م.د. عبير مرتضى حميد السعدي
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
كانون الأول/ 2024
وسط مشهد مليء بالتحديات، يقف الاقتصاد السوري شاهدًا حيًا، على الآثار المدمرة التي خلفتها سنوات طويلة من الحرب، والصراع. انهارت البنية التحتية، وتلاشت معظم القطاعات الإنتاجية، وهبطت العملة المحلية إلى مستويات غير مسبوقة، مما فاقم الأزمات المعيشية للسوريين. الحرب لم تكن مجرد نزاع مسلح، بل معركة اقتصادية طاحنة، أسفرت عن تراجع كارثي في الناتج المحلي الإجمالي. وأشار المركز السوري لبحوث السياسات في أحد تقاريره، إلى الخسائر التي واجهها الاقتصاد السوري، إذ تراجع الناتج المحلي الإجمالي من (56.5) مليار دولار في عام 2010، إلى (17.9) مليار دولار في عام 2022. وتحولت سوريا من دولة ذات إمكانات واعدة، إلى بلد يعتمد اعتمادًا كبيرًا على المساعدات الإنسانية. إذ تعرضت البنية التحتية، التي كانت تعدُّ شريان الحياة للاقتصاد، لدمار شامل شمل الطرق، والجسور، والمنشآت الحيوية، كالمصانع، والمستشفيات. إلى جانب ذلك، يعيش الاقتصاد السوري تحت وطأة عقوبات دولية قاسية، تعيق استيراد المواد الأساسية، وتجذب الاستثمارات الأجنبية.
ووفقًا لتقرير البنك الدولي “المرصد الاقتصادي لسوريا، ربيع 2024: الصراع والأزمات وانهيار رفاه الأسر”، شهد الناتج المحلي الإجمالي تراجعًا بنسبة (1.2%)، في عام 2023 مقارنة بالعام السابق، ومن المتوقع أن ينخفض بنسبة (1.5%) في عام 2024. هذه الأرقام انعكست بشكل مباشر، في الوضع الاقتصادي والاجتماعي للسوريين، إذ وصلت معدلات الفقر إلى (69%)، في حين بلغ معدل الفقر المدقع (27%). كما أشار تقرير المركز السوري لبحوث السياسات، إلى زيادة العجز المالي، والتجاري، إذ وصل عجز الموازنة إلى (50%)، من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، بسبب تركز الإنفاق العام على النفقات العسكرية، والرواتب، والأجور، ودعم بعض السلع الأساسية، التي كانت تغطى من قروض داخلية، من قبل المصرف المركزي، مما تسبب في تدهور قيمة العملة المحلية، وزيادة معدلات التضخم. أمَّا العجز التجاري فقد وصل إلى (70%) في عام 2021، وبلغت الواردات (6) أضعاف الصادرات، ويتم تسديده من الديون، والمساعدات الإنسانية. فضلًا عن ذلك، وصل معدل التضخم إلى (84.9%)، وسجلت أسعار السلع الغذائية تضخمًا سنويًا وصل إلى (81%)، وتزايد معدل البطالة إلى (43%) في عام 2022.
وتمثل إعادة بناء ما دمرته الحرب، التحدي الأكبر أمام الحكومة السورية الجديدة، إذ تُعقد الآمال على جذب رؤوس الأموال السورية المهاجرة، والاستثمارات الأجنبية. يشير تقرير البنك الدولي إلى أنَّ التحويلات المالية من الخارج، تشكل شريان حياة بالغ الأهمية للأسر السورية، إذ تسهم في تقليل معدلات الفقر المدقع بنسبة تصل إلى (12%)، في حين تخفض معدلات الفقر العام بحوالي (8%). كما يقوم المجتمع الدولي، والعربي، بدور محوري في تقديم المساعدات للسوريين، سواء عبر المساعدات الإنسانية، أو عن طريق مشاريع تنموية. فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، قادرة على المساهمة في استعادة الأصول المسروقة، التي استولى عليها النظام السوري، بشكل غير قانوني على مدار سنوات، لاسيَّما بعد تجميد الأصول، كما يمكنها رفع العقوبات الاقتصادية، التي أثرت تأثيرًا كبيرًا في الاقتصاد السوري، وأدت إلى تراجع، أو تضرر، قطاعات اقتصادية مهمة، مثل: النفط، والزراعة، والصناعة، والنقل. ومن أهم تلك العقوبات الاقتصادية:
1. حظر التعاملات المالية: منع التعامل مع البنك المركزي السوري، والمؤسسات المالية السورية.
2. قيود على الاستثمار: حظر الاستثمار في قطاعات النفط، والغاز، والطاقة.
3. منع الصادرات: منع تصدير التكنولوجيا، والمعدات التي قد تُستخدم في العمل العسكري.
4. منع استيراد النفط السوري.
5. حظر بيع المعدات النفطية.
6. منع الطائرات السورية من التحليق في أجواء الدول الغربية، أو الهبوط في مطاراتها، وحظر تصدير الطائرات أو قطع الغيار إلى سوريا.
7. وضع قيود على تصدير التكنولوجيا، والبرمجيات التي قد تُستخدم في الرقابة على الإنترنت.
8. وضع عقوبات اقتصادية على الدول أو الشركات، التي تدعم الحكومة السورية، أو تساعدها على التهرب من العقوبات.
إنَّ التعافي الاقتصادي لسوريا، يتطلب رؤية استراتيجية شاملة، تجمع بين استقطاب الاستثمارات، وإعادة بناء البنية التحتية، وتحقيق استقرار سياسي وأمني مستدام. على الرغم من التحديات الكبيرة، يمكن لسوريا أن تبدأ مسيرتها نحو النهوض الاقتصادي، عن طريق تنسيق الجهود المحلية، والدولية، لتحقيق هذا الهدف. إذ يبرز دور المجتمع الدولي، والعربي، بوضوح في هذه المرحلة، سواء عن طريق تقديم المساعدات الإنسانية، أو دعم مشاريع تنموية طويلة الأمد.