أ.م.د. حمد جاسم محمد
رئيس قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
تشرين الثاني/ 2024
إنَّ تأثيرات أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، لم تتوقف على حدود غزة، بل امتدت إلى دول أخرى مجاورة لفلسطين المحتلة، مثل: لبنان، وسوريا، أو حتى بعيدة عنها، مثل: إيران، واليمن، والعراق. فقد أدخلت المنطقة في دوامة من الصراع العسكري، بعضه مباشر، وبعضه الآخر غير مباشر، إذ أصبحت لبنان وبشكل غير مسبوق، في دائرة الصراع بين الفلسطينيين من حركة حماس وغيرها، والكيان الصهيوني، فقد أعلن حزب الله اللبناني ومن أول يوم للمواجهة، دخوله الحرب عن طريق قصف المستوطنات، والثكن العسكرية، في شمال الكيان الصهيوني، وبأنَّه سيكون داعمًا لأهالي غزة، ووضع شروط لإيقاف المواجهة، منها: وقف المجازر ضد أهالي غزة، وفتح الحصار، وانسحاب القوات الصهيونية من القطاع، ودخول المساعدات، والإعمار. وبعد أشهر من القصف المتبادل، دخل حزب الله اللبناني، والقوات الصهيونية، في مواجهة مباشرة مع حزب الله في 23 أيلول 2024، عن طريق هجوم صهيوني بري، وجوي، ضد مدن جنوب لبنان، وشرقه، أدت إلى تدمير البنى التحتية، ومئات الآلاف من الوحدات السكنية، وأكثر من مليون نازح داخل لبنان، وخارجها، وآلاف الشهداء، والجرحى، والأكثر منه استشهاد الأمين العام لحزب الله اللبناني (السيد حسن نصر الله)، والعديد من قادة المقاومة، في الضربات الصهيونية على الضاحية الجنوبية. وعلى الرغم من كل هذه الخسائر، ما زالت المقاومة ثابتة، وقادرة على ضرب مقرات الكيان الصهيونية العسكرية، في عمق فلسطين المحتلة، وبمختلف الأسلحة. كما أنَّ المقاومة تمكنت من صدّ هجومه البري، وعدم قدرته -وبحسب أغلب التقارير- من السيطرة على قرية واحدة في الجنوب، إذ بلغت خسائر العدو المعلنة فقط، أكثر من (100) قتيل، و(750) جريحًا، بين ضابط وجندي، وتدمير عشرات الدبابات، والآليات المدعة، وطائرات مسيرة، وهذه الأرقام لا تشمل الخسائر في الجبهة الداخلية للكيان الصهيوني.
ولكن من اللافت للنظر، أنَّه على الرغم من كل الأضرار التي لحقت لبنان ولاسيَّما حزب الله، فإنَّ المبادرات لوقف الحرب، انطلقت من الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أرسلت عدة وفود إلى لبنان، من أجل التفاوض لوقف إطلاق النار، استنادًا إلى قرار مجلس الأمن (1701)، الصادر في 11 آب 2006، والذي أنهى القتال بين حزب الله، والكيان المحتل عام 2006، والذي نصَّ على سحب مقاتلي حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، ووقف الأعمال القتالية كافة. وتحاول الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة (جو بايدن)، الرجوع عن هذا القرار، لوقف الحرب، وعدم توسع النزاع، وامتداده إلى دول أخرى في المنطقة. ومنذ بداية حرب غزة إلى الآن، فإنَّ هناك مطالبات أمريكية صهيونية، بالعودة إلى القرار (1701)، وتطبيقه في لبنان. وهناك عدة أسباب وراء الدعوات الأمريكية لوقف حرب لبنان، منها:
1- كان الهدف المعلن للكيان الصهيوني، من هجومه البري على حزب الله اللبناني، في جنوب لبنان في أيلول 2024، هو عودة المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة، ووقف انطلاق الصواريخ نحو مدن الكيان المختلفة، ونزع سلاح حزب الله، إلا أنَّ أيًا من هذه الأهداف لم يتحقق. وعلى الرغم من استشهاد الأمين العام لحزب الله، وعدد من قادة الحزب، والقصف الصهيوني المدمر على مدن جنوب لبنان، وشرقه، إلا أنَّ ضربات حزب الله توسعت أكثر، فلم يتمكن العدو من عودة أي مستوطن في الشمال إلى بيوتهم، وإنَّ صواريخ حزب الله وصلت إلى مدن، كانت بعيدة نوعًا ما عن الاستهداف، مثل: حيفا، وعكا، وتل أبيب، بل تعرض منزل رئيس وزراء الكيان نفسه للقصف. فضلًا عن فشل العدو في اختراق جبهة حزب الله الداخلية، وعدم تمكنه من السيطرة على أي مدينة، أو قرية في الجنوب، فضلًا عن الخسائر التي تعرض لها في الأرواح، والمعدات العسكرية، هذا ما جعل الكيان الصهيوني يوافق على المقترح الأمريكي لوقف الحرب، استنادًا إلى القرار (1701).
2- مطالبة الحكومة اللبنانية، ومنذ اليوم الأول للحرب، إلى تطبيق قرار مجلس الأمن (1701)، بشكل كامل دون زيادة عليه، ورفض الحكومة اللبنانية، وحزب الله، أي إملاءات أمريكية، أو صهيونية، ولاسيَّما ما يتعلق بآليات المراقبة على وقف إطلاق النار، والمطالبة بانسحاب القوات الصهيونية من جنوب لبنان بشكل كامل، وانتشار الجيش اللبناني، ومنع إعطاء أي امتياز للكيان، والذي كان يطالب بإمكانية رد القوات الصهيونية، على أي تهديد له من جنوب لبنان. هذا الموقف من الحكومة اللبنانية، وحزب الله، شكَّل موقفًا موحدًا ضد أي اختراق لجبهة لبنان الداخلية، وأفشل كل محاولات العدو الصهيوني، في نشر بذور الفرقة بين اللبنانيين بمختلف طوائفهم، وهو ما دفع الإدارة الأمريكية إلى إدراك هذا الموقف، والتعامل معه على محمل الجد، والدعوة لوقف الحرب.
3- إنَّ اتساع الحرب إلى دول أخرى، مثل: سوريا، أو اليمن، أو إيران، أو العراق، سوف يشكّل عاملًا مزعزعًا للمنطقة، التي تعد ذات اهتمام دولي عام، لا يخص الولايات المتحدة وحدها، فهي ممر ملاحي دولي مهم، فضلًا عن وجود مصادر الطاقة من النفط، والغاز، ووجود مصالح أمريكية عديدة، وقواعد عسكرية لها، قد تتعرض للتهديد المباشر، وجرَّها إلى حرب مباشرة في المنطقة، هي غير مستعدة لها حاليا، لاسيَّما أنَّ عمر إدارة (جو بايدن)، لم يتبقَ لها سوى شهر واحد، وسوف تتسلم إدارة جديدة (دونالد ترامب)، الذي بنى حملته الانتخابية على وقف الحروب. وعلى الرغم من أنَّ إدارة (ترامب) الجديدة، لا تختلف عن سابقاتها من ناحية دعم الكيان المحتل، إلا أنَّ بوادر انتهاء الحرب سوف يحسب لها على حساب الديمقراطيين، وهو ما تريد إدارة (بايدن) استثماره للسنوات القادمة، وحلم العودة لإدارة البيت الأبيض مرة أخرى. كما أنَّ انطلاق مظاهرات طلابية في عدد من الجامعات الأمريكية، المطالبة بوقف حرب غزة، وإن كانت ذات تأثير محدود، فإنَّ اندلاع حروب جديدة في المنطقة، واحتمال انخراط الولايات المتحدة مباشرة فيها، قد يؤجج المظاهرات مرة أخرى، وهو ما يشكّل عامل ضغط داخلي تخشاه الولايات المتحدة أكثر فأكثر.
4- أغلب دول الاتحاد الأوربي، ومنذ بداية الهجوم الصهيوني على لبنان، وقفت إلى جانب وقف الحرب، وتطبيق القرار (1701)، والدعوة إلى التهدئة في المنطقة، وحملت بعض الدول، مثل: فرنسا، واسبانيا، واسرائيل عرقلة إيجاد حلّ للصراع في غزة، ولبنان، ودعت الدولتين إلى وقف تصدير السلاح المستخدم في الحرب، والدعوة إلى حلّ سلمي للصراع. هذه المواقف مع المظاهرات في عدد من الدول الأوربية الداعمة لغزة، ولبنان، فإنَّ الإدارة الأمريكية تدرك خطورة عزلت الكيان الصهيوني، كذلك فاتورة تحميلها المسؤولية المباشرة، عن الدعم المقدم للكيان الصهيوني، لاسيَّما أنَّ محكمة العدل الدولية، وبعد طلب دولة جنوب إفريقيا، بارتكاب الكيان الصهيوني إبادة جماعية، وجرائم حرب في غزة، قد أصدرت أمرًا بوقف الحرب في رفح. وإنَّ استمرار الحرب في لبنان، سوف تضاف قضية جديدة ضد الكيان الصهيوني، ولاسيَّما أنَّ هناك مداولات في المحكمة، لإصدار أوامر قبض ضد رئيس وزراء إسرائيل (نتنياهو)، بعدَّه مجرم حرب. هذه المواقف عجَّلت المساعي الأمريكية لعزل جبهة لبنان، ووقف الحرب فيها، والبحث عن حلّ لحرب غزة بأسرع وقت.
إنَّ لكل حرب نهاية مهما كان شدتها واتساعها، لهذا فإنَّ المواجهات بين حماس، وحزب الله من جهة، والكيان الصهيوني من جهة أخرى، وصلت إلى طريق مسدود، وإنَّ ما أعلن عنه الكيان الصهيوني من أهداف لم يتحقق أغلبها، أو من الصعوبة تحقيق هذه الأهداف، وإنَّ احتمال المواجهات المباشرة بين الولايات المتحدة مع إيران، قد تزيد من الانغماس الأمريكي في المنطقة، وحولها، وسوف تكون له تداعيات على المصالح الأمريكية، والعالم، وإنَّ دولًا، مثل: الصين، وروسيا، تتحين الفرص ضد الولايات المتحدة الأمريكية، ومصالحها، وإنَّ أي توسع للحرب سيصب في صالح هذه الدول، لهذا تحاول الولايات المتحدة من استثمار ما تحقق، وإيقاف الحرب خوفًا من خسارة الكل.
أسباب المساعي الأمريكية لوقف الحرب بين حزب الله اللبناني والكيان الصهيوني
التعليقات على أسباب المساعي الأمريكية لوقف الحرب بين حزب الله اللبناني والكيان الصهيوني مغلقة