م.م قسمة عزيز الزيدي
مركز الدراسات الاستراتيجية
أيلول/ 2024
تعني الشفافية توفر المعلومات التي تتعلق بالسياسات، والنظم، والقوانين، والقرارات، واللوائح للعاملين والمتعاملين، عن طريق الكشـف والإعلان عـن جميـع أنشـطة المؤسسـات العامـة فـي التخطيـط والتنفيذ، كما أنَّها تعني الوسائل التي تسهل وصول الأفراد إلى المعلومات، وفهمهم لآليات صنع القرار، وهي تشير إلى تقاسم المعلومات، والتصرف بطريقة مكشوفة، وإجراءات واضحة لكيفية صنع القرار، كما تمتلك قنوات اتصال مفتوحة بين أصحاب المصالح والمسؤولين. تكمن أهمية الشفافية في كونها قناة مفتوحة للاتصال بين الإدارة وأصحاب المصالح، وتعد أداة مهمة في محاربة الفساد، كما أنَّ الشفافية ضرورة في حياة المجتمعات، وعلاقتهم بعضهم مع بعض، إلا أنَّها ضرورية أيضًا بالنسبة للمنظمات، حتى لا تكون غامضة في توجهاتها اتجاه العاملين، مما يؤدي إلى تقليل روح الانتماء. فالمكاشفة وإيضاح المعلومات تعزز الولاء لديهم، بوصفهم جزءاً من المنظمة.
إنَّ انتشار ظاهرة الفساد في مختلف مناحي الحیاة العامة، وما يرافقه من انتشار لسلوكيات مضرة بالمصلحة العامة في مختلف الدول، الامر الذي دفع هذه الدول إلى تبني تشريعات جديدة، وتحديث سياساتها وقوانينها القائمة، من أجل التصدي لجرائم الفساد بمختلف أشكالها، لتجنب فقدان الثقة من قبل المواطنين بالمؤسسات الحكومية، أو الأهلية، أو المختلطة، لأنَّ الفساد يمكن أن يتسبب بانهيار أي نظام، نظرًا لآثاره السلبية في القيم الأخلاقية، وفي الحیاة العامة في أي مجتمع. إنَّ الفساد حسب وجهة نظر منظمة الشفافية الدولية، هو سوء استخدام الوظيفة في القطاع العام، من أجل تحقيق مكاسب شخصية. أمَّا البنك الدولي فقد عرَّفه بأنَّه: إساءة استعمال الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب خاصة. ولا توجد صورة واحدة للفساد، فقد يكون الفساد إداريًا، وهذا النوع يعد عقبة رئيسة أمام التنمية والإصلاح، وعائقًا يحول دون تقدم المؤسسات الحكومية والخاصة. ويعرف على أنَّه: انحراف سلوك الموظفين الحكوميين، عن القواعد المقبولة لخدمة أهداف خاصة. أو قد يكون بصورة فساد مالي، تختلف آثاره وتداعياته من مجتمع إلى آخر، ولكنَّه في الأغلب موجود في مختلف المجتمعات، ويعرَّف على أنَّه: الانحرافات المالية، ومخالفة القواعد، والأحكام، المعتمدة حاليًا في مؤسسات الدولة، مع مخالفة ضوابط، وتعليمات الرقابة المالية. ويرجع أغلب الخبراء أسباب الفساد المالي إلى عدة عوامل، منها:
1- الأوضاع الاقتصادية المتردية، وتكاليف المعيشة، مما يدفع المسؤولين إلى تلقي الرشوة، وجمع المال بأي وسيلة.
2- تهميش دور المؤسسات الرقابية التي قد تعاني هي الأخرى من ظاهرة الفساد.
3- تهميش دور المجتمع المدني.
أمَّا الفساد بصورة عامة، فيمكن إرجاع أسبابه إلى ما يأتي:
أولًا- الأسباب الاقتصادية: هناك العديد من الأسباب الاقتصادية التي تعد عاملًا مشجعًا لانتشار الفساد في مختلف القطاعات، فقد تكون الأسباب الاقتصادية للفساد بتدخل المسؤولين الحكوميين، عن طريق قبول الرشوة من البعض، لغرض خرق الأنظمة، وتخطي القوانين، والقواعد العامة، من أجل مصلحة شخصية، أو قد تكون نتيجة انخفاض الأجور في الدوائر الحكومية، الذي يدفع الموظفين إلى استغلال وظائفهم لغرض كسب المال، وفي بعض الدول قد يكون تعدد الموارد، ووجود الموارد الطبيعية بشكل كبير، يدفع المسؤولين إلى ممارسة الفساد بطرق مختلف.
ثانيًا- الأسباب السياسية: تتمثل الأسباب السياسية للفساد، بضعف الإرادة السياسية في مكافحة الفساد، بسبب مشاركة أطراف سياسية في الدولة في هذه الأعمال، لذا لا يتخذ إجراءات وقائية أو ردعية، ضد عناصر الفساد. وطبيعة الأنظمة الحاكمة في بعض الدول، قد تكون سببًا رئيسًا في انتشار ظاهرة الفساد، فالأنظمة الاستبدادية التي تحتكر السلطة، ولا تسمح بالمشاركة، ومن ثَمَّ ظهور أشخاص داخل هذه الأنظمة، تستغل مؤسسات الدولة لتحقيق مكاسب شخصية.
ثالثًا- الأسباب القانونية: إنَّ أبرز الأسباب القانونية لظهور الفساد وانتشاره، هو غياب الأجهزة الرقابية وضعفها، الذي له دور كبير في تقويم العمل، وتحجيم الفساد. وتعدد مصدر اتخاذ القرار يعد بابًا من أبواب الفساد دون أدنى شك، إذ يستغل بعض المسؤولين السلطة الممنوحة لهم بموجب القانون، لممارسة أسلوب المماطلة في تنفيذ الأعمال، من أجل الحصول على الرشوة، والكسب غير المشروع.
الشفافية تعزز من الرقابة، بحيث يصبح كل شيء واضحاً ضمن قواعد العمل وأنظمته، كما أنَّها تعد وسيلة للتطوير الإداري، كهدف تعمل على تحقيقه، مما يتطلب إعادة النظر المستمر بالأنظمة والإجراءات المستخدمة، التي تكون خاضعة للمتابعة من مختلف الجهات التي تتعامل معها المنظمة، من جانب آخر تحقق الشفافية للعاملين أماناً، وتشجع على استغلال أفضل ما لدى العاملين من طاقات، حيث يكون الأداء بشكل أفضل وأكثر وضوحاً، إذ إنَّها تجعل الموظف أكثر حذرًا وحرصًا، خشية المساءلة، وتجعله في وضع أفضل، لتخطيط نشاطاته، ومراجعة حساباته، ومن ثَمَّ يكون سلوكه أكثر رشدًا، وأبعد عن الفساد، فضلًا عن أنَّ الشفافية تقلل التجاوزات. إنَّ أهمية الشفافية تكمن في تقليل الغموض والضبابية، وتسهم في القضاء على الفساد، وتعمل الشفافية على توفير الوقت والتكاليف، وتجنب الإرباك والفوضى في العمل، وتعمل على اختيار قيادات إدارية تتصف بالموضوعية، والنزاهة، والانتماء للمؤسسة والمصلحة العامة. وبذلك فالشفافية مهمة لجميع المؤسسات، وهي أحد الشروط والمقومات الأساسية للتنمية الشاملة، على أن تكون الشفافية في الوقت المناسب، إذ إنَّ الشفافية المتأخرة تكون عادة لا قيمة لها، وأن تتاح الشفافية للجهات كافة في الوقت ذاته، وذلك لتجنب أي شبهة فساد، كما لا يجب أن تخل الشفافية بالمبادئ العامة ذات الصلة بسرية العمل، على أن يعقب الشفافية توضيح للأخطاء، ومحاسبة مرتكبيها ومساءلتهم، بالشكل الذي يحد من عمليات الفساد، إذ إنَّ اتخاذ التدابير الوقائية القانونية، التي تضمن نزاهة الموظف في مختلف القطاعات، تعد درعًا وقائيًا في مواجهة الفساد. تستهدف الشفافية كآلية رقابية إيجاد بيئة نزيهة ومستقرة لمختلف مؤسسات الدولة، وإدارة فعَّالة، وكفوءة، ومنصفة، وشفافة، تضمن تقديم خدمات عامة في مجالات الحياة كافة، وتشكيل صورة أكثر دقة لمحاربة جرائم الفساد بمختلف أنواعها.
الشفافية ركيزة أساسية في محاربة الفساد، فكلما كانت هناك شفافية لدى صانع القرار، تقلصت فجوة الفساد، والأمر ليس مقتصرًا فقد على صانع القرار، إذ يجب التعاون بين مختلف المستويات والاتجاهات داخل المجتمع، للقضاء على آفة الفساد. إنَّ الشفافية في القوانين والأنظمة، تساعد على إزالة العوائق البيروقراطية والروتينية، كالتواقيع، والتصديقات الكثيرة وغير الضرورية، كما تساعد على تبسيط الإجراءات، والتوسع في اللامركزية، مع وضوح خطوط السلطة، وبساطة الهيكل التنظيمي للمؤسسات، وسهولة إيصال المعلومات من القمة للقاعدة، والتغذية العكسية، كما أنَّ وجود تشريعات واضحة وشفافة، يؤدي إلى تنمية الثقة العامة لفئات المجتمع كافة، إذ إنَّ العلاقة بين الشفافية ومكافحة الفساد علاقة عكسية، فكلما ارتفعت مؤشرات الشفافية، قلت مؤشرات الفساد المعرقلة للتنمية والعكس صحيح، لذا يجب العمل الصريح والصارم على تفعيل دور الشفافية على جميع الأصعدة، وفي مختلف هياكل الدولة ومؤسساتها ضد كل أشكال الفساد، والتسيب، والإهمال، وإطلاق ید الأجهزة الرقابية لكي تمارس مهامها وصلاحيتها بكل حریة، دون تدخل من أي سلطة.
ومن ثَمَّ يمكن تطبيق نظام الشفافية، ومكافحة الفساد بكل سهولة، عن طريق رفع مستوى كفاءة الأجهزة الرقابية، والقضائية، ومنحها صلاحيات كافية، ووضع التشريعات والقوانين الملائمة، إلى جانب تحديث التشريعات السابقة، لكي تواكب التطور الحاصل، والتي تمكن من انجاز العمل بكل سهولة ومصداقية، فضلًا عن تطبيق مبدأ من أين لك هذا، وعلى الجميع دون استثناء. إلى جانب وضع الخطط الاستراتيجية الملزمة بتطبيق الشفافية، والمساءلة، على مستوى جميع المنظمات، ومساءلة القيادات عن تنفيذها، ونشر ثقافة الشفافية بين مختلف فئات المجتمع، ومحاكمة المتهمين بالفساد، وإعلان العقوبات الصادرة بحقهم بشكل علني، والعمل على تنفيذها لخلق نوع من الطمأنينة لدى عامة المجتمع من جهة، وبيان مدى جدية الحكومات في إرساء مبادئ الشفافية، ومكافحة الفساد من جهة أخرى، وأخيرًا اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الأشخاص، الذين يسهمون في كشف الفساد ومكافأتهم.