الكاتب: البرت ر.هانت Albert R. Hunt
الناشر: أخبار الولايات المتحدة والعالم
ترجمة وتحليل: م. د. عبير مرتضى حميد السعدي
باحثة في قسم إدارة الأزمات
وفقًا لاستطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث هذا الأسبوع، يعدُّ الاقتصاد القضية الأساسية للناخبين قبل انتخابات 5 نوفمبر، فقد أظهرت النتائج أنَّ (81٪) من الأمريكيين، من كلا الحزبين، يرون أنَّ الاقتصاد هو الأولوية الرئيسة.
وفي المناظرة الرئاسية التي جرت يوم الثلاثاء، قدّمت نائبة الرئيس كامالا هاريس بعض التفاصيل حول خططها للتخفيف من تكاليف الإسكان، والبقالة، والرعاية الصحية، مع وعود بتخفيضات ضريبية للطبقة المتوسطة، وحوافز للشركات الصغيرة. في المقابل، أصرَّ الرئيس السابق دونالد ترامب، على أنَّه “أنشأ أحد أعظم الاقتصادات في تاريخ البلاد”، لكنَّه عندما طُلب منه تقديم تفاصيل عن خطته المستقبلية، لم يطرح أي “مفاهيم واضحة للخطة”.
كما يتظاهر ترامب بأنَّه شعبوي، كما يفعل زميله للترشح لمنصب نائب الرئيس، السيناتور جيه دي فانس من ولاية أوهايو. لكن الحقيقة هي أنَّ تخفيضات الضرائب، وسياسات التعريفات الجمركية التي يقترحها ترامب، ستلحق الضرر بالطبقة العاملة والمتوسطة، وسيستفيد الأثرياء منها. وعلى الرغم من أنَّ فانس يتحدث عن قضايا مكافحة الاحتكار، إلا أنَّه، على غرار ترامب، لا يبدي اهتمامًا كبيرًا بدعم الطبقات المتضررة، فيما يتعلق بالرعاية الصحية أو الضرائب، باستثناء تأييده لتوسيع نطاق الائتمان الضريبي للأطفال.
ويدّعي المدافعون عن ترامب أنَّ مواقفه المناهضة للعولمة والهجرة، تعكس توجهه الشعبوي. ومع ذلك، فإن جاذبيته بين الناخبين من الطبقة العاملة، ترتكز ارتكازًا أساسيًا على قضايا ثقافية، مثل: الأسلحة، والإجهاض، والقيم المسيحية، مما يدفعهم إلى الاعتقاد بأنَّه يقف في صفهم ضد النخب والمؤسسات. لكن الشعبوية الحقيقية تتطلب رؤية اقتصادية متينة، وهو ما يفتقده ترامب. فعلى سبيل المثال، خطته لمكافحة الإنفاق الحكومي المفرط، عن طريق الاعتماد على الملياردير إيلون ماسك، الرجل الذي حصل على أكثر من (18) مليار دولار من العقود الفيدرالية لشركتيه الخاصتين سبيس إكس وتيسلا، وهي أموال اخذت من دافعي الضرائب الأميركيين، وليس من جهات أخرى.
تُعد السياسة الضريبية مؤشرًا واضحًا على صدق التوجه الشعبوي للمرشحين. في عام 2016، وعد ترامب بتخفيضات ضريبية كبيرة للطبقة المتوسطة، وإلغاء أحكام الفائدة الخاصة، منها ثغرة الفائدة المخفضة التي توضع للأغنياء، ولكنَّه في عام 2017 أقرَّ تخفيضات ضريبية استفاد منها بالأساس الأمريكيون ذوو الدخل المرتفع، دون معالجة الثغرات الضريبية الكبرى. ويريد ترامب الآن تمديد هذه التخفيضات، التي ستنتهي صلاحية العديد منها العام المقبل، والتي ستزيد العجز الفيدرالي بمقدار (4.6) تريليون دولار، إذ ستذهب نصف الفوائد إلى أعلى (5٪) من دافعي الضرائب، والذين يكسبون أكثر من (450) ألف دولار سنويًا، وفقًا لمركز السياسة الضريبية المستقل، إذ سيحصل الأثرياء على تخفيض ضريبي متوسط قدره (280) ألف دولار سنويًا.
ومن المقرر أن يعود الحد الأقصى لمعدل الضريبة الفردية، للذين ينتمون إلى الشريحة العليا، من (37%) إلى (39.6%)، وهي الزيادة الوحيدة التي يعارضها ترامب. وفي الوقت الحالي، لا يسري أعلى معدل ضريبي فيدرالي، إلا على الأزواج الذين يكسبون أكثر من (731) ألف دولار، أو دافعي الضرائب العازبين الذين يكسبون أكثر من (609) آلاف دولار. كما يرغب ترامب أيضًا في الحفاظ على إعفاء ضريبي أعلى، على العقارات التي تعود للمتزوجين، والتي تتجاوز قيمتها (27) مليون دولار، في حين أنَّ عددًا قليلاً جدًا من العقارات يخضع لضريبة العقارات سنويًا، مما يشكّل ميزة كبيرة للأثرياء. ففي العام الماضي، توفي (2.8) مليون أمريكي، ولم يتم دفع ضريبة العقارات إلا على (4000) عقار. حتى لو انتهت صلاحية هذا الإعفاء، ستظل العقارات الكبيرة معفاة من الضرائب إلى حد كبير، وذلك عن طريق قيام الأثرياء بدفع مبالغ إلى الجمعيات الخيرية، وتبقى باقي الأموال معفاة من الضرائب، وتحول تلك العقارات والأموال إلى الورثة. ويوجه ترامب مقترحات للمتقاعدين عبر إعفاء شيكات الضمان الاجتماعي من الضرائب، وهو إجراء سيكلف الحكومة (1.5) تريليون دولار، إذ سيستفيد منه في الغالب الأثرياء، في حين معظم ذوي الدخل المنخفض، لا يدفعون ضرائب على هذه الشيكات بالفعل، وإنَّ توزيع شيكات الضمان الاجتماعي مع إعفائها من الضرائب، هي فكرة رهيبة من شأنها أن تعجل بإفلاس الضمان الاجتماعي للأجيال القادمة. فضلًا عن ذلك، يروج ترامب لإعفاء الإكراميات من الضرائب، وهي الفكرة التي استنسخها هاريس بعد أن استمع إلى رأي نقابة الطهاة في لاس فيجاس، استرضاءً للعاملين في قطاع الضيافة، وهذا الاقتراح يكلف (10) إلى (15) مليار دولار سنويًا، دون تقديم فائدة ملموسة للعاملين في قطاع الضيافة.
في المناظرة، قال ترامب: إنَّ حجر الزاوية لسياساته الاقتصادية، سيكون فرض تعريفات جمركية ضخمة على المنتجات كافة، على الرغم من أنَّ الأدلة تشير إلى أنَّ هذه السياسة تلحق الضرر بالاقتصاد، حيث تنتقل التكاليف إلى المستهلكين، مما يؤثر سلبًا في الطبقات ذات الدخل المنخفض.
وأخيرًا، يسعى ترامب إلى إلغاء قانون الرعاية الصحية الميسرة، وهو ما قد يحرم أكثر من (20) مليون أمريكي من التأمين الصحي، ويحرم ما بين (14- 15) مليون شخص من برنامج الرعاية الطبية. وبعبارة أخرى، فإنَّ هذا من شأنه أن يلحق الضرر بالفقراء العاملين، والطبقة المتوسطة.
أمَّا عن كيفية استبداله، فكان رد ترامب الضعيف هو أنَّ لديه “مفاهيم لخطة”. لقد مرت تسع سنوات منذ بدأ الترشح لأول مرة، ولم يتوصل إلى أي شيء.
تحليل:
عند اقتراب الانتخابات الأمريكية، يصبح الاقتصاد محور حديث كل مرشح، ولاسيَّما الضرائب، ويكون سلاحًا رئيسًا يستخدمه المرشحون للترويج لسياساتهم الاقتصادية. فالضرائب تشكل مصدرًا رئيسًا لإيرادات الموازنة الفيدرالية، مما يجعلها أداة حاسمة في تحديد قوة المرشح في إدارة الاقتصاد. في هذا الإطار، لم يكن استعراض ترامب لسياساته الاقتصادية خلال فترته الرئاسية أمرًا استثنائيًا، بل أصبح مألوفًا، إذ يسعى كل مرشح إلى إظهار قدرته على تحسين الاقتصاد، وحماية مصالح الطبقات العاملة والمتوسطة، حتى إن كانت بعض السياسات تصب في مصلحة الأثرياء أكثر من الفئات الأخرى.
لذا فإنَّ حديث ترامب المتكرر عن الاقتصاد والترويج لسياساته، أصبح أمرًا متوقعًا ومألوفًا. في المقابل، نجد أنَّ مرشحة الحزب الديمقراطي كاميلا هاريس، تمتدح رئاسة بايدن في الترويج لفكرة أنَّ الاقتصاد الأمريكي قد تحسن تحت قيادته، معتمدة في ذلك على المؤشرات الاقتصادية الأمريكية خلال المدتين الرئاسيتين، اللتين تتمثلان بالآتي:
- الناتج المحلي الإجمالي: نما الناتج الاقتصادي للبلاد بقوة في عهد بايدن وترامب، إذ توسع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، الذي يتتبع معدل التضخم لجميع السلع والخدمات التي تنتجها الولايات المتحدة، بمعدل سنوي بلغ (2.7٪) خلال السنوات الثلاث الأولى لرئاسة ترامب، و(3.5٪) خلال رئاسة بايدن. أمَّا معدل النمو السنوي في فترة ترامب، فقد وصلت إلى (1.4٪)، مع الإشارة إلى أنَّ أزمة كوفييد -19، كانت أحد الأسباب في ذلك، في حين يتركز النمو بقيادة رئاسة بايدن، إذ وصلت إلى (5.9٪) في عام 2021، وتباطأ إلى (1.9٪) و(2.5٪) في عامي 2022 و2023.
- سوق الأسهم: كان أداء الأسهم أفضل في عهد ترامب، على الرغم من أنَّ الرئاستين تزامنتا مع مكاسب أقوى من المتوسط ، فقد سجل مؤشر (S&P 500) عائدًا سنويًا بنسبة (11.8%) منذ تولى بايدن منصبه في عام 2021، مقارنة بـ (16.3%) في عهد ترامب.
- التضخم: كان التضخم أسوأ بكثير خلال إدارة بايدن، فوفقًا لمؤشر أسعار المستهلك الحكومي، ارتفع التضخم بنسبة (19%) خلال أول (42) شهرًا من ولاية بايدن، مقارنة بنحو (6%) خلال أول (42) شهرًا من ولاية ترامب. بلغ التضخم على أساس سنوي ذروته في عهد بايدن، عند أعلى مستوى له منذ أربعة عقود، إذ وصل إلى (9%) في عام 2022، قبل أن ينخفض إلى ما يزيد قليلاً على (3%)، وألقت حكومة بايدن اللوم على تأثير كورونا، والحرب بين روسيا وأوكرانيا.
- سوق العمل: أشرف كل من بايدن وترامب على أسواق عمل قوية. منذ أن تولى بايدن منصبه، ارتفع التوظيف الإجمالي بنسبة (11٪)، وارتفع متوسط الأجر بنسبة (18٪)، وانخفض معدل البطالة من (6.7٪) إلى (4.2٪). وعلى الرغم من أنَّها من علامات القوة التي تحسب لحكومة بايدن لسوق العمل، إلا أنَّ ما يقابلها من زيادات سعر الفائدة، وارتفاع معدلات التضخم، أثرت تأثيرًا كبيرًا في السوق. أمَّا في فترة ترامب في فقد انخفض معدل البطالة من (4.7٪) إلى (3.5٪) في أواخر عام 2019 وأوائل عام 2020، وهو ما يعادل أدنى مستوى لها منذ عام 1969، ونمو الأجور بنسبة (15٪)، فهي تتفوق على التضخم خلال فترة ولايته التي استمرت أربع سنوات.
- أسعار الغاز: وفقًا لإدارة معلومات الطاقة، انخفض متوسط تكلفة جالون البنزين من (2.37) دولار إلى (2.28) دولار، من ديسمبر 2016 إلى 2020، وارتفع إلى (3.24) دولار، لكن أسعار الغاز ارتفعت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، بأكثر من (5) دولارات للغالون في عام 2022، بعد وقت قصير من غزو روسيا لأوكرانيا، مما تسبب في ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا، حيث تعهدت الولايات المتحدة وحلفاؤها بعدم شراء النفط من روسيا، ثالث أكبر منتج للنفط في العالم.
- الدين الفيدرالي: بلغ الدين الوطني للولايات المتحدة (35.3) تريليون دولار، وهو أعلى بنسبة (25%) عمَّا كان عليه في اليوم الذي تولى فيه بايدن منصبه، بعد أن ارتفع بنسبة (39%) خلال رئاسة ترامب، ارتفاعًا من (19.95) تريليون دولار في يناير 2017. إذ تعاني الولايات المتحدة من عجز إجمالي قدره (5.85) تريليون دولار، من سنتها المالية 2021 إلى 2023، مقارنة بـ (2.43) تريليون دولار من 2017 إلى 2019، ورقم قياسي بلغ (3.13) تريليون دولار في عام 2020 وحده.
بالنتيجة، يمكن القول: إنَّ الفترتين الرئاسيتين، لترامب وبايدن، قد حققتا نتائج اقتصادية إيجابية وسلبية في سياقات مختلفة، لذا لا يمكن عدّ أي من الفترتين مثالية أو خالية من التحديات، فكل رئيس حقق بعض النجاحات، وواجه صعوبات تتعلق بظروف داخلية وخارجية، كانت خارج نطاق سيطرته بشكل كامل، ومن المؤكد أنَّ الرئيس القادم سيواجه تحديات اقتصادية وسياسية وتجارية متنوعة، توثر تأثيرًا كبيرًا في الاقتصاد الأمريكي.