الأزمة السورية: العامل الخارجي يحرك الخيط الداخلي
أ.م. علي مراد النصراوي
مركز الدراسات الاستراتيجية / قسم إدارة الأزمات
كانون الأول/ 2024
تعود بدايات الأزمة السورية إلى عام 2011، على أثر ما عرف بالربيع العربي بالضد من الأنظمة الحاكمة، والتي نجحت العديد من الشعوب في إسقاط أنظمتها، ومن ضمن تلك الأحداث ما حصل في سوريا، عبر تظاهرات حاشدة سرعان ما تحولت إلى انشقاقات بالجيش العربي السوري، ثمَّ دخول تنظيمات إرهابية على خط الأزمة، حتى أصبحت سوريا خليطًا لمختلف الجماعات، كمعارضة مسلحة تحت مسمى الجيش الحر، وتشظى تنظيم القاعدة بدوره إلى جبهات ومسميات عدة، منها: النصرة، وجند الشام، وغيرهما، فضلا عن تنظيم القاعدة في العراق، والشام، والمعروف بداعش، وفصائل كردية عديدة تحت مسمى قوات سوريا الديمقراطية قسد.
فالأمر في سوريا يختلف عن بقية الدول، لوجود حالة من التوازن الدولي، على اعتبار سوريا حليفة إيران وروسيا على المستوى الدولي، وحليف قوي لحزب الله، وفصائل المقاومة في العراق، وهي ضمن خط الامداد من إيران إلى لبنان، فضلًا عن أنَّها ضمن محور المقاومة، وهي تحظى بجبهة مهمة مع الكيان الصهيوني. في المقابل سارعت تركيا، ودول الخليج، وفرنسا، وأمريكا، إلى دعم الجماعات المعارضة، فتحولت سوريا إلى ساحة لتصفية الحساب، وحرب بالوكالة استنزفت معها كل شيء، وأول من دفع الثمن هم المواطنون. وفي خضم ذلك سيطر تنظيم داعش الإرهابي على مناطق شاسعة من سوريا، ليباغت بعدها العراق عبر هجوم شاسع، أدى إلى سقوط الموصل، وصلاح الدين، والأنبار، وديالى، في هجوم كاسح عام 2014، وصولاً إلى حدود العاصمة بغداد، مما أدى إلى انهيار جزء كبير من المنظومة الأمنية والعسكرية، قبل أن يستعيد العراق زمام الأمور، مع إدراك الدول لخطر داعش على المنطقة، الأمر الذي أدى إلى تكاتف دولي لمواجهته، مع تدخل التحالف الدولي لإسناد القوات العراقية من الجو، وعبر فتوى الدفاع الجهادي، وتشكيل الحشد الشعبي، وبقية المتطوعين، حتى تحرير كامل الأراضي العراقية عام 2017، وهذا ما أعطى زخمًا للقوات السورية، وحلفائه، بعد انكسار داعش في العراق، وقطع خطط الامداد، فضلا عن انحسار تدفق المقاتلين الأجانب، وتغير موقف العديد من الدول التي قطعت التمويل. إلا أنَّ الواقع الجديد في سوريا، بعد الاتفاق ما بين روسيا، وسوريا، وتركيا، ظهرت خريطة جديدة. قوات مسلحة عديدة تحتفظ بإدلب ومناطق أخرى، وقوات سوريا الديمقراطية في المناطق الكردية، والعربية، وتركيا دخلت لقرابة الـ (30) كم بما يعرف بالمناطق الآمنة، وبقت سوريا وحلفاؤها تحتفظ بدمشق، وحلب، ومناطق أخرى، فيما وضعت القوات الأمريكية قواعد لها هناك، أبرزها قاعدة التنف. واستمر الحال منذ عام 2018، كل يحتفظ بمناطق نفوذه.
إلا أنَّ ما حصل قبل أيام، هو خرق لذلك الاتفاق، إذ إنَّ غالبية التنظيمات المتطرفة، توحدت تحت جبهة بما يعرف بتحرير الشام، وشنَّت هجومًا كاسحًا على ريف أدلب، وريف حلب، ومدينة حلب، وسط اتهامات رسمية لتركيا بأنَّها هي من مهدت لذلك، فيما تشير الأخبار الأخرى إلى أنَّ هذه الجماعات جرى توظيفها من قبل إسرائيل، بدليل أنَّه لم يمضِ يوم على وقف القتال في لبنان، حتى شرعت تلك الجماعات بتنفيذ هجومها، فيما لم تطلق رصاصة واحدة، أو تصدر موقف واحد طوال الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة؟ في ظل استغلال حالة تراجع حزب الله نحو جبهة الجنوب، على أثر الحرب مع الكيان الصهيوني، وانسحاب أغلب مقاتليه من سوريا، وسحب إيران لمستشاريها على أثر الاستهداف الاسرائيلي لهم طوال المدة السابقة، لذلك استغلت هذه الجماعات هذا الفراغ، وتقدمت نحو إكمال السيطرة على أدلب، وحلب، والتوجه نحو حماة، ومدن أخرى، مع انسحاب الجيش السوري في انتظار وصول الدعم الروسي والإيراني.
ومن ثَمَّ إذا ما بقت الأوضاع بهذه الوتيرة، مع تصاعد الخطاب الطائفي، والقومي. والتحشيد الحاصل يذكرنا بما ساد عام 2013، وما بعدها في سوريا، ومن ثَمَّ قد يكون تقسيم سوريا على الأبواب، وسوف يفرض ذلك عبر التغيير الديموغرافي الحاصل ، وعلى الرغم من شروع الجيش السوري وبدعم من الطيران الروسي واسناد الفصائل مع دعم ايراني بالتوجه نحو الدفاع عن مدينة حماه الاستراتيجية مع احتدام المعارك هناك في ظل تزايد استخدام الجماعات المهاجمة للطائرات المسيرة ولانقضاضيه مما يثير الشك حول طرق وصولها ليد تلك المجموعات في ظل اتهام وجهته رويا لا وكرانيا حول مسؤولية الاخيرة عن دعم تلك الجماعات في محاولة لاستنزاف روسيا وفتح ثغرة جديدة وهذا ما يزيد من تعقيد المشهد أكثر مع اتساع رقعة القتال وزيادة تشابك الاحداث ، مع حضور فواعل دولية كلاً منها يحاول فرض شروطه .