جغرافية السلطة سوريا الى أين؟

      التعليقات على جغرافية السلطة سوريا الى أين؟ مغلقة

باحث في قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية
كانون الأول/ 2024
بعد انهيار نظام بشار الأسد، دخلت سوريا في مرحلة جديدة تتسم بالتغيرات الجذرية، والتحديات الكبيرة. وبعد أكثر من عشر سنوات من الحرب، والدمار، أصبح الوضع معقدًا للغاية على المستويين الداخلي والإقليمي، هذا التحول المفاجئ قد يعيد رسم الأدوار الإقليمية، والدولية، مما يضع سوريا أمام خيارات صعبة في مواجهة مستقبلاً غير مؤكد. انهيار النظام يعني زوال حكم عائلة الأسد، التي كانت مسيطرة على البلاد منذ السبعينيات، وهو حدث مفاجئ جاء نتيجة اهتزاز جيوسياسي كبير مع تفكك النظام، ستكون هناك قوى فائزة، وأخرى خاسرة، على مستوى العالم، ما يستدعي النظر في التأثيرات في مختلف الأطراف.

التحديات الداخلية:
1. فراغ السلطة: رحيل الأسد سيترك خلفه فراغًا سياسيًا واسعًا، إذ تفتقر المعارضة السورية إلى قيادة موحدة، ما قد يؤدي إلى صراعات مستمرة بين القوى المختلفة على الأرض، هذا الفراغ السياسي قد يطيل من أمد الفوضى، ويجعل من الصعب إحلال الاستقرار في الوقت القريب.
2. الانقسامات الطائفية: أسهمت الحرب في تعميق الانقسامات الطائفية، والعرقية، في المجتمع السوري. المصالحة الوطنية ستكون مهمة صعبة في ظل التوترات، والعداوات، التي تراكمت خلال سنوات الحرب، وهو ما سيجعل من الصعب إعادة اللحمة إلى الشعب السوري.
3. عودة اللاجئين: ملايين اللاجئين السوريين في دول الجوار، والمناطق الأخرى، يتطلعون للعودة إلى وطنهم، لكن هذه العودة مشروطة بوجود بيئة آمنة، ومستقرة، وهو ما يبدو بعيد المنال في ظل الوضع الحالي، إذ إنَّ الأوضاع الأمنية والاقتصادية في سوريا ما زالت هشة.
التأثيرات الإقليمية:
1. إسرائيل والجولان: سقوط نظام الأسد يفتح المجال أمام إسرائيل، لتعزيز سيطرتها على مرتفعات الجولان، إذ يُتوقع أن تواصل إسرائيل تعزيز وجودها في هذه المنطقة الاستراتيجية، مما سيزيد من تعقيد العلاقات الدولية، وقد يستغل بعض الأطراف هذه الوضعية، للضغط من أجل الحفاظ على الوضع القائم سابقًا، أي البقاء في هضبة الجولان، مما يعني اعتراف ضمني على الاحتلال الإسرائيلي للجولان، في حين ترفض دول مثل العراق هذا الاحتلال، بأي شكل من الأشكال السابقة، والقائمة في الوقت الحاضر، وتؤكد على ضرورة الحلول الدبلوماسية، وفتح قنوات تواصل من أجل الوقوف على الحلول المنطقية.
2. إيران وحزب الله: خسارة النظام السوري تعني خسارة استراتيجية كبيرة، لكل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحزب الله، إذ كان الأسد حليفًا أساسيًا لهما في المنطقة. إيران قد تواجه تحديات في الحفاظ على نفوذها في سوريا، في حين قد يجد حزب الله صعوبة في تأمين خطوط إمداده عبر الأراضي السورية، ما يؤثر في موقفه في لبنان.
3. تركيا والشمال السوري: ستسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها في المناطق الحدودية مع سوريا، لاسيَّما في المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية، كما ستستمر في دعم جماعات، مثل: جبهة تحرير الشام، لمواجهة أي تهديدات أمنية، من قبل القوى الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.
4. روسيا: روسيا التي كانت من أبرز الداعمين لنظام الأسد، لن تتخلى بسهولة عن مصالحها في سوريا. من المرجح أن تسعى روسيا إلى الحفاظ على وجودها العسكري في قاعدتي حميميم وطرطوس، إذ تعدَّهما من أهم النقاط الاستراتيجية في البحر الأبيض المتوسط، في الوقت نفسه، قد تسعى موسكو إلى التأثير في الحكومة السورية المقبلة، لضمان عدم فقدان نفوذها في المنطقة.
الدور الدولي:
1. الولايات المتحدة وأوروبا: من المتوقع أن تركز الدول الغربية في دعم استقرار سوريا، عن طريق الضغط على الأطراف المحلية، والدولية، لإقامة حكومة انتقالية، في ظل تراجع دور روسيا وإيران في المنطقة، سيكون من الممكن للولايات المتحدة أن تستغل هذا التحول لصالحها، ولكن على الرغم من ذلك، فإنَّ التدخل المباشر من قبل الغرب، قد يبقى محدودًا في المرحلة المقبلة.
2. التحالفات الإقليمية الجديدة: من الممكن أن نشهد إعادة تشكيل التحالفات في المنطقة، لاسيَّما إذا تمكنت سوريا من تحقيق بعض الاستقرار الداخلي، في حال حدوث ذلك، قد تشهد سوريا تقاربًا مع بعض الدول العربية، لكن هذا سيظل صعبًا في الوقت الراهن، بسبب الأوضاع المتقلبة في المنطقة.
السيناريوهات المحتملة:
1. سيناريو الفوضى: في حال استمرار الفراغ السياسي لفترة طويلة، وعدم وجود توافق بين القوى المختلفة في سوريا، قد تتحول البلاد إلى ساحة صراع مفتوحة، بين القوى المحلية والإقليمية. هذا السيناريو يبدو مرجحًا جدًا في ظل التوترات الحالية، والصراعات المستمرة على الأرض.
2. سيناريو الاستقرار النسبي: إذا تمكنت سوريا من الحصول على دعم دولي، وإقليمي قوي، فقد تكون هناك فرصة لإقامة حكومة انتقالية، تؤدي إلى إعادة الإعمار، والمصالحة، لكن هذا السيناريو يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي، بسبب الوضع الأمني المعقد، والصراعات التي لا تزال مستمرة في البلاد. مستقبل سوريا بعد سقوط الأسد، مليء بالتحديات الكبيرة على الصعيدين الداخلي والإقليمي. بناء دولة قوية ومستقرة سيكون أمرًا صعبًا للغاية، في ظل الصراعات الطائفية، والاقتصادية المستمرة، كما أنَّ الضغوط الإقليمية والدولية، ستظل تؤدي دورًا محوريًا في تشكيل مستقبل سوريا. إنَّ نجاح المرحلة الانتقالية سيعتمد اعتمادًا كبيرًا على قدرة السوريين على تجاوز خلافاتهم الداخلية، وعلى الدعم الدولي الذي سيتلقونه في هذا السياق، على الرغم من ذلك، يبقى من الصعب التنبؤ بمستقبل سوريا، في ظل هذه الديناميكيات المعقدة، والمتغيرة باستمرار.