انتخابات كردستان: بين أمل التغيير وعقبات الواقع

      التعليقات على انتخابات كردستان: بين أمل التغيير وعقبات الواقع مغلقة

 

م.م وسن عزيز فرج

قسم إدارة الأزمات/ مركز الدراسات الاستراتيجية

تشرين الأول/ 2024

وأخيرًا، شهدنا نهاية السباق الانتخابي في كردستان العراق، بعد أن تمَّ تأجيل الانتخابات أربع مرات متتالية، بسبب خلافات سياسية. وتنافس في الانتخابات (1191) مرشحًا، بينهم (368) امرأة، على (100) مقعد انتخابي. وبلغ عدد الأحزاب والتيارات السياسية (14) حزبًا وتيارًا إلى جانب المرشحين المستقلين. وتمَّ تقسيم الإقليم في هذه الانتخابات على (4) دوائر انتخابية، في كل محافظة دائرة انتخابية واحدة. أعلنت مفوضية الانتخابات نجاح انتخابات برلمان إقليم كردستان، وإنَّ نسبة المشاركة بلغت (72%)، في حين بلغت نسبة المشاركة في الاقتراع الخاص (97%)، وإنَّ نسبة المشاركة في محافظات الإقليم، حسب مفوضية الانتخابات، مختلفة، ولكنَّها متقاربة في الوقت ذاته، إذ كانت النسبة في مدينة أربيل (72%)، وبلغت النسبة (65%) في مدينة السليمانية، وبلغت في مدينة دهوك (78%)، أمَّا مدينة حلبجة فقد كانت النسبة فيها (69%).

بلغ عدد المواطنين الذين يحق لهم التصويت في الإقليم، (2683618) ناخبًا. وقد افتتحت مفوضية الانتخابات مراكز انتخابية خارج مدن الإقليم، من أجل تصويت الناخبين، سواء من القوات الأمنية، أو من مواطني الإقليم خارج حدوده الإدارية. وهذا الاقتراع هو الأول الذي تشرف عليه المفوضية العليا للانتخابات المركزية، والاقتراع الأول الذي تمَّ التصويت فيه بالأجهزة الإلكترونية، واعتماد سجل الناخبين الإلكتروني البايومتري في كردستان العراق. وعلى الرغم من المعرفة السابقة بأنَّ نتائج الانتخابات، سوف تتأرجح بين الحزب الديمقراطي الكردستاني، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، من دون حصول أي طرف على الأغلبية داخل البرلمان، لكن الكل يترقب ما يترتب على نتائجها، إذ إنَّ الدعاية الانتخابية للأحزاب المتنافسة، كانت قائمة على تغيير فلسفة الحكم في الإقليم.

وقد باركت الحكومة المركزية نجاح الانتخابات في الإقليم، مؤكدة على احترام قيمة الديمقراطية، والإيمان بالتداول السلمي للسلطة، وترسيخ البناء الدستوري. وفي الوقت ذاته، ثمَّن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، جهود مفوضية الانتخابات في إنجاح العملية الانتخابية. إنَّ المهمة الرئيسة لبرلمان كردستان، والحكومة الجديدة التي تنبثق عنه، هي حلَّ الخلافات المتراكمة بين بغداد وأربيل جميعها. ففي كل سنة تظهر إلى الوجود أزمة حصة إقليم كردستان من الموازنة الاتحادية، وأزمة الواردات النفطية، إذ يشهد الإقليم توقف الصادرات النفطية منذ آذار/ 2023، فقد أوقفت تركيا خط أنابيب النفط، بعد قرار تحكيم صادر عن غرفة التجارة الدولية، الذي نصَّ على أن تدفع تركيا للعراق، تعويضات تقدر (1.2) مليار دولار، عن صادرات الإقليم النفطية غير المصرح بها للحكومة المركزية في عامي (2013 و2014)، أو واردات المنافذ الحدودية، أو غيرها من الإشكاليات مع المركز، فضلًا عن المهمة الرئيسة للبرلمان المنتخب، والمتمثلة باختيار رئيس للإقليم، ورئيس حكومة الإقليم.

على الأحزاب الفائزة في الانتخابات، بغض النظر عن أسمائها، وعدد المقاعد الحاصلة عليها، تشكيل حكومة جديدة مكتملة الصلاحية، قادرة على الجلوس مع الحكومة المركزية، ووضع الحلول للمشكلات العالقة بين الإقليم والمركز، إلى جانب حلّ المشكلات داخل الإقليم نفسه، وبما يخدم مواطني الإقليم. إذ يجب تجاوز الخلاف المستمر، بين الأحزاب السياسية داخل الإقليم، لكون ذلك ينعكس انعكاسًا سلبيًا على طبيعة الحياة داخل الإقليم، وإنَّ استمرار تلك الإشكاليات، ينتج عنها حكومة غير مكتملة الصلاحيات، عاجزة عن أداء مهامها بالشكل المطلوب. علمًا أنَّ نسبة كبيرة من سكان الإقليم هم من محدودي الدخل، والبعض من المواطنين يعانون من مشكلات اقتصادية كبيرة، لاسيَّما مع تأخر صرف الرواتب في كل شهر داخل الإقليم. وإنَّ الوضع الاقتصادي الصعب، دفع أعداد كبيرة من الشباب إلى الهجرة نحو الخارج. لذا فإنَّ أي حكومة تتشكل في الإقليم، يجب أن تكون لديها حلول واقعية، لمختلف التحديات التي يواجهها سكان إقليم كردستان. لذا وجهت رئاسة الجمهورية رسالة إلى جميع الأطراف في إقليم كردستان، مشيرة إلى ضرورة الجلوس إلى طاولة الحوار الوطني، لغرض تشكيل حكومة، تكون خدمة الشعب من أولوياتها، داعية في الوقت ذاته إلى ضرورة احترام نتائج الانتخابات، وإرادة الشعب الحرة، معلنًا عن مواصلة دعمها للمسار الدستوري، والديمقراطي، بما يعزز الوحدة الوطنية، ويحقق تطلعات الشعب في التنمية، والازدهار، والتقدم. وقد شهدت انتخابات كردستان صدًى دوليًا كبيرًا، إذ قدَّم الأمين العام للأمم المتحدة، التهنئة إلى إقليم كردستان العراق بنجاح الانتخابات. وأشادت جامعة الدول العربية بنجاح الانتخابات في الإقليم، ورحبت دول عديدة سواء عن طريق سفرائها في العراق، أو عن طريق مسؤولي السياسة الخارجية، بنجاح الانتخابات، معربة عن أملها في تشكيل حكومة، تلبي متطلبات السكان، وفي أقرب وقت ممكن.

إنَّ الانتخابات التي جرت أو التي ستجري مستقبلًا، من الصعب أن تشهد تغيرًا في القيادات الرئيسة داخل الإقليم، ومن المؤكد أنَّ هذه القيادات تبقى ذات موقع رئيس في صناعة القرار داخل الإقليم وخارجه، ولكنَّها بكل تأكيد ستفرز تغيرًا في المستويات الفرعية.