بقلم جيرمان جواريز لوبيز
عرض وتحليل: م.د. وسام حصن جواد
قسم إدارة الأزمات/ مركز الدراسات الاستراتيجية
تشرين الثاني/ 2024
إنَّ الولايات المتحدة تسعى إلى إشعال حرب إقليمية جديدة في الشرق الأوسط، بهدف مزدوج يتمثل في تجفيف مصادر الطاقة في الصين، ومن ثَمَّ تصميم خريطة الشرق الأعظم الجديد. ومثل هذا التصعيد في الحرب، يعيد إلى الأذهان أزمة النفط، التي حدثت في عام 1973م، والتي خلَّفت ذكريات كارثية للاقتصاد العالمي، وهو ما من شأنه أن يترجم إلى هيمنة الاتحاد الأوروبي على الطاقة من الغاز المسال، والنفط الخام الأميركي. وعلى هذا فإنَّ الزيادة المتوقعة في تصعيد الحرب، من شأنها أن تترجم إلى تصعيد أسعار النفط الخام إلى (150) دولارًا، وزيادة وحشية في معدلات التضخم، والزيادة اللاحقة في أسعار النقود من قِبَل البنوك المركزية، والاختناق الاقتصادي اللاحق لعدد لا يحصى من البلدان، وأخيراً الدخول في سيناريوهات الركود التضخمي، التي تتسم بالركود الاقتصادي، والتضخم المرتفع (الركود التضخمي المزمن).
أزمة نفطية جديدة:
بما أنَّ الطاقة البديلة لا تزال بحاجة إلى إعانات ضخمة، لكي تكون قابلة للتطبيق في البلدان النامية، فإنَّ ممارسة التكسير الهيدروليكي تثير المخاوف البيئية، ولن يسمح جمود الأصول النفطية للشركات الكبرى، بالتخلي عن معداتها، وبنيتها الأساسية الحالية، ومن ثَمَّ فإنَّ الاقتصاد العالمي، سوف يستمر في التوجه نحو الاعتماد على النفط في العقد المقبل.
لذا حذرت وكالة الطاقة الدولية، في تقرير بعنوان “آفاق الاستثمار العالمي في الطاقة”، من أنَّه سيكون من الضروري استثمار (48) مليار دولار حتى عام 2035م، لتغطية احتياجات الطاقة العالمية المتزايدة. وتمتلك الدول المتقدمة الكبرى احتياطيات نفطية استراتيجية، تستخدم حصريًا في المواقف الحرجة، لضمان الاستهلاك المحلي لبضعة أشهر. لكن بحسب وزارة الطاقة الأميركية، فإنَّ الاحتياطيات في الولايات المتحدة، انخفضت بشكل حاد، إذ بلغت (374.4) مليون برميل من النفط، وهي أقل بكثير من مستوى (600-700) مليون في العقد الماضي. وفي حالة الصين، سيكون لديها حوالي (511) مليون برميل في التخزين، ومن ثمَّ فإنَّ احتياطيها من النفط الخام، يعادل ما بين (40 و50) يومًا. كما هبطت المخزونات العالمية بنحو (57) مليون برميل في الربع الثاني، إلى جانب خفض طوعي للإنتاج بنحو (2.2) مليون برميل يوميًا، تم الاتفاق عليه بين روسيا وأوبك حتى نهاية عام 2025م، وعدم التوصل إلى حلّ للنزاع الإيراني، مما تسبب في عجز يومي قدره مليون برميل يوميًا، و”قلق العرض” الخطير لزيادة مخزونات الدول، وارتفع سعر خام برنت إلى (75) دولارًا للبرميل.
وفي حال استمر تصعيد الوضع في الشرق الأوسط، فقد تحاول إيران منع التهريب عبر مضيق هرمز الاستراتيجي، إذا لجأت الولايات المتحدة إلى العمل العسكري ضد الجمهورية الإسلامية. وبحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، فإنَّ (13.4) مليون برميل يوميًا من النفط الخام، سوف تمر عبر القناة الضيقة في ناقلات النفط (وهو ما يمثل نحو (30%) من إمدادات النفط الخام المتداولة في مختلف أنحاء العالم)، الأمر الذي قد يؤدي إلى ارتفاع سعر النفط الخام إلى (150) دولاراً للبرميل، الأمر الذي قد يعيد إلى الأذهان، أزمة النفط التي شهدها العالم في عام 1973م.
ومن شأن هذا أن يؤدي إلى حالة من الهوس العالمي بفجوة العرض، وهو ما قد ينعكس في ارتفاع هائل في تكاليف الشحن، والأسمدة الزراعية، وإلى جانب موجات الجفاف، والفيضانات غير العادية في مزارع العالم التقليدية، وما يترتب على ذلك من فرض قيود على تصدير السلع الأساسية من هذه البلدان، لضمان الاكتفاء الذاتي، وهذا يؤدي إلى نقص المنتجات الزراعية في الأسواق العالمية، وارتفاع أسعارها إلى مستويات فلكية، ومن ثَمَّ إلى أزمة غذائية عالمية.
التحليل:
مما سبق يبدو أنَّ السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، تواصل السير على النهج نفسه، الذي يركز في تأجيج النزاعات في مناطق استراتيجية، مثل: الشرق الأوسط، مما يفضي إلى زعزعة الوضع، وعدم استقرار المنطقة، من أجل التحكم بمصادر الموارد، والطاقة، فضلًا عن الضغط على الدول المنافسة، مثل: الصين. في الوقت الذي يجب فيه تعزيز التعاون الدولي، من أجل مواجهة التحديات الكبرى، مثل: الكوارث الطبيعية، والفيضانات، وأزمة الجفاف، وكذلك الاحتباس الحراري، ومعالجة معدلات الفقر، والتحديات البيئية، والصحية، كما آلت إليه الأمور في جائحة كوفيد-19، فإنَّ التوقع بزيادة أسعار النفط إلى أكثر من (150) دولارًا للبرميل، نتيجة هذه التداعيات، من شأنه أن يضع ضغوطًا كبيرة على الاقتصادات العالمية، قد يُسفر إلى ارتفاع تكاليف الانتاج، والنقل، فضلاً عن أنَّ العديد من القطاعات الاقتصادية، ستقوم برفع أسعار المنتجات، والخدمات، الذي بدوره يسبب في زيادة معدلات التضخم، يكون من شأنه التأثير المباشر في الدول التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على استيراد النفط، إذ ستواجه ارتفاعًا في تكاليف الطاقة، والوقود، فضلًا عن البلدان النامية التي تكون أقل قدرة على تحمل مثل هذه الزيادات، بالنتيجة ستواجه اختناقًا اقتصاديًا مع تدهور قيمة العملة المحلية، وارتفاع معدلات التضخم، وتكاليف المعيشة. ونتيجة لذلك، فإنَّ تصعيد الحرب الحاصل في الشرق الأوسط، لا يؤثر فقط في الدول المعنية مباشرةً بالنزاع، بل يمتد إلى العديد من الدول التي تعتمد على استيراد النفط، مما يخلق حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي على المستوى العالمي. وفي ظل تزايد حدة النزاع الحالي، بين الكيان الصهيوني من جانب، ولبنان وفلسطين من الجانب الثاني، والتطورات الحديثة للمنطقة، ودخولها في المنطقة الرمادية، تزداد التوترات الداخلية بين أعضاء منظمة أوبك بلس، لاسيَّما بعد التهديدات المبطنة من قبل المملكة السعودية، بعد اتهامها للعراق وكازخستان، بتجاوز الحصص الانتاجية المتفق عليها، إذ تجاوز العراق حصته بـ(400) ألف برميل يوميًا في أغسطس، في حين تجاوزت كازخستان حصتها بـ (120) ألف برميل يوميًا. في هذه المرحلة الحرجة، قد تجد المملكة العربية السعودية نفسها، مجبرة على التخلي عن سياستها المتعلقة بخفض إنتاج النفط، مما قد يفتح الباب أمام اندلاع حرب أسعار جديدة. في المقابل، تسعى منظمة أوبك بلس إلى تبني سياسة خفض الإنتاج، لدعم أسعار النفط العالمية في ظل انخفاض الطلب. وعلى الرغم من أنَّ العراق قد تعهد بتعديل إنتاجه، ليتماشى مع أهداف المنظمة، إلا أنَّ اعتراضاته السابقة على تقديرات الإنتاج الدولي، تضعه في موقف محرج، لاسيَّما مع سعيه إلى زيادة الإيرادات، لدعم إعادة بناء اقتصاده. إنَّ تصريحات الوزير السعودي تحمل رسالة واضحة، مفادها: أنَّ المملكة العربية السعودية قد تكون مستعدة لخوض حرب أسعار، إذا لم تلتزم الدول الأعضاء بحصص الإنتاج المتفق عليها، والمملكة العربية السعودية تمتلك قدرة إنتاجية هائلة، تمكنها من الدفاع عن حصتها في السوق، حتى إن كان ذلك يتسبب في تراجع كبير في الأسعار. هذه التصريحات تعكس استياء السعودية من تجاوزات بعض الدول، وتلمح إلى احتمال اتخاذ إجراءات صارمة، إذا لم يتم حلَّ هذه التجاوزات. التوترات المستمرة داخل منظمة أوبك بلس، تعكس حالة عدم استقرار في سوق النفط، إذ يستمر هذا القطاع في التأرجح، بسبب الأوضاع الحالية في الشرق الأوسط، ومن المرجح أن تظل أسعار النفط متقلبة بين الارتفاع والانخفاض، متأثرة بالتطورات، والأحداث الجارية في المنطقة.