الكاتب: الدكتور عباس سلمان
جامعة كربلاء/ مركز الدراسات الاستراتيجية
قسم الدراسات القانونية
10/ 2024
إنَّ مفردة التكييف كلمة ذات بعد تخصصي في القانون، تتأرجح بين أكثر من معنى لأصحاب التخصص العام، وتزداد تدرجًا كلما توغلنا في التخصص الدقيق، مما يجعلها ذات تمييز فريد من نوعه، ولعل سبب ذلك راجع إلى ما يندرج تحتها، وزد على ذلك استخدامها استخدامًا يناسب موضعها، فيقول أصحاب الاختصاص: إنَّ التكييف هو تحديد الوصف القانوني الصحيح للوقائع، أو التصرف لربط مسألة قانونية معينة، تمهيدًا لتحديد القانون الذي يخضع له النزاع. هذا في العلاقات التي يشوبها عنصر أجنبي، وتعرف باسم (العلاقات الدولية الخاصة)، في حين أنَّ مفردة التكييف ذاتها، تستخدم للوقائع، وتعدُّ من التحديات التي تواجه القانوني، ويعدُّ مشكلة ملحة تفرض نفسها على المحامي، والقاضي، والمحقق، وحتى شركات الاستشارة القانونية في عموم قضاياهم. فبالنسبة للمحقق بعد تدوين إفادة المشتكي، سيعين المحكمة على دقة كتابته للوقائع، وتضبيط كتابته للوقائع، وتقييدها في أوراق التحقيق طبقًا لنصوص القانون، وهو ما يفسر لنا أهمية التكييف بالنسبة للمحقق، فالتكييف غير الصحيح يؤدي إلى خطأ في تطبيق القانون. في حين نجد أنَّ التكييف بالنسبة للقاضي، عند النظر في النزاع المعروض أمامه، فهو يحاول النظر إلى مجموعة العناصر المعروضة أمامه، ثم يقوم بعد ذلك بإعطاء هذه الوقائع وصفًا قانونيًا، ينطبق وإحدى مواد القانون.
إنَّ التكييف المراد به في هذا المقال، هو التكييف العام، أي الذي لا يتوقف عند حد المتعلق بالقانون الخاص، أو المراد به في القانون الدولي الخاص، بل نريد بالتكييف في هذا المقال، تكييف الوقائع بعمومها، ومفهومها، وفلسفتها في الماهيات الفلسفية عمومًا، وتزداد توغلًا كلما قلنا عمومًا من مفهوم التكييف، إذ الأمر يتسع للعلوم فيتدحرج وصولًا للمفاهيم الخاصة المتعلقة بعلم القانون، علَّنا نجد ذلك في ثنايا القانون عمومًا في الكم المتناثر من فقه، وتشريع، وقضاء، ومن أمثال ذلك قرارات المحاكم الدرجة الأولى، أو القضاء الإداري، أو القضاء الأعلى المتمثل بمحكمة النقض، والتمييز، حيث تكيفاتها القانونية التي تتميز بالدقة، ومن أمثال ذلك قرار العام الماضي المتعلق بتحول التكييف بقرار الضرب المفضي للموت في 2023، وفقا للمادة 211 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
ومن نافلة القول، نجد أنَّ مفردة التكييف في القانون الخاص، وردت بمفهوم خاص في قواعد القانون الدولي الخاص، ولعل هذه الخصوصية متعلقة بالقانون العراقي والمقارن، وعلى وجه التحديد وردت في القانون العراقي في القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل، وبالتحديد المادة 17 من القانون المذكور، ولكن هذه المادة تعلقت بنسبة الوقائع إلى قانون لحكمها، أمّا في فلسفة القانون نجد المراد بالتكييف، هو البعد الذاتي في المفردة المعروضة فقهًا أو قضاءً أو قانونًا، وتجد أبعادها في الفلسفة الذاتية أو التبادلية لا الفلسفة المثالية، وهذا الموضوع هو من ذاتيات القانون التي تعلقه بأصل نشأة القانون اطلاقا، من فلسفة الوقائع إلى فلسفة العناصر، حتى تصل بنا إلى تحقيق العدالة المرجوة في المجتمع، لتنظيمه بشكل يتناسب وإرادة الخالق.