الكاتب: أ.م. حسين باسم الياسري
رئيس قسم الدراسات السياسية/ مركز الدراسات الاستراتيجية
كانون الأول/ 2024
بالنسبة للكُرد، كانت وما تزال “الدولة الحديثة” في سوريا، والعراق، بمنزلة قفص حديدي يأسرهم. ومن أجل الحد بشكل دائم، من طموحات الكُرد في إنشاء دولة كردية كبرى في المنطقة، وأسرهم في “الدول الحديثة” القائمة بالفعل في العراق، وسوريا، فإنَّ إحدى الأولويات الـجيواستراتيجية الرئيسة لتركيا، هي الحفاظ على “الدولة الحديثة” في هذه البلدان. وبما أنَّ هناك أقلية كردية كبيرة في تركيا، يُعتقد أنَّها تشكل حوالي (20٪) من إجمالي سكان البلاد، فإنَّ التهديد الأعظم للأمن القومي التركي في الوقت الحالي، هو تحرر الكُرد في سوريا، واستقلالهم.
غير أنَّ سياسة أردوغان الخارجية، قامت على المقامرة في إضعاف دول الجوار التركي العربية -ولاسيَّما سوريا- عبر التدخل السافر في شأنها الداخلي، ورعاية المعارضة المسلحة، وهو ما يُنذر بأنَّ سياسة أردوغان الخارجية تجاه سوريا، قد تؤول في نهاية المطاف، إلى تشظي (الدولة الحديثة) في سوريا، إلى كانتونات جديدة، تقوم على أساس الهويات الفرعية، وهو ما يمنح “أكراد سوريا” حريتهم، واستقلالهم، ويسهم في تحفيز أكراد تركيا، في السعي إلى الحصول على النتيجة ذاتها، وهي نتيجة كارثية بالنسبة لتركيا، إذا ما اشتعل فتيلها داخل جغرافيا أكراد تركيا، فلا تهدد الأمن القومي التركي فحسب، بل تضع نهاية (للـدولة الحديثة) في تركيا نفسها، التي تضم أقليات عرقية أخرى غير الكردية، مثل: الأرمن، واليونانيين، وآخرين!
وبناءً على ما تقدم، فإنَّ المصلحة الجيواستراتيجية لتركيا، حيال وحدة أراضي العراق، وسوريا -كما صرَّح أردوغان بنفسه- يُعد أولوية استراتيجية تركية حقيقية، وليست مجرد كلام مُعد للاستهلاك الإعلامي.
غير أنَّ المشكلة ليست في الغايات، والأولويات الجيواستراتيجية التركية الحقّة، بل تُعد المشكلة في المصلحة المباشرة، والآنية، التي دفعت أردوغان وحكومته في المغامرة بالمساهمة في إضعاف هذه الدول -ولاسيَّما سوريا- بغية تعزيز النفوذ التركي داخل منظومة صناعة القرار فيها.
ومن ثَمَّ، فإنَّ طمع أردوغان، ورقصه على ألسنة اللهب، والنار، لأجل تعزيز مصالح مباشرة، وآنية لحكومته -في سوريا بوجه خاص- جاء كـمقامرة على حساب أولويات تركيا الجيواستراتيجية، في ديمومة (الدولة الحديثة) وبقائها في سوريا، التي أضعفتها المصلحة الآنية لحكومة أردوغان للغاية، وقد تتشظى (الدولة الحديثة) في سوريا غدا، إلى كانتونات جديدة بتأييد من الكيان الصهيوني، الراغب في تفتيت الدول الحديثة المجاورة له، إلى كانتونات صغيرة مبعثرة، تتشكل على أساس الهويات الفرعية، وتتناحر فيما بينها على الدوام، بما يعزز الأمن القومي لدى الكيان. ومن ثَمَّ فإنَّ مثل هذه النتيجة، سوف تكون ذات أبعاد كارثية على تركيا، إذا ما حصلت، وانتقلت عدواها إلى أكراد تركيا، وأشتعل فتيلها في جغرافيتهم، والتي لن تنتهي سوى بـ (موت الدولة الحديثة في تركيا).