م.م. محمود قحطان مبدر
قسم الدراسات القانونية/ مركز الدراسات الاستراتيجية
تشرين الأول/ 2024
على الرغم من تطور القياس التربوي، والنفسي، تطورًا كبيرًا، وتوفر أدوات متعددة للقياس، والتقويم البديل، ما زالت الاختبارات التحصيلية، هي الوسيلة الوحيدة المتبناة في قياس معرفة المتعلمين في التربية، والتعليم العالي؛ باستثناء الصفوف الأساسية في المدارس الابتدائية، إذ تتبنى المقابلة لصعوبة القراءة بالنسبة للتلاميذ.
وبغض النظر عن مدى صواب تبني الاختبار، أو خطئه، فهو يرجع لسهولة إعداد الاختبارات التحصيلية، وملاءمتها لمختلف الظروف، وقلة كلفتها الاقتصادية. وللأسف، مع توفر العديد من المصادر الخاصة بتصميم هذا النوع من الاختبارات، إلا أنَّه ما زالت هذه الاختبارات تخضع للارتجال! الأمر الذي أضعف من صدقها، وموضعيتها، ومن ثَمَّ قدرتها في الكشف الدقيق، عن مدى امتلاك المتعلمين للمعرفة. فضلًا عن أخطاء أخرى كثيرة، وصلت إلى الحد الذي لا يمكن، للمتخصص في القياس التربوي، والنفسي، تجاوزه، مما أثَّر تأثيرًا مباشرًا في مخرجات المؤسسات التعليمية.
ولتوضيح ذلك أكثر، يعرَّف الاختبار، بأنَّه: أداة للقياس، فالاختبارات التحصيلية التي تسميها مؤسساتنا التعليمية (الامتحانات)، وهذه مشكلة أخرى، هي “وسيلة المعلم لقياس معرفة المتعلم، بعد مروره بخبرة تعليمية، يفترض أنَّها قد أحدثت تغيرًا في سلوكه الظاهر، أو طريقة تفكيره”، أي أنَّ الاختبار بالنسبة للمعلم، هو أداته للقياس، مثلما “الميزان” هو أداة البقال! وغير ذلك. والفرق بينهما أنَّ الاختبار التحصيلي ينتمي للقياس التربوي، والنفسي، وليس القياس الفيزيائي، المادي؛ فالأول لا يقيس الظاهرة قياسًا مباشرًا، بل يستدلُ عليها عن طريق مجموعة أسئلة، كقياسات الذكاء، والقلق، والتفاؤل، وغير ذلك، لذا فالخطأ حاصل في هذا النوع من القياس بدرجة أكبر. أمَّا في القياس الفيزيائي فيكاد يكون الخطأ معدومًا، لأنَّ الظواهر في هذا النوع من القياس، ماثلة أمام الفرد، وعينية، يمكن ملاحظتها وقياسها قياسًا صريحًا.
وينبغي الإشارة هنا، إلى أنَّ كفاءة المعلم، أو مطبق الأداة، هي في تضييق الخطأ في القياس التربوي، والنفسي، قدر الإمكان، ولاسيَّما الاختبار التحصيلي موضوع المقال. وتتوفر في الأدبيات التربوية، والنفسية، العديد من الطرق التي تساعد في تجاوز الأخطاء، وصناعة أداة صادقة في قياس معرفة المتعلمين؛ ومن الأخطاء الواضحة، والأكثر ضررًا، هي أنَّ بناء الاختبار في مؤسسات التعليم العراقية، لا يتَّبِع الخطوات العلمية التي أوردتها مناهج القياس التربوي، والنفسي، والمتضمنة ضرورة بناء الاختبار التحصيلي، في ضوء مستويات المعرفة المختلفة، انطلاقًا من الأهمية النسبية للموضوعات، واختلاف المتعلمين، وتمايزهم في مستوى معرفتهم، وقدراتهم، وإمكاناتهم. فهي إذن تبنى بطريقة ارتجالية، يتداخل فيها مزاج الأستاذ، ووضعهُ النفسي، وثقافته العامة، وقدرته اللغوية، في كفاءة الاختبار، وصلاحيته للقياس، الأمر الذي يؤثر بالضرورة في صدق الاختبار. فضلًا عن مشكلات أخرى، تتعلق بتبني الأسئلة سهلة الصياغة، ومدى السلامة الشكلية، واللغوية.
ومع عدم وجود هيئة رئيسة من مختلف التخصصات، تعنى بمطالعة نماذج الأسئلة، وإجراء تحليل ظاهري لها، ومدى ملاءمتها شكليًا، وسلامتها لغويًا، والتحقق من صدقها، وشموليتها. يوصي المقال الحالي، بضرورة وجود هذه الهيئة في كل مؤسسة تعليمية، وظيفتها مراجعة الأسئلة بشكل دوري، سواء الشهرية أو النهائية، وتقييمها بعلامة من قبل خبراء، ووفق استمارة خاصة، وتقديم توصيات حولها، ليطلع عليها الأستاذ، من أجل تجاوز تكرار الأخطاء، وضمان تقييم عادل وموضوعي للطلبة جميعهم. إذ إنَّ كثيرًا منهم، يحبطون بسبب هشاشة الاختبار.