م.م. حيدر علي كاظم الفتلاوي
باحث دكتوراه في المالية والمصرفية الإسلامية
تشرين الأول/ 2024
المقدمة:
الاستقرار الاقتصادي هو إحدى الركائز الأساسية في نظر الإسلام، لتحقيق الرفاهية، والعدالة الاجتماعية، لجميع أفراد المجتمع. وفي نظر الإسلام، يعدُّ الاقتصاد أداة لتحقيق أهداف أعلى، والاقتصاد الإسلامي هو نظام يرتكز على مبادئ، وقيم الشريعة الإسلامية، إذ يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوزيع الثروة، وتحقيق التنمية المستدامة للمجتمع. يستمد هذا النظام أسسه من تعاليم الإسلام، التي تضع قواعد، وضوابط، لضمان التوازن بين مصلحة الفرد والمجتمع. ومن أبرز خصائصه، الاعتماد على أدوات مالية مبتكرة، مثل: المشاركة، والمضاربة، والصكوك الإسلامية، وتحريم الربا (الفائدة)، والاحتكار، مما يسهم في تحقيق العدالة في المعاملات التجارية. ويركز الاقتصاد الإسلامي في دعم المشاريع الإنتاجية، وتوجيه رؤوس الأموال نحو استثمارات حقيقية، تحقق قيمة اقتصادية للمجتمع، بدلاً من المضاربات غير المنتجة. كما يدعو إلى التكافل الاجتماعي، الذي يعمل على تقليل الفقر، وتعزيز التماسك الاجتماعي. ومع تزايد الاهتمام العالمي بالاستدامة الاقتصادية، يقدم الاقتصاد الإسلامي نموذجًا متوازنًا ومتكاملًا، يمكن أن يسهم في تحقيق تنمية اقتصادية عادلة، وشاملة، تتماشى مع التحديات الاقتصادية المعاصرة، وتعزز من استقرار الاقتصاديات الإسلامية. وبناءً على ما ذكر، يمكن أن يقدم الاقتصاد الإسلامي استراتيجيات بديلة، للدول أحادية الاقتصاد ولاسيَّما العراق، للتغلب على التحديات الاقتصادية التي يفرضها انخفاض أسعار النفط.
الاقتصاد العراقي للعام 2024:
يقدم الاقتصاد العراقي في عام 2024 صورة معقدة، مدفوعة في المقام الأول بالتوسع المالي المستمر، والاعتماد على عائدات النفط. ومن المتوقع أن يستمر النمو مع مساهمة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بشكل إيجابي. في عام 2023 استقر التضخم عند حوالي (4٪)، مع انخفاض أسعار المواد الغذائية، في حين ساعدت القطاعات غير النفطية، مثل: الزراعة، في تعويض تأثير انخفاض أسعار النفط. ومن المتوقع أن يستمر هذا الزخم في عام 2024، بدعم من زيادة الإنفاق العام، مع استمرار العراق في تنفيذ أول خطة ميزانية، مدتها ثلاث سنوات على الإطلاق. ومع ذلك، يواجه الاقتصاد أيضًا تحديات كبيرة، ولاسيَّما الاعتماد الكبير على النفط، الذي يمثل حوالي (90٪) من الإيرادات العامة. هذا الاعتماد يجعل العراق عرضة لتقلبات أسعار النفط، ولاسيَّما إذا أثرت الصراعات الإقليمية أو تخفيضات إنتاج أوبك+ على إمدادات النفط والأسعار. كما أكَّد صندوق النقد الدولي على الحاجة إلى إصلاحات مالية، بما في ذلك التحكم في نمو أجور القطاع العام، وإصلاح نظام التقاعد، وتطوير مصادر الإيرادات غير النفطية، لتحقيق الاستقرار في المالية العامة. فضلًا عن ذلك، يدعو صندوق النقد الدولي إلى إصلاحات هيكلية، لتعزيز الاستقرار المالي. في حين تهدف هذه الجهود، إلى تعزيز اقتصاد أكثر تنوعًا، ومرونة، فإنَّ الاستقرار الاقتصادي في العراق في الأمد المتوسط، سوف يتطلب إدارة دقيقة للنفقات العامة، وتنويعها.
خطوات تطبيق الاقتصاد الإسلامي في العراق:
إنَّ تطبيق الاقتصاد الإسلامي في العراق، يتطلب نهجًا شاملاً يتضمن إصلاحات السياسات، والتنمية المؤسسية، والتوعية العامة. وفيما يأتي الخطوات والاستراتيجيات الرئيسة، التي يمكن أن تسهل تطبيق الاقتصاد الإسلامي في العراق:
أولًا- إصلاحات السياسات والإطار القانوني:
1- تطوير إطار تنظيمي واضح: إنشاء إطار قانوني وتنظيمي يدعم التمويل الإسلامي، بما في ذلك إنشاء لوائح، ومعايير، وإرشادات مصرفية متوافقة مع الشريعة الإسلامية. وينبغي لهذا الإطار أن يحدد أدوار المؤسسات المالية المختلفة، ويحمي مصالح جميع الأطراف المعنية.
2- التوافق مع الشريعة الإسلامية: ضمان توافق اللوائح المالية مع المبادئ الإسلامية، مثل: حظر الفائدة (الربا)، والمقامرة (الميسر)، والغرر (الغرر). وهذا يتطلب التشاور مع علماء الشريعة، وإنشاء مجالس الرقابة الشرعية للمؤسسات المالية.
3- الدعم والحوافز الحكومية: توفير الحوافز للشركات والمؤسسات المالية، لتبني مبادئ التمويل الإسلامي. وقد يشمل ذلك الإعفاءات الضريبية، والإعانات، وآليات الدعم الأخرى للمنتجات المالية الإسلامية.
ثانيًا- إنشاء المؤسسات المالية الإسلامية:
1- إنشاء مؤسسات التمويل الأصغر الإسلامية: تعزيز مؤسسات التمويل الأصغر الإسلامية، التي تقدم الخدمات المالية للفئات ذات الدخل المنخفض، ولاسيَّما في المناطق الريفية، باستخدام نماذج مثل المضاربة والمشاركة. ويمكن لهذه المؤسسات دعم الشركات الصغيرة، والحد من الفقر، وتعزيز الشمول المالي.
2- دعم نمو التكافل (التأمين الإسلامي): تشجيع تطوير شركات التكافل (التأمين الإسلامي)، التي تعمل على مبادئ التعاون المتبادل، وتقاسم المخاطر. ويمكن أن يوفر التكافل بديلاً للتأمين التقليدي، والذي يُنظر إليه على أنَّه غير متوافق مع الشريعة الإسلامية، بسبب اعتماده على الفائدة والمقامرة.
ثالثًا- بناء القدرات والتدريب:
1- برامج التدريب للمهنيين: تطوير برامج تدريبية للمصرفيين، والاقتصاديين، والمحامين، والجهات التنظيمية، لتعزيز فهمهم لمبادئ التمويل الإسلامي وممارساته. ويمكن أن يشمل هذا التعاون مع المؤسسات المالية الإسلامية الدولية والجامعات.
2- حملات التوعية: إجراء حملات توعية عامة، لتثقيف المواطنين حول فوائد، ومبادئ، الاقتصاد والتمويل الإسلامي. ويمكن أن يشمل هذا ورش العمل، والندوات، والحملات الإعلامية، والتعاون مع المؤسسات الدينية.
رابعًا- تطوير المنتجات المالية الإسلامية:
1- تصميم منتجات مالية جديدة وتقديمها: تطوير مجموعة من المنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، مثل: الصكوك (السندات الإسلامية)، والمرابحة (التمويل بالتكلفة بالإضافة إلى الربح)، والإجارة (التأجير)، والاستصناع (تمويل البناء). يمكن لهذه المنتجات جذب شرائح مختلفة من السكان، وتوفير بدائل للتمويل التقليدي.
2- الترويج للصكوك الإسلامية لتمويل الحكومة: استخدام الصكوك كأداة لتمويل الحكومة لمشاريع البنية الأساسية، مثل: الطرق، والمستشفيات، والمدارس. يمكن أن يوفر هذا بديلاً متوافقًا مع الشريعة الإسلامية، للسندات الحكومية التقليدية، ويساعد في تمويل مشاريع التنمية الحيوية.
3- تطوير صناديق الاستثمار الإسلامية: تشجيع إنشاء صناديق الاستثمار الإسلامية، التي تستثمر في الشركات، والأصول المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، مما يوفر خيار استثمار أخلاقي للأفراد والمؤسسات.
خامسًا- تعزيز الشراكات والتعاون:
1- التعاون مع المؤسسات المالية الإسلامية الدولية: إقامة شراكات مع المؤسسات المالية الإسلامية الراسخة، مثل: البنك الإسلامي للتنمية، وغيره من البنوك الإسلامية الإقليمية، للاستفادة من خبراتها، وتجاربها، وتمويلها.
2- التعاون مع القطاع الخاص: العمل مع القطاع الخاص لتعزيز تبني مبادئ التمويل الإسلامي في عملياته، وتشجيع مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات، بما يتماشى مع القيم الإسلامية.
3- الاتفاقيات التجارية الإقليمية والدولية: الاستفادة من الموقع الاستراتيجي للعراق.
التمويل الإسلامي كأداة بديلة للتنوع الاقتصادي:
يمثل التمويل الإسلامي أداة لتحفيز الاستثمارات غير النفطية، مما يسهم في انخفاض الاعتماد على النفط. ومن ثمَّ يمثل أداة استراتيجية لدعم التنوع الاقتصادي، في الدول التي تعتمد بشكل رئيس على مصادر محددة للدخل، مثل النفط، عن طريق الاعتماد على المبادئ الشرعية الإسلامية، التي تتمتع بالتشاركية المتعددة، ومن ثمَّ يعمل على تعزيز الاقتصاد الوطني، عن طريق:
أولًا- تقديم حلولاً تنظيمية مرنة للشركات الصغيرة، والمتوسطة، والتي تعدُّ محركًا أساسيًا للتنويع الاقتصادي، وتوفير فرص العمل.
ثانيًا- يعتمد التمويل الإسلامي على أصول حقيقية، ويمنع الفوائد الربوية، مما لا يتطلب وجود مالية، ويضمن استثمارًا أكثر أمانًا.
ثالثًا– تمثل الصكوك الإسلامية نموذجًا جذابًا للمستثمرين، وتزيد من الراغبين في الاستثمار المتوافق مع الشريعة، مما يجذب رؤوس الأموال إلى الدول الإسلامية. ومن ثمَّ يمثل دعامة قوية لتنويع الاقتصاد، وفرص النمو.
الحلول لمواجهة تداعيات انخفاض أسعار النفط في العراق:
فيما يأتي بعض الطرق التي قد تساعد بها المبادئ الاقتصادية الإسلامية:
- تنويع مصادر الدخل: يشجع الاقتصاد الإسلامي تنويع مصادر الدخل، إلى ما هو أبعد من الأنشطة التقليدية، مثل: استخراج النفط. وقد يشمل هذا الاستثمار في الزراعة، والتصنيع، والخدمات، والتي يمكن أن تولد الدخل، وتقلل من اعتماد الاقتصاد على النفط. على سبيل المثال، يمكن للعراق الاستثمار في الممارسات الزراعية المستدامة، نظراً لقاعدته الزراعية التاريخية الغنية.
- تعزيز التمويل الأخلاقي: إنَّ التمويل الإسلامي، الذي يحظر الفائدة (الربا)، ويؤكد على تقاسم المخاطر، يمكن أن يوفر نماذج مالية أكثر استقرارًا. تستثمر المصارف الإسلامية في الأنشطة الاقتصادية الحقيقية (مثل التجارة والبنية الأساسية)، بدلاً من الأنشطة المضاربية. وهذا من شأنه أن يعمل على استقرار النظام المالي، والحماية من الأزمات التي قد تنشأ عن مستويات عالية من الديون والمضاربة.
- تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم: يعمل الاقتصاد الإسلامي على تعزيز روح المبادرة، وتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، عن طريق آليات التمويل، مثل: المضاربة، والمشاركة. ومن الممكن أن يؤدي دعم المؤسسات الصغيرة، والمتوسطة الحجم، إلى خلق فرص العمل، وتحفيز النمو الاقتصادي، والحد من الاعتماد على عائدات النفط.
- تشجيع العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة: يركز الاقتصاد الإسلامي تركيزًا كبيرًا في العدالة الاجتماعية، وإعادة توزيع الثروة، مثل: الزكاة، والوقف. وعن طريق تنفيذ سياسات تعطي الأولوية لإعادة توزيع الثروة، وتوفير الخدمات الاجتماعية، يمكن للعراق الحد من الفقر، وتحسين الاستقرار الاجتماعي، وتعزيز اقتصاد أكثر عدالة.
- التنمية المستدامة والاستثمار المسؤول: تعمل المبادئ الاقتصادية الإسلامية على تعزيز الاستثمار في المشاريع، التي تحقق فوائد اجتماعية، وبيئية. ويتماشى هذا النهج مع أهداف التنمية المستدامة، ويمكن أن يؤدي إلى استثمارات في الطاقة المتجددة، والبنية الأساسية، وغيرها من المشاريع التي تخلق قيمة طويلة الأجل للعراق.
- نماذج اقتصادية مرنة: إنَّ المبادئ الاقتصادية الإسلامية قد تشجع على ظهور نماذج اقتصادية أكثر مرونة، وأقل عرضة لتقلبات أسعار النفط. على سبيل المثال، قد يؤدي تعزيز الصناعات التي تتوافق مع أهداف التنمية الأخلاقية والمستدامة، إلى جعل الاقتصاد أقل عرضة لتقلبات سوق النفط العالمية.
- تقليل الاعتماد على الديون الخارجية: إنَّ التركيز الذي يبديه التمويل الإسلامي في التمويل المدعوم بالأصول، والتمويل القائم على الأسهم، قد يقلل من الاعتماد على الديون الخارجية، مما يساعد العراق على إدارة صحته المالية بشكل أكثر فعالية. وبدلاً من الاقتراض من الأسواق الدولية بأسعار فائدة مرتفعة.
الخاتمة:
عن طريق دمج مبادئ الاقتصاد الإسلامي، يمكن للعراق أن يخلق نظامًا اقتصاديًا أكثر توازنًا، وعدالة، واستدامة، وأكثر قدرة على التعامل مع التحديات، التي يفرضها تقلب أسعار النفط. ويتطلب هذا النهج استراتيجية شاملة تتضمن إصلاحات سياسية، وتنمية القطاع المالي، والاستثمارات في مختلف قطاعات الاقتصاد.
References:
Zauro, Z. S., Civín, A. S., & Bouma, O. (2024). Islamic Economics for Sustainable Development. Seriat Ekonomisi, 1(2), 53-70.
Maitham, A. (2024). The Impact of Fluctuations in the International Oil Markets On the Iraqi Economy. World Economics and Finance Bulletin, 33, 183-195.
https://www.imf.org/en/News/Articles/2024/05/15/pr24165-imf-concludes-2024-article-iv-consultation-with-iraq May 15, 2024
Putra, B. J., & Gatari, A. P. (2024). Characteristics and Design of Islamic Economy. Journal of Multidisciplinary Sustainability Asean, 1(2), 91-101.
Alhammadi, S. (2024). Islamic finance as a driver for enhancing economic sustainability and innovation in the GCC. Journal of Science and Technology Policy Management.
Shawtari, F. A., Elsalem, B. A., Salem, M. A., & Shah, M. E. (2023). Financial development and economic diversification in Qatar: does Islamic finance matters. Journal of Islamic Accounting and Business Research, (ahead-of-print).
Countries with the World’s Largest Islamic Financial Assets Source: Thomson Reuters Islamic Finance Development Report, 2016