أ.م. علي مراد النصراوي
مركز الدراسات الاستراتيجية/ قسم إدارة الأزمات
تمر علينا الذكرى الأولى لأحداث السابع من أكتوبر، وهو اليوم الذي شنّت فيه حركة حماس هجومها القوي، والمباغت على إسرائيل، والذي مثَّل صدمة كبيرة لإسرائيل، وربَّما للعالم، نتيجة لدقة التخطيط، وآلية التنفيذ، والنتائج التي جاء بها، إذ إنَّ كتائب القسام، وهي الجناح العسكري لحركة حماس، تمكَّنت من اقتحام أكثر من (20) قاعدة عسكرية محيطة بغزة، فضلًا عن عدة مدن في ما يعرف بغلاف غزة، والتي تمكنت من قتل المئات من الجنود، وأسر عدد آخر. وعلى إثر ذلك، شنَّ الاحتلال الإسرائيلي هجمة قوية على قطاع غزة، مرتكبًا مئات المجازر، ومن ثَمَّ الشروع بحرب برية، بدواعي تحرير الأسرى الذين يقدر عددهم أكثر من (150) أسيرًا، اقتادتهم الحركة إلى داخل القطاع. وبالرغم من عقد صفقة هدنة لتبادل الأسرى بين الجانبين، إلا أنَّها لم تدم طويلاً، فسرعان ما عاود الكيان ضرب غزة وبقوة، على إثر رفض رئيس وزراء الكيان نتنياهو أي مبادرات للحل.
وفي غضون العملية البرية، ومع توفر كل الامكانات العسكرية للاحتلال، والدعم الغربي له، وفارق القوة الكبير بين الطرفين، إلا أنَّ ذلك لم يحسم المعركة، فقد اعترف العدو بصعوبة الوضع، وتكبَّد جنوده خسائر كبيرة، والدليل انه قد مضى عام كامل، ولم تتحقق أهداف الحرب التي من أجلها شنَّت إسرائيل هجومها، وهي: القضاء على حركة حماس، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، والهدف الآخر هو تحرير الأسرى، وهو الآخر لا يزال بعيد المنال، باستثناء عمليات فاشلة أدت إلى مقتل عدد من الأسرى، وتحرير أربعة عناصر في عملية مباغتة شنَّها الكيان، والتي أدت إلى مقتل قائد الوحدة الخاصة التي شنَّت الهجوم. كذلك من ضمن الأهداف تصفية قائد حركة حماس في غزة، ورئيس مكتبها السياسي لاحقاً يحيى السنوار، وهو ما لم يتم حتى اللحظة.
وإذا ما أردنا إجراء تقييم لما حصل، وسوف يحصل، أولاً تهاوي منظومة الردع الإسرائيلية، وعبارة الجيش الذي لا يقهر، فهي أول مناورة عسكرية بيَّنت للعالم أنَّ إسرائيل يمكن القضاء عليها، بالرغم من حجم تسلح جيشها وقوته، فضلا عن تطورها العسكري، والصناعي، والتكنلوجي، والدعم الغربي اللامحدود، لاسيَّما من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، ودول أخرى، في مقابل مجاميع مسلحة لا تقارن بقوة العدو، والدليل انه بعد السابع من اكتوبر دخل محور المقاومة في مواجهة مفتوحة مع الكيان تحت مسمى وحدة الساحات، إذ إنَّ حزب الله في لبنان، تمكن من اشغال الجبهة الشمالية للكيان لقرابة أحد عشر شهرًا، قبل أن تتحول إلى حرب مباشرة ما بين الطرفين، فضلًا عن الهجمات القوية من قبل الحوثيين في اليمن، على الرغم من بعد المسافة، والتي أثَّرت كثيرًا عبر السيطرة على البحر الأحمر، وباب المندب، ومنع توجه الناقلات صوب إسرائيل، فضلًا عن الضفة الغربية المحتلة، والمقاومة في العراق وسوريا، وهذه كلها جبهات مفتوحة مع العدو، فضلاً عن الرد العسكري الإيراني المباشر على الكيان الصهيوني لمرتين، لاسيَّما أنَّ الهجوم الأخير هو الأقوى، في رد إيران على اغتيال رئيس حركة حماس اسماعيل هنية، الذي اغتالته اسرائيل في العاصمة الإيرانية طهران، والرد على اغتيال زعيم حزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله، الذي قضى مع بعض رفقائه في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، فضلاً عن ما يلاقيه العدو من خسائر، نتيجة الصواريخ المستمرة من تلك الفصائل.
وهناك الكثير من العبر المستوحاة من هجوم السابع من أكتوبر، فقد أوقفت مشاريع التطبيع العربية الاسرائيلية، التي تسارعت وتيرتها في الآونة الأخيرة، متناسية قضية العرب المصيرية، كذلك شروع دول كثيرة بالاعتراف بدولة فلسطين، مع تصاعد النبرة الدولية بضرورة حلّ الدولتين، وأسهمت بإسقاط فرضية الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، مما أدت إلى تزايد حدة الخلافات الداخلية في إسرائيل، وانسحاب بعض الوزراء من الحكومة، وتصاعد المطالب بسحب الثقة من نتنياهو، وازدياد حجم الردود الشعبية العالمية على جرائم الكيان الصهيوني، والمجازر التي يرتكبها بحق المدنيين، وتوحيد الجبهات في محور المقاومة التي أبدت الإسناد لغزة، وضعف الكيان الصهيوني إذ إنَّه بالرغم من مرور عام كامل على حربه في غزة، لم يتمكن من تحقيق أهدافه.