وقف إطلاق النار بين لبنان والكيان الصهيوني

      التعليقات على وقف إطلاق النار بين لبنان والكيان الصهيوني مغلقة

د. مبين ماجد جابر
جامعة كربلاء
مركز الدراسات الاستراتيجية
قسم الدراسات القانونية

رسميًا، يعلن الرئيس الأميركي جو بايدن ، مساء الثلاثاء 26 نوفمبر من العام 2024، التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بين الكيان الصهيوني وحزب الله في لبنان، واصفًا ذلك بأنَّه “نبأ سار”.
وقال بايدن في كلمة ألقاها في البيت الأبيض، بعد إعلان رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتانياهو، موافقة الحكومة الأمنية على الاتفاق: إنَّ وقف إطلاق النار سيدخل حيّز التنفيذ، فجر الأربعاء عند الساعة الرابعة بتوقيت بيروت (الثانية بتوقيت غرينيتش)، مشددًا على أنَّ اتفاق الهدنة يبشر “ببداية جديدة” للبنان. فما أبرز بنود الاتفاق؟
يتضمن الاتفاق إخلاء المناطق اللبنانية جنوب نهر الليطاني، من أسلحة حزب الله الثقيلة، وتسليم الجيش اللبناني، والقوى الأمنية اللبنانية، المواقع التي يسيطر عليها حاليًا جيش الكيان الصهيوني، وحزب الله، ويحتفظ كل من لبنان، والكيان الصهيوني بحق الدفاع عن النفس، وفقًا للقانون الدولي.
يعدُّ وقف إطلاق النار بين لبنان، والكيان الصهيوني، محطة بارزة في النزاعات الإقليمية، إذ أُبرم هذا الاتفاق بعد تصعيد عسكري خطير استمر لأكثر من عام. يتمحور هذا المقال حول تحليل وقف إطلاق النار من منظور قانوني بحت، معتمدًا على مصادر متعددة، تشمل قرارات مجلس الأمن، والقانون الدولي الإنساني، ومعاهدات جنيف، فضلًا عن تقارير المؤسسات الدولية.
أولًا- الإطار القانوني الدولي لوقف إطلاق النار:
من وجهة نظر القانون الدولي، يُعدّ وقف إطلاق النار وسيلة مؤقتة، تُستخدم لوقف الأعمال العدائية بين أطراف النزاع. يتم تنظيم هذه الاتفاقات بموجب معاهدات جنيف لعام 1949، والبروتوكولين الإضافيين لعام 1977، اللذين يشددان على حماية المدنيين، ومنع تصعيد الأعمال العدائية.
في حالة لبنان، يستند وقف إطلاق النار إلى القرار 1701، الصادر عن مجلس الأمن عام 2006، والذي ينص على ضرورة احترام السيادة اللبنانية، ووقف جميع الأعمال العدائية بين الجانبين. وضع القرار أيضًا أساسًا قانونيًا لوجود قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، التي تُناط بها مهمة مراقبة الانتهاكات.
ثانيًا- النقاط القانونية الرئيسة للقرار 1701:
1.إنهاء الأعمال العدائية بشكل فوري وشامل.
2.احترام الخط الأزرق كحد فاصل بين لبنان والكيان الصهيوني.
3.دعم الجيش اللبناني للسيطرة على الجنوب اللبناني.
4.منع استيراد الأسلحة غير الشرعية للأطراف غير الحكومية.
وعلى الرغم من هذا الإطار القانوني، ظلَّ تطبيق القرار تحديًا مستمرًا، بسبب التفسيرات المتباينة لبنوده، والانتهاكات المتكررة من كلا الجانبين.
ثالثًا- وقف إطلاق النار في 2024 والقرارات السابقة:
يأتي وقف إطلاق النار الجديد في نوفمبر 2024، بعد تصعيد استمر منذ أكتوبر 2023. لم يكن الاتفاق الجديد مجرد خطوة سياسية، بل هو تأكيد على استمرار العمل بمبادئ القرار 1701، مع تعديلات طفيفة تراعي التطورات المستجدة على الأرض.
أُبرم الاتفاق بإشراف الأمم المتحدة، ودعم دولي واسع، إذ شدَّدت الأطراف الدولية على أهمية احترام السيادة اللبنانية، والامتناع عن أي انتهاكات للخط الأزرق.
ومع ذلك، برزت انتقادات قانونية حول غياب آليات محاسبة فعّالة، لانتهاكات الكيان الصهيوني المستمرة، لاسيَّما فيما يتعلق بالاختراقات الجوية.
رابعًا- التحديات القانونية الجديدة:
على الرغم من تجديد الالتزام بوقف إطلاق النار، يواجه هذا الاتفاق تحديات قانونية، منها:
1.استمرار احتلال الكيان الصهيوني لأجزاء من الأراضي اللبنانية، وهو انتهاك صارخ للقانون الدولي.
2.تكرار الخروقات الجوية للكيان الصهيوني، التي تُعدّ تعديًا على سيادة لبنان.
3.ضعف قدرة الدولة اللبنانية على بسط سيطرتها الكاملة على المناطق الحدودية، نتيجة وجود فاعلين غير حكوميين.
خامسًا- تأثير وقف إطلاق النار في السيادة اللبنانية:
لم يكن وقف إطلاق النار مجرد إجراء لتهدئة التوترات، بل هو انعكاس لتحديات السيادة اللبنانية. تؤكد النصوص القانونية الدولية أنَّ سيادة الدول، تتطلب قدرة كاملة على التحكم في أراضيها، وحماية سكانها.
بالنسبة للبنان، ظلَّ التحدي الأكبر هو كيفية تحقيق هذا الهدف، في ظل وجود أطراف غير حكومية قوية، مثل: حزب الله. فيما ينص القرار 1701، على ضرورة نزع سلاح جميع الأطراف غير الحكومية، لكن هذا البند ظل موضع جدل داخلي وإقليمي، مما أضعف الالتزام الكامل بمقتضيات القانون الدولي.
سادسًا- دور الأمم المتحدة في تطبيق وقف إطلاق النار:
تؤدي قوات اليونيفيل دورًا محوريًا في مراقبة وقف إطلاق النار، وتوثيق الانتهاكات. ومع ذلك يظل دورها محدودًا بسبب طبيعة صلاحياتها غير التنفيذية.
من ناحية أخرى، يعكس ضعف المحاسبة الدولية على الانتهاكات المتكررة، لاسيَّما من جانب الكيان الصهيوني، فجوة قانونية تُضعف مصداقية قرارات مجلس الأمن.
أشار تقرير صادر عن اليونيفيل في ديسمبر 2024، إلى زيادة بنسبة (30%) في الخروقات الجوية للكيان الصهيوني، مقارنة بالعام السابق، وهذا الرقم يؤكد الحاجة إلى تعزيز آليات المراقبة، والمحاسبة، لتجنب انهيار الاتفاق.
إنَّ وقف إطلاق النار بين لبنان، والكيان الصهيوني، في نوفمبر 2024، يعكس تعقيدات النزاعات الإقليمية، وتداخل الأبعاد القانونية والسياسية فيها. وعلى الرغم من أنَّه يُعدُّ إنجازًا قانونيًا مهمًا، إلا أنَّ نجاحه يعتمد بشكل أساسي على تعزيز آليات المراقبة الدولية، وتطبيق النصوص القانونية بحزم على جميع الأطراف. يتعين على المجتمع الدولي من أجل تحقيق استقرار دائم، مراجعة أطر القانون الدولي المتعلقة بالنزاعات المسلحة، مع التركيز في محاسبة الأطراف المخالفة، وضمان حماية سيادة الدول الصغيرة، مثل: لبنان.
ماذا ينتظرنا خلال ٦٠ يومًا؟ وهل ينجح وقف إطلاق النار؟
هل سيصعب على الحزب إعادة التسلح؟ وما الحل المنتظر للسلاح؟
ما خفايا الاتفاق الخطيرة؟ وما الحدث الذي غيّر قواعد اللعبة بالنسبة لأميركا؟
بماذا تم تهديد نتنياهو لوقف حرب لبنان؟
وهل سينتخب رئيس، وتشكَّل حكومة خلال فترة قصيرة؟
وما دور الجيش القادم؟ وماذا عن إعادة الإعمار؟
كلها أسئلة ستكشفها لنا الأيام القادمة، من اتفاق يعول الكثيرون على نجاحه.