م.م عبد المحسن عبد الأمير العكلة
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
تشرين الأول/ 2024
لقد تمكَّن سكان لندن من النجاة من الطاعون الكبير في عام 1665، لكنَّهم لم يعلموا أنَّ العام الذي تلاه هو أسوء من العام المنصرم, إذ اندلع الحريق في الثاني من سبتمبر 1666، في مخبز الملك في شارع بودينج لين Pudding Lean، بالقرب من جسر لندن، على الرغم من أنَّ ذلك الصيف، كان شديد الحرارة، ولم تهطل الأمطار لأسابيع، لذلك كانت المنازل والمباني الخشبية جافة تمامًا. وسرعان ما امتدت النيران إلى كل مكان، فقد انهارت (300) منزل بسرعة، ونشرت الرياح الشرقية القوية ألسنة اللهب إلى أبعد من ذلك، فانتقلت من منزل إلى آخر. واجتاحت النيران الشوارع المليئة بالمنازل، إذ كادت الطوابق العليا منها تلامس الممرات الضيقة. وسرعان ما باءت محاولات السيطرة على الحريق، باستخدام دلاء الماء، بالفشل، وبدأ الذعر ينتشر في أنحاء المدينة. ومع استمرار اشتعال النيران، حاول الناس مغادرة المدينة، وتدفقوا إلى نهر التايمز في محاولة للهروب بالقوارب.
لقد سادت حالة من الفوضى المطلقة، إذ جاء الآلاف من “المتفرجين” من القرى، لمشاهدة الكارثة, وسارع الناس إلى إبلاغ الملك تشارلز الثاني Charles II، الذي أمر على الفور، بهدم جميع المنازل الواقعة في طريق الحريق، لإنشاء “حاجز للنار”. وقد تمَّ ذلك باستخدام أعمدة معقوفة، ولكن دون جدوى، إذ تفوقت النار عليها. وبحلول الرابع من سبتمبر، اشتعلت النيران في نصف لندن، وانضم الملك بنفسه إلى رجال الإطفاء، وأعطاهم دلاء من الماء، في محاولة لإخماد النيران، لكن النيران استمرت في الاشتعال. وكحل أخير، تم استخدام البارود لتفجير المنازل، التي تقع في مسار الحريق، لأجل خلق حاجز أكبر ضد الحريق، ولكنَّ صوت الانفجارات سبَّب شائعات بأنَّ غزوًا فرنسيًا قد حدث، الأمر الذي خلق المزيد من الذعر. ومع تدفق اللاجئين خارج المدينة، اشتعلت النيران في كاتدرائية القديس بولس، وانهارت الكاتدرائية. ولحسن الحظ، نجا برج لندن من الحريق، وتمت السيطرة على الحريق في النهاية، وتمَّ إخماده بالكامل بحلول السادس من سبتمبر. لم يبق من لندن سوى خمسها فقط, لقد دمرت كل المباني المدنية تقريبًا، فضلاً عن (13) ألف مسكن خاص، ولكن من المدهش أنَّ ستة أشخاص فقط، لقوا حتفهم. لقد ترك الحريق مئات الآلاف من الناس بلا مأوى. وتحولت تسعة وثمانون كنيسة، وأبرشية، وقاعة المدينة، والعديد من المباني العامة الأخرى، والسجون، والأسواق، وسبع وخمسون قاعة، إلى مجرد هياكل محترقة. وقد قدرت الخسائر في الممتلكات، بما يتراوح بين خمسة إلى سبعة ملايين جنيه إسترليني. وقد أعطى الملك تشارلز رجال الإطفاء، مبلغًا سخيًا بالجنيه الإسترليني لتقاسمها فيما بينهم. وفي أعقاب الحريق مباشرة، اعترف صانع ساعات فرنسي فقير مجنون يدعى (لاكي) هوبير، بإشعال الحريق عمدًا، وكانت العدالة سريعة، وتمت محاكمته بسرعة، وعلى الرغم من أنَّ الحريق الكبير كان كارثة، إلا أنَّه نجح في تطهير المدينة. فقد دمرت الشوارع المزدحمة، والمليئة بالأمراض، وظهرت لندن جديدة. وقد أقيم نصب تذكاري في شارع بودينج لين، في المكان الذي بدأ فيه الحريق، إذ يعد تذكيرًا بتلك الأيام العصيبة في سبتمبر/أيلول 1666. وتمَّ تكليف السير كريستوفررين بمهمة إعادة بناء لندن، وبدأ تشييد تحفته الفنية، كاتدرائية القديس بولس في عام 1675، واكتمل بناؤها في عام 1711. وفي ذكرى السير كريستوفر، يوجد نقش على الكاتدرائية، يقول: “إذا كنت تبحث عن نصب تذكاري له، فانظر حولك”
أعاد رين بناء (52) كنيسة من كنائس المدينة، وحول مدينة لندن إلى المدينة التي نعرفها اليوم.