حزب الله اللبناني وسقوط سورية.. التأثير والتأثر

      التعليقات على حزب الله اللبناني وسقوط سورية.. التأثير والتأثر مغلقة

أ.م.د. حمد جاسم محمد
رئيس قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
8/ كانون الأول/ 2024
منذ اليوم الأول لانطلاق الأحداث في سورية عام 2011، أدرك قادة الحزب وعلى رأسهم الأمين العام السابق الشهيد (حسن نصر الله)، أهمية الجبهة السورية، وما تمثله من ثقل استراتيجي على لبنان، لا بدَّ من المحافظة عليه، ومنع أي قوة معادية من السيطرة عليه، لأنَّ ذلك يعني إقامة جبهة معادية للبنان ولاسيَّما لحزب الله، وقال في إحدى خطبه: “إنَّ سيطرة التكفيريين على سوريا، أو على محافظات محاذية للبنان، هو خطر كبير على لبنان، وعلى كل اللبنانيين من مسلمين ومسيحيين”. فقد كانت سوريا تمثل جبة الدعم والاسناد الأولى، للدولة اللبنانية بوجهة العدو الصهيوني، وخط الامداد الأول عبرها. وقد دفع الحزب منذ ذلك التاريخ بكل ثقله العسكري إلى جانب سورية، ودخل في معارك عديدة، حتى كان له الثقل الأكبر في تحرير الأراضي السورية من الجماعات المسلحة بكل مسمياتها، وقدَّم العديد من الشهداء من أجل ذلك. وقد أدركت الولايات المتحدة، وإسرائيل، خطر حزب الله على الدولة العبرية، وأنَّه أصبح أكبر قوة إقليمية، تشكّل خطرًا على أهدافهم بالمنطقة، والعائق الوحيد أمام أي تسوية، بين الكيان الصهيوني والدول العربية المطبعة. وأنَّه مع حماس يشكّل عائقًا أيضًا أمام مقررات صفقة القرن عام 2020، التي كان من أهدافها إنهاء المقاومة في فلسطين بشكل كامل، والتطبيع من الدول العربية، وهو ما حصل في إقامة علاقات مع البحرين، والامارات.
لقد جاءت أحداث 7 اكتوبر/ تشرين الأول عام 2023 بشكل مفاجئ، وشكَّل ذلك ضربة وفرصة للعدو الصهيوني في الوقت نفسه، ضربة بأن دخلت المقاومة، ولأول مرة، إلى داخل ما تسمى بـ(إسرائيل)، وأسر المئات من جنوده وقتلهم، وهزة كبيرة في الشارع الإسرائيلي، ولمنظومته الأمنية، وفرصة ليتمكن بعدها من ارتكاب كل أنواع الإبادة الجماعية بحق أهالي غزة، بحجة حماية أمنه القومي، وتحرير الرهائن. وقد وقفت مع الولايات المتحدة الأمريكية، ودول غربية عديدة، وما زالت المجازر مستمرة إلى اليوم، بدون أي رادعٍ أو حسيبٍ، بل إنَّ من الدول العربية من قدم الدعم للكيان الصهيوني.
إنَّ دخول حزب الله إلى جانب حماس في المواجهة مع الكيان الصهيوني، شكَّل انعطافة تاريخية كبيرة، فقد تمكن الحزب من الحاق خسائر بالعدو، وإشغاله في الجبهة الشمالية، وتهجير مئات الآلاف من المستوطنين، وضرب قواعده العسكرية، لهذا فإنَّ الولايات المتحدة، والكيان الصهيوني، أدركت خطورة حزب الله على أهدافهم، ولا بدَّ من تحجيمه، وإنهائه، ونزع سلاحه. وقد شنَّ الكيان الصهيوني هجومًا على لبنان في الأول من تشرين الأول 2024، استمر لعدة أشهر، وقصف الضاحية الجنوبية، والبقاع، وعدة مناطق أخرى، واستهداف أغلب قادة الحزب، واستشهادهم، مثل: الأمين العام (السيد حسن نصر الله)، حتى توصل الطرفان إلى وقف إطلاق النار، في 26 تشرين الثاني 2024، على أساس قرار مجلس الأمن (1701)، والقاضي بانسحاب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، والكيان الصهيوني، خلال (60) يومًا، ونشر الجيش اللبناني مع قوات اليونيفيل في الجنوب.
إلا أنَّ الولايات المتحدة، والكيان الصهيوني، لم يرق لهم هذا الاتفاق، وكان هدفهم هو تحجيم الحزب بشكل كامل، وقطع كل خطوط الإمداد له من سوريا. لهذا وبالتعاون مع سوريا اطلقت ساعدت قوات المعارضة في إدلب، بالهجوم على باقي المحافظات السورية، وسقوطها واحدة تلو الأخرى بيد المعارضة المسلحة، حتى وصلوا إلى العاصمة ودخلوها. ومع كل هذه الأحداث، فإنَّ حزب الله اللبناني، وخياراته الآن أصبحت محدودة، إذ إنَّ هناك عدة سيناريوهات قد تحدث، وتشكّل مشكلات له في لبنان، منها:
أولًا- إنَّ سقوط سوريا سوف يشكّل ثاني ضربة لحزب الله، بعد استشهاد أمينه العام حسن نصر الله، ومن ثَمَّ فإنَّ طريق الامداد الرئيس له قطع بالكامل، وإنَّ الامداد عبر البحر أو عبر مطار بيروت، لم يعدّ آمنًا الآن بعد المراقبة الشديدة من جانب الولايات المتحدة، والكيان الصهيوني، كذلك وجود أعداء الحزب داخل لبنان نفسها، وإعطاء معلومات عن وجوده، وتنقلاته. لهذا فإنَّ تسليح الحزب سيقتصر على الامكانات الذاتية، أو على التهريب، وهو ما يشكّل عائقًا أمام أي تحرك مستقبلي له، أو تأثير في الأحداث في المنطقة.
ثانيًا- السناريو الثاني هو أنَّ افتعال مواجهة بين الفصائل المسلحة في سوريا، ولبنان، لاسيَّما أنَّ المعارضة تضمر العداء للحزب، لوقوفه مع بشار الأسد ضدهم، ودخولهم في مواجهات عسكرية كبيرة. ولو دعم الحزب النظام السوري في عام 2011، لتمكنت المعارضة من إسقاطه في ذلك التاريخ، لهذا فإنَّ دخول حزب الله في مواجهات عسكرية مع المعارضة ليست بعيدة، لاسيَّما بوجود اتصالات بين الكيان الصهيوني، والمعارضة، وتنسيق كامل، هذا المشهد سوف يكون أداة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، لتنفيذ خططهم بالقضاء على حزب الله اللبناني، بدون الدخول في مواجهة مباشرة معه.
ثالثًا- المشهد الآخر هو دخول سوريا في حرب أهلية بين الفصائل المسلحة، وصراع السلطة مع تعددها، ولاسيَّما وجود معارضة انفصالية، مثل: الأكراد وحتى الدروز، إذ إنَّ إسرائيل كسب ودَّهم، وضمَّهم في مرحلة لاحقة، لهذا فإنَّ قيام حرب أهلية في سوريا، سوف يعطي حزب الله تأثيرًا في الأحداث في سورية، لخبرته في الحروب، عن طريق التدخل مرة أخرى إلى جانب طرف معين والتحالف معه، من أجل السيطرة على الحكم. لهذا نرى أنَّ الكيان الصهيوني، يرقب الأحداث عن كثب في سوريا. إنَّ قيام حرب أهلية في سوريا، وأن يكون له تداعيات على كل دول المنطقة، إلا أنَّه سيشكل متنفسًا لحزب الله، لإعادة تسليح نفسه، والتأثير في أحداث سوريا.
خلاصة المشاهد، إنَّ الحرب في سوريا لن تتوقف على طرف معين، أو جهة معينة، والمواجهات ما زالت مستمرة، ولن يكون لأي طرف عربي الاستفادة منها، والفائدة فقط هي للولايات المتحدة، والكيان الصهيوني، ومشهد غزو الكيان لسوريا وارد جدا، في وجود جيش مفكك، ومعارضة غير متناسقة، وأغلبها عميلة لأمريكا، لهذا لا يستبعد أن يقوم الكيان الصهيوني بغزو سوريا، والسيطرة على جنوبها.