتركين بالعقد, مما يعني أنَّ إبرام العقد الاجتماعي بين أطراف متساوين، وأنَّ الدولة التي تكونت نتيجة لإبرام العقد، يقع عليها التزام بالتعامل مع أطراف العقد معاملة متساوية، بوصفهم متساوين في الحقوق والواجبات. وبهذا الصدد نشير إلى أهم الضمانات القانونية الدولية لمبدأ المساواة المدنية:

1- مساواة الأفراد أمام القانون:

        هذا المبدأ من الحقوق المدنية، يلزم المشرع الوطني أن يسن تشريعاته، دون تفرقة وتمييز بين شخص وآخر، أو بين فئة وأخرى, إذ إنَّ القانون الجنائي ينص على إيقاع العقوبة ذاتها، بالنسبة للجريمة نفسها على الجميع، وبالشكل الذي لا يخل بمبدأ المساواة أمام القانون، أو أمام الجزاءات القانونية.

2- المساواة أمام القضاء:

        تمثل المساواة أمام القضاء كمبدأ دستوري في نطاق الحقوق المدنية على اختلاف درجاته وجهاته,         ويعني أن لا يكون هنالك تمييز لأشخاص من حيث العقوبات القانونية التي تفرض على مرتكبيها. وطبقاً لهذا المبدأ أسهمت الثورة الفرنسية بالقضاء على المحاكم الخاصة بالنبلاء، وعلى المحاكم الخاصة الأخرى، أو الاستثنائية التي تحاكم مرتكبي بعض الجرائم الخاصة, فضلاً عن قضائها على التفريق في العقوبة التي كانت هذه المحاكم تمارسها, وكانت من ضمن طرق التفريق في العقوبة قبل الثورة الفرنسية، أنَّ الأشراف كانوا يعدمون بضرب العنق أي بالمقصلة، في حين كان غير الأشراف يعدمون شنقاً، وعلى هذا الأساس أكدت المواثيق والإعلانات الدولية على تطبيق مبدأ المساواة أمام القضاء وبمختلف مستوياته.

3- المساواة أمام الوظائف العامة:

       إنَّ مبدأ المساواة أمام الوظائف العامة، تلزم سلطات الدولة بعدم التمييز بين المواطنين، عند تقديمها للخدمات، أو عند استيفائها الإجراءات المترتبة على تلك الخدمات. ويدخل نطاق المساواة أمام الوظائف العامة، بعدم إقامة أي تمييز في القبول في الوظائف العامة، طالما كانوا متساوين في الشروط التي يتطلبها القانون.

4- المساواة أمام التكاليف العامة:

      المساواة في التكاليف تمثل جانبًا من جوانب المساواة أمام المؤسسات العامة، بحيث لا يجوز فرض ضرائب على فئة اجتماعية محددة دون أخرى, أي أنَّ الضرائب يجب أن لا تثقل كاهل الفرد أكثر من طبقة أخرى, ويجب أن تتناسب مع دخل الفرد، ومستواه المعيشي, وكذلك بالنسبة للرسوم, وأداء الخدمة العسكرية، والالتزامات المترتبة على الأفراد في تنفيذ الأعمال الموكلة إليهم. وينبغي أن تستند إلى مبدأ المساواة وذلك وفقاً للقانون، مثل تسديد خدمات الكهرباء، وخدمات الماء. ونود الإشارة هنا إلى المادة/ 14/ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، التي نصت على أنَّ: “الناس جميعاً سواء أمام القضاء, ومن حق كل فرد لدى الفصل في أي تهمة جزائية توجه إليه، أو في حقوقه والتزاماته في أي دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني، من قبل محكمة متخصصة مستقلة منشأه بحكم القانون، ويجوز منع الصحافة والجمهور من حضور المحاكمة كلها أو بعضها، لدواعي الآداب العامة، أو النظام العام، أو الأمن القومي في مجتمع ديمقراطي, أو لمقتضيات حرمة الحياة الخاصة لأطراف الدعوى، أو في أدنى الحدود التي تراها  المحكمة ضرورية”. وأمَّا المادة/ 15/ من هذا العهد، فقد نصَّت على أنَّه: “لا يدان أي فرد بأي جريمة، بسبب فعل أو امتناع عن فعل لم يكن وقت ارتكابه يشكل جريمة بمقتضى القانون الوطني أو الدولي, كما لا يجوز فرض أي عقوبة تكون أشد من تلك التي كانت سارية المفعول في الوقت الذي ارتكبت فيه الجريمة, وإذا حدث بعد ارتكاب الجريمة أنه صدر قانون ينص على عقوبة أخف، وجب أن يستفيد مرتكب الجريمة من هذا التخفيف”. ومما سبق ذكره، فإنَّ المساواة أمام القانون، وأمام القضاء، وأمام الوظائف العامة، وأمام التكاليف، تقضي بأنَّ كل المواطنين سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو الدين، أو العقيدة. وهذا ما أكَّدته المواثيق، والإعلانات، والاتفاقيات الدولية، والإقليمية، والدساتير الوطنية. وتأسيسًا على ذلك، توصلنا إلى جملة من النتائج، نذكر بعضًا منها:

  • من الملاحظ أنَّ هنالك خصوصية مميزة للعلاقة بين القانون الدولي لحقوق الإنسان، والمبادئ الدستورية، وإنَّ هذه الخصوصية تمهد لإيجاد تنظيم قانوني خاص، لحكم عملية تطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان، بواسطة القوانين الوطنية للدول، وتوافر الضمانات اللازمة لإتمام ذلك.

2- إنَّ القانون الدولي لحقوق الإنسان، يمثل فرعًا من فروع القانون الدولي العام، ويختص بدوره في حكم سلوك الدول، بالقدر المتعلق بأهدافه المتمثلة في أعمال حقوق الإنسان، والارتقاء بها. وبما أنَّ الإنسان هو الغاية الأساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان، فإنَّ الإنسان يعيش ويحكم بالقوانين الداخلية للدول بشكل مباشر، وإنَّ هذه القوانين يمكن أن تطبق سلبًا أو إيجابًا على هذا الإنسان، من حيث علاقتها بحقوقه الإنسانية، فإنَّ استفادة الإنسان من القواعد الدولية الحامية لحقوقه، تبقى محكومة بمدى تأثير هذه القواعد في القوانين الوطنية، ومنها الدساتير لكل دولة، والتي تحكم الأفراد الخاضعين لها.

3- إنَّ المبادئ الدستورية التي يتضمنها الدستور، يمكن أن تكون خير وسيلة لانتقال القواعد الدولية لحقوق الإنسان، إلى القانون الوطني اللازم لتطبيق هذه القواعد المتعلقة بحقوق الإنسان، إذ إنَّه يتصف بكونه مهيأ أصلا للتعامل مع كل ما يتعلق بحقوق الإنسان، وذلك لاختصاصه الموضوعي بذلك، والعلاقة الخاصة بالقانون الدولي عمومًا.

 4- إنَّ المبادئ الدستورية تمثل القيم الأخلاقية، والاجتماعية، والقانونية، والايدلوجية المكرسة في دستور الأمة، والتي يستند إليها النظام القانوني، وتشكل هذه المبادئ الأسس القانونية، بوصفها ضمانات قانونية فاعلة وأساسية، في الحفاظ على حقوق الإنسان، وحرياته الأساسية، فضلًا عن أنَّها تؤكد على احترام هذه الحقوق، وحمايتها، في حالة انتهاكها من أي جهة أخرى، وهذه الحقوق ذات طبيعة دولية، كونها تستند في إلزاميتها من الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية.

5- تعد حقوق الإنسان حقوقًا طبيعية تولد مع الإنسان، وهذا ما أقرَّته جميع الأديان السماوية، ونادت بها الشريعة الإسلامية، فضلا عن أنَّها حقوق ذات طبيعة عالمية تهم المجتمع الدولي، ومسألة حمايتها من المصالح العامة للجماعة الدولية.

6- لاحظنا عن طريق مقالنا هذا، أنَّ لقواعد القانون الدولي مكانة بارزة، ومؤثرة، في الدساتير الوطنية المقدمة، إذ إنَّ أغلب الدساتير الوطنية نشأت عن طريق القواعد الدولية، المتمثلة بالمعاهدات، والأعراف الدولية، ولاسيَّما الدول التي تكونت بعد الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، وكان للمنظمات الدولية سواء عصبة الأمم، أو منظمة الأمم المتحدة، دور أساسي في أقلمة العديد من الدساتير الوطنية.

7- جدير بالذكر أنَّ قواعد القانون الدولي، كان لها دور أساسي على الحقوق الدستورية، المتمثلة بالحقوق السياسية، والمدنية، وذلك عن طريق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام ١٩٤٨، والعهد العالمي للحقوق المدنية والسياسية لعام ١٩٦٦.

8- إنَّ مبدأ عدم انتهاك حقوق الإنسان، وحرياته الأساسية، وإلزام الدول في حماية هذه الحقوق، يعد من المبادئ والقواعد الدولية، التي يتوافق عليها منهج الشرائع السماوية، والقوانين، والإعلانات، والدساتير العالمية، والوطنية لحقوق الإنسان الحديثة، لاسيَّما أنَّ الشريعة الإسلامية قد عرفت حقوق الإنسان، بوصفها مبدأً عالميًا منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، وكان الدين الإسلامي له السبق في إقرار المبادئ الإنسانية الدستورية، وحمايتها.

9 – لا تزال مسألة السيادة تشكل عقبة أمام الحماية الدولية لحقوق الإنسان، فمن الملاحظ أنَّ الدول لم تتخلَ بعد عن خصوصياتها واختصاصاتها الوطنية، مما تعذر تطبيق الإرادة الدولية.

10- من الجدير الإشارة إلى أنَّ الاعتبارات السياسية، والازدواجية في التعامل، أفرزت تناقضات في المجتمع الدولي، فتارة يدعو المجتمع الدولي إلى التدخل على أساس أنَّ حماية حقوق الإنسان من الالتزامات والشؤون الدولية، وتارة يرفض التدخل على أساس أنَّها تقع ضمن الإطار الخاص بالدول، مما أدى إلى إضعاف دور آليات الحماية لحقوق الإنسان.