رئيس الوزراء محمد السوداني في واشنطن
الكاتب: دوغلاس اوليفانت
الناشرdouglasollivant.substack.com:
ترجمة: هبة عباس محمد علي
يرغب العراق ولاسيَّما رئيس الوزراء محمد السوداني، في إقامة علاقة طبيعية مع الولايات المتحدة، لكن لم تتضح معالم ما هو “طبيعي” في هذه العلاقة.
هناك قضيتان سيطرحهما السوداني في واشنطن، هما: التحرك نحو التطبيع، والقضايا التي ستطرحها واشنطن، والتي سيتعين عليه الحديث عنها (ومعظمها غير طبيعي).
ومن القضايا الأخرى، وضع إيران وحلفائها في العراق، وهذه القضية لها فرعان رئيسان، هما: علاقة العراق الاقتصادية مع جارتها الشرقية، ووضع الحشد الشعبي المتأثر بإيران.
وأيضا في إطار العلاقة غير الطبيعية؛ هناك مسألة الوجود الأمريكي في العراق، إذ تتمركز هذه القوات في بغداد، وقاعدة الأسد الجوية في الأنبار، وفي أربيل.
وأخيرًا، سيناقش اهتمام الولايات المتحدة بتفاصيل السياسة النفطية في العراق، ولاسيَّما وضع العقود التي وقعتها شركات النفط (العديد منها شركات أمريكية)، مع حكومة إقليم كردستان، وكيف يمكن تنظيم هذه العقود مع بغداد.
كما يرغب السوداني في الحديث عن التطبيع، “تطبيع النظام المصرفي العراقي، وتطبيع التبادلات الفنية، والتعليمية، والثقافية، والتطبيع عن طريق الاندماج في المنطقة”. كما لديه أيضًا أفكار حول كيفية إقامة علاقة أكثر طبيعية، بين وزارة الدفاع الأمريكية، ووزارة الدفاع العراقية (على الرغم من أنَّ وزير الدفاع ليس جزءًا من الوفد، ولا يُتوقع وجوده في واشنطن لبضعة أشهر). تعد جميع هذه المسائل جزءًا من الاتفاق الإطاري الاستراتيجي الطويل الأمد، الذي وقعته الولايات المتحدة، والعراق عام 2008.
سيكون موضوع العراق وإيران حساسًا وموضوعيًا، لاسيَّما في أعقاب الهجوم على إسرائيل. لكن أوراق اعتماد السوداني القومية الواضحة، يجب أن تجعل المحادثة معه مريحة أكثر من المحادثة مع أسلافه، على الرغم من أنَّ علاقة العراق الوثيقة بجارته، ستجعل واشنطن دائمًا غير مرتاحة.
كما يواجه العراق وضعًا صعبًا، إذ يلومه الغرب على عدم تطوير اقتصاده غير النفطي، ولكنَّه يحرمه أيضًا – عن طريق العقوبات الثانوية – من القيام بنشاط اقتصادي عادي، مع جيرانه في الشرق (إيران)، والغرب (سوريا). لذا فإنَّ اقتراح العراق مشروع طريق التنمية، من البصرة إلى تركيا ثم إلى أوروبا، متجاوزًا قناة السويس، ومضيق باب المندب، هو محاولة ذكية للتغلب على هذا الواقع الجغرافي الأساسي.
لا يمكن أن يستمر العراق في إيقاف التجارة مع جيرانه، وعلى الولايات المتحدة أن تمنحه بعض الإعفاءات المعقولة، لتجارته مع إيران أو غيرها من الدول، أو تمنعه من التعامل بالدولار، من أجل تهدئة مخاوفها بشأن استخدام الدولار، مع إشراك جيرانه أيضًا، ولكن يبدو أنَّ هذا لا يصب في المصلحة الوطنية للولايات المتحدة.
أمَّا ملف الحشد الشعبي فلا يزال يثير المخاوف الإيرانية، إذ ظهرت هذه القوات في أعقاب فشل الجيش العراقي، في صد هجوم داعش عام ٢٠١٤، ولا يزال يحظى بالتأييد من قبل الشعب العراقي، ولا يمكن أن نتوقع حلَّه في الوقت الحالي.
ستكون المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن هذا الملف صعبة، لاسيَّما في أعقاب مقتل جنود أمريكيين في الأردن في قاعدة البرج 22، والهجمات الإيرانية على إسرائيل. ولكن يبدو أنَّ “الهدنة” بين فصائل المقاومة والحضور الأمريكي في العراق، عقدت منذ فترة وجيزة بعد حادثة قاعدة البرج ٢٢، ستجعل المحادثات ممكنة.
ومع ذلك، ستبقى هذه القضية مثيرة للجدل خلال زيارة رئيس الوزراء السوداني، ومن المحتمل أن تُطرح في كل اجتماع.
لا يزال الوجود الأمريكي المتمثل “بقوة المهام المشتركة”، يمثل عقبة حقيقية أمام الحياة الطبيعية.
يعدُّ العراق “قوة المهام المشتركة” أداة لتحقيق غرضه، ومن المتوقع أن تكون مدة بقائها فيه قصيرة جدًا، إذ لم يتبقَ سوى مجموعات صغيرة من” داعش” داخل حدوده، حتى “قيس الخزعلي” ترك الباب مفتوحًا أمام الوجود الأمريكي، الذي يقتصر على المنشآت الدبلوماسية والمطارات. ومن المثير للاهتمام معرفة نتائج المفاوضات، سواء بلغت ذروتها في ظل الولاية الحالية للرئيس بايدن، أو امتدت إلى عام 2025.
وأخيرًا، يمكن للسوداني أن يتوقع ضغوطًا من الشركات الأمريكية، التي استثمرت أموالًا كبيرة لإنتاج النفط في إقليم كردستان، ولا تستطيع اليوم تصدير منتجاتها، بسبب إغلاق خط الأنابيب بين العراق وتركيا، في أعقاب انتصار بغداد في نزاع تحكيم مع تركيا، بشأن الاستخدام الكردي لخط الأنابيب خارج إشراف بغداد.
خلاصة القول: لم يستمر تصدير (450) ألف برميل يوميًا من النفط عبر تركيا، إذ يتم نقله بالشاحنات أو استهلاكه محليًا. لذا فإنَّ إغلاق خط الأنابيب سيؤدي إلى هدر الكثير من النفط خارج السوق.
يعدّ السوداني النفط الموجود في كردستان إحدى القضايا العالقة، حتى قبل النظر بالترتيبات التعاقدية المتنازع عليها. وينتج العراق بالفعل ما يفوق حصته في أوبك، على الرغم من اتخاذه إجراءات لخفض الإنتاج في حقوله النفطية الجنوبية الغنية.
لذلك، فإنَّ بدء العراق في تصدير النفط عبر خط الأنابيب الشمالي، من شأنه أن يزيد من كسر هذه الحصص. كما أنَّ تمكين هذه الصادرات، من شأنه أن يجعل السوداني أمّا أن يخفض الإنتاج في الجنوب، أو يتجاهل حصص أوبك، في الوقت الذي يحتاج فيه إلى علاقات جيدة مع دول الخليج. فضلًا عن ذلك، يشعر السوداني بالقلق إزاء مشاركة شركة النفط الروسية العملاقة روسنفت، في خط الأنابيب الكردي، وكيف يمكن أن تتأثر علاقاته مع الولايات المتحدة، عن طريق زيادة عائدات النفط العراقي، إلى شركة النفط الروسية الكبرى.
يبحث السوداني عن علاقة “طبيعية” مع الولايات المتحدة، وعلى الرغم من كل التوترات في المنطقة، فإنَّ جدول أعماله يتضمن موضوع التمويل، والمشاريع، والاستثمار، ومن وجهة نظره فإنَّ إيران، وقوة المهام المشتركة، وصادرات نفط الإقليم، كلها عوامل تؤدي إلى تشتيت الانتباه، وناتجة عن الاحتلال وصراع داعش. وسيكون هذا اختبارًا لحنكة السوداني السياسية، حول إمكانية تحويل المحادثة من هذه القضايا المستمرة، في وقت التوتر الإقليمي، إلى العلاقة الطبيعية والمتنوعة، التي يرغب فيها مع الولايات المتحدة.