م.د. عبير مرتضى حميد السعدي
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
تشرين ثاني/ 2024
بعد فوز دونالد ترامب بالولاية ثانية في حكم الولايات المتحدة عام 2025، تصدّرت سياساته الاقتصادية، ووعوده الطموحة العناوين، وأثارت جدلاً عالميًا حول تأثيرها في الاقتصاد الأميركي والعالمي. وتستند سياسات ترامب إلى نهج “أميركا أولاً”، الذي يتضمن فرض تعريفات جمركية مرتفعة، وخفض الضرائب، ودعم العملات المشفرة، وتشجيع إعادة الصناعة إلى الأراضي الأميركية، والتي من المتوقع أن تكون لهذه السياسات تداعيات بعيدة المدى، إذ بدأت الأسواق بالتفاعل في اليوم التالي للانتخابات، متأثرة بمخاوف تأثيرها في التجارة العالمية، والنمو الاقتصادي. وفيما يأتي بعض هذه التأثيرات:
1. التأثيرات في الأسواق العالمية:
شهدت الأسواق الآسيوية ردود فعل متباينة تجاه فوز ترامب؛ إذ ارتفع مؤشر نيكاي الياباني، في حين انخفض مؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ، مما يعكس القلق من آثار سياساته الاقتصادية. أمَّا في الولايات المتحدة، فقد شهدت الأسهم ارتفاعًا بفضل تفاؤل المستثمرين بأجندته المؤيدة للأعمال، في حين ارتفعت عوائد سندات الخزانة، نتيجة التوقعات بزيادة العجز المالي الحكومي، مما قد يضغط على السيولة المتاحة في الأسواق.
2. هيمنة الدولار الأميركي وتصاعد المخاوف الأوروبية:
أدى فوز ترامب إلى ارتفاع قيمة الدولار، مما جعل السلع الأميركية أكثر تكلفة في الأسواق العالمية. سجل البيزو المكسيكي انخفاضًا كبيرًا، بسبب الرسوم الجمركية المحتملة على الصادرات المكسيكية، مما زاد من الضغوط الاقتصادية على المكسيك. في المقابل، تعاني أوروبا من مخاوف متعلقة بتعريفات ترامب الجمركية، وتداعياتها على صناعتها، إذ أعربت دول أوروبا الشرقية عن قلقها من تراجع الدعم الأميركي لحلف الناتو. كما أنَّ ارتفاع الدولار يجعل السلع المسعرة بالدولار، مثل: النفط، أكثر تكلفة للمشترين الذين يدفعون بعملات أخرى.
3. البيتكوين والعملات المشفرة:
وعد ترامب بجعل الولايات المتحدة “عاصمة العملات المشفرة”، مما دفع البيتكوين إلى تسجيل قفزة قياسية، بعد إعلانه دعمه للعملات المشفرة، إذ وصلت قيمتها إلى أكثر من (75) ألف دولار. على الرغم من ذلك، قد يزيد هذا التوجه من اضطراب الأسواق المالية، إذا لم تُصاحب هذه السياسات ضوابط تنظيمية كافية.
4. تأثير الرسوم الجمركية في التجارة العالمية:
تشمل سياسات ترامب فرض رسوم جمركية، تصل إلى (60%) على الواردات الصينية، و(10%) أو (20%) على جميع الواردات الأخرى. تؤدي هذه التعريفات إلى عرقلة التجارة العالمية، وزيادة تكاليف الاستيراد، مما يرفع الأسعار محليًا، ويزيد من التضخم. وقد يجبر هذا الاحتياطي الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة، مما يؤثر سلبًا في أسواق المال، في ظل اقتصاد عالمي متباطئ.
5. تأثيرات سياسات ترامب في أسعار النفط:
في أثناء ولايته الأولى، مارس ترامب ضغوطًا كبيرة على منظمة أوبك بلس، لزيادة معروضها النفطي بهدف خفض الأسعار، ومن المرجح أن يكرر هذا النهج في ولايته الثانية. إذا نجح في الضغط على أوبك بلس، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة في إنتاج النفط العالمي، ومن ثَمَّ انخفاض الأسعار. كما أنَّ تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران، سيكون له دور كبير في التأثير في إمدادات النفط من المنطقة، مما يثير قلق أسواق الطاقة العالمية.
6. تراجع أسعار الذهب:
انخفضت أسعار الذهب بنسبة (3.1%) بعد فوز ترامب، نتيجة توقعات بارتفاع الدولار، وثبات عائدات سندات الخزانة. يُتوقع أن تستمر أسعار الذهب، والفضة، في الانخفاض في الأجل القريب، مع بعض عمليات جني الأرباح، لكن من المتوقع أن يستعيد الذهب قيمته على المدى الطويل، بمجرد أن تتضح سياسات ترامب الرئيسة.
7. التداعيات الاقتصادية المحتملة:
من المتوقع أن تؤدي سياسات ترامب إلى زيادة العجز المالي للولايات المتحدة، بحوالي (7.75) تريليون دولار بحلول 2035، ما قد يزيد من الديون الحكومية، ويحدث اضطرابات في أسواق السندات. فضلًا عن ذلك، قد يؤدي تأزم العلاقات التجارية مع الصين وأوروبا، إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي. يرى محللون أنَّ هذه السياسات قد تزيد من التضخم العالمي، وتضعف من قدرة الدول النامية على الاقتراض، لاسيَّما تلك التي لها روابط اقتصادية قوية مع الولايات المتحدة.