هل تؤثر حرب غزة ولبنان في تغيير عقيدة إيران النووية؟

      التعليقات على هل تؤثر حرب غزة ولبنان في تغيير عقيدة إيران النووية؟ مغلقة

أ.م.د. حمد جاسم محمد

رئيس قسم إدارة الأزمات

مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء

تشرين الأول/ 2024

كانت بدايات البرنامج النووي الإيراني في عهد الشاه (محمد رضا بهلوي) في ستينيات القرن الماضي، عن طريق التعاقد من شركات أوربية، وبموافقة الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنَّه توقف عام 1979 بعد نجاح الثورة الإيرانية، وإقامة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقد أعادت إيران العمل بالبرنامج النووي بعد إنهاء الحرب العراقية الإيرانية. وبعد أن رفضت ألمانيا الاتحادية، إكمال محطة بوشهر النووية، التي كانت قد بدأت العمل بها عام 1974، لجأت إيران إلى التعاون مع روسيا والصين وباكستان. وعلى الرغم من أنَّ البرنامج النووي يعود إلى عهد الشاه، والبرنامج النووي محاط بالسرية والغموض، وأنَّه صمم للأغراض السلمية، ولإنتاج الطاقة الكهربائية، حسب تصريحات المسؤولين الإيرانيين، فإنَّ البرنامج النووي ما يزال يكتنفه الغموض، وذلك لكثرة أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم، وانتشار المفاعل النووية الإيرانية في أكثر من مكان، وفي أماكن سرية محصنة.

ومع كل ما كانت تصرح به إيران من أنَّ برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية، وإنتاج الطاقة الكهربائية، وأغراض علاجية أخرى، وتصريحات مرشد الجمهورية الإسلامية (آية الله علي الخامنئي)، وتحريمه استخدام السلاح النووي، إلا أنَّ الواقع الحالي على الأرض، يعطي عدة مؤشرات قد تجعل إيران تعيد النظر في عقيدتها النووية، منها:

  • إنَّ أحداث الحرب في غزة بعد السابع من أكتوبر عام 2023، وما تلاها من أحداث مأساوية، وارتكاب الكيان الصهيوني مجازر عديدة بحق أهالي غزة، وصلت إلى منع وصول الغذاء، والماء، والدواء، وطالت حتى المؤسسات الصحية، في جوّ من الصمت العربي والدولي، بل وقوف بعض الدول العربية، والولايات المتحدة، ودول أوربية إلى جانب الكيان الصهيوني، شكَّل جرس إنذار لإيران، ودول المنطقة الأخرى، إلى السعي لبناء قدرات عسكرية غير تقليدية.
  • الاغتيالات التي طالت مسؤولين كبار في إيران وخارجها، مثل: مقتل (اسماعيل هنية) رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران في 31 تموز 2024، وعدد من قادة الحرس الثوري في سوريا، والتهديد باستهداف المسؤولين الإيرانيين، والتلويح بالضربات العسكرية على المنشآت النووية والنفطية الإيرانية، هذه التهديدات الصهيونية تتم بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، واستخدام القواعد الأمريكية في المنطقة.
  • وقوف الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوربية، إلى جانب الكيان الصهيوني بكل قوة، وتزويده بمختلف الأسلحة، وإعلانها حماية الكيان الصهيوني، كذلك تدخلات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، واحتلال العراق وافغانستان، كلها مؤشرات على أهمية بناء قوة عسكرية رادعة في إيران.
  • الهجوم الواسع الذي تشنه القوات الصهيونية على حزب الله في جنوب لبنان، وارتكاب مجازر عديدة، واغتيالات طالت أمين عام الحزب (السيد حسن نصرالله)، وعدد من القادة في الحزب، والانذارات بإخلاء جنوب لبنان، هذه التحركات الصهيونية في لبنان ما كانت لتتم، لو لم يحصل الكيان الصهيوني على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأمريكية. إنَّ هجوم الكيان المحتل على جنوب لبنان، شكَّل جرس إنذار لإيران بأنَّها هي المستهدف الرئيس، وإنَّ عليها الدفاع عن حلفائها عن طريق بناء قوة عسكرية رادعة.
  • إنَّ بناء قوة عسكرية قادرة على مواجهة المخاطر، أصبح ضرورة ومطلبًا في أغلب دول المنطقة، وذلك لمواجهة التهديدات الصهيونية الأمريكية. وظهرت توجهات داخل إيران تدعو إلى تغيير العقيدة النووية لإيران، لمواجهة ما اسموه التهديدات الأمريكية الصهيونية ضد بلادهم، وقدَّم (39) نائبًا رسالة إلى المجلس الأعلى للأمن القومي، يدعون فيها إلى إعادة النظر في العقيدة النووية الإيرانية.

إنَّ التدخلات الأمريكية، واستباحة الدول، وضعف القانون الدولي، وعدم ردع العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني ودول المنطقة، وإن كانت من الأسباب التي قد تدفع إيران إلى تغيير عقيدتها النووية، وبناء قوة غير تقليدية لردع أي عدوان عليها، إلا أنَّ الواقع الحالي يشير إلى  أنَّ إيران قد لا تقدم على هكذا خطوة، وذلك لأنَّ بناء قوة نووية عسكرية يحتاج إلى تقنيات متطورة، وتعاون من دول أخرى، مثل: روسيا أو الصين، وهو قد لا تحصل عليه إيران حاليًا، لأنَّه وإن بدت الأمور متوترة بين الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، إلا أنَّه لم يصل التوتر إلى درجة الصراع المسلح، أو التصادم، بل هناك قنوات دبلوماسية بينهم. والقوة النووية تحتاج أيضا إلى أموال طائلة، في الوقت الذي تعاني فيه إيران من عقوبات أمريكية شديدة، كما أنَّ إيران نووية ليس في مصلحة حتى حلفائها، مثل: روسيا التي تخشى تأثير ذلك في أمنها الاستراتيجي بعيد الأمد، فضلًا عن أنَّ تسلح إيران نوويًا سوف يفتح المنطقة إلى سباق تسلح غير تقليدي، قد لا تحمد عقباه على المنطقة والعالم. وأخيرًا فإنَّ الولايات المتحدة، وعلى الرغم من عدائها المعلن للنظام الإيراني، إلا أنَّها تدفع بالأمور حاليًا إلى التهدئة مع إيران، بعيدًا عن المواجهة المباشرة، بل وتضغط على الكيان الصهيوني إلى عدم التصعيد مع إيران، حتى لا تكون حجة لدى الإيرانيين لبناء قوة غير تقليدية. في المستقبل المنظور أو البعيد، لا يمكن استبعاد أن تغير إيران عقيدتها النووية، لاسيَّما إن وسَّع العدو الصهيوني مساحة الحرب إلى سوريا أو العراق، والتسلح بالأسلحة غير التقليدية، يتوقف على قوة توسع الحرب ومدياتها في المنطقة.