م.م مصطفى محمود
مركز الدراسات الاستراتجية/ قسم إدارة الأزمات
كانون الأول/ 2024
يعد سقوط الأنظمة السياسية، حدثًا بالغ الأهمية في تاريخ الأمم، إذ يُعيد تشكيل العلاقات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، داخل الدولة وخارجها. وفي حالة سوريا يزداد الأمر تعقيدًا، إذ شهدت سوريا منذ عام 2011، أزمة سياسية واجتماعية عميقة، تحولت إلى صراع مسلح دامٍ، مما أدى إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي، والاجتماعي فيها, بين المطالب الشعبية بالتغيير، والتدخلات الدولية المتعددة, ولتدخل البلاد في أتون الفوضى والدمار على مدى (14) عامًا، وليسقط النظام السياسي في صبيحة الثامن من ديسمبر 2024.
ليبرز تساؤل مهم: هل سقوط النظام السياسي السوري جاء بقرار الشعب أم نتيجة لتدخل دولي؟ للإجابة عن هكذا تساؤل ينبغي تفكيك مقومات الأزمة السورية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
-على الصعيد الداخلي (الثورة والمطالبة بالحرية):
بدأت الأزمة السورية في شهر آذار/ مارس 2011، في خضم ما يعرف بـثورات (الربيع العربي), إذ خرجت مظاهرات سلمية تطالب بإصلاحات سياسية, ومتنفس من الحرية, هذه التظاهرات جاءت نتيجة حتمية لتركة ثقيلة، خلفها الأسد الأب (مجزرة حماة 1982)، والابن من التحديات السياسية والاقتصادية, أبرزها الحكم الاستبدادي, واحتكار السلطة. إلا أنَّ النظام واجه هذه الاحتجاجات بالقمع الشديد، مما أدى إلى تصاعد وتيرة العنف، وتحول الاحتجاج السلمي إلى صراع مسلح, وهذا يعكس حالة الغليان الداخلي، ورفض شرائح عديدة من الشعب السوري للنظام السياسي القائم. ولا يمكن إنكار انقسام الشارع السوري آنذاك، بين مؤيد ومعارض لنظامه السياسي، ولقراره في كبح جماح التظاهرات، ما جعل الحراك يعاني من غياب وحدة الهدف والقيادة, وليكن قرار التغيير الشعبي المعارض، يقابله قرار شعبي ايضاً لكن بالضد منه (بقاء الأسد في السلطة), كما أنَّ الطابع السلمي للمظاهرات الأولى، تحول لاحقًا إلى مواجهات مسلحة، مما أضعف موقف التظاهرات بأن تكون عفوية، ومطالبة بالإصلاح فقط, بل ربما تكون مسيسة أو تحولت لمسار ثانٍ.
– على الصعيد الخارجي (التدخلات الدولية):
مع تصاعد وتيرة العنف، ودخول البلاد في أتون الفوضى، بدأت القوى الدولية والإقليمية بالتدخل بشكل مباشر وغير مباشر. جاءت التدخلات تحت مسميات متعددة، مثل: (دعم الشعب السوري)، و(محاربة الإرهاب) و(الحفاظ على الاستقرار الإقليمي).
• الدور الغربي والخليجي: دعمت بعض الدول الغربية والعربية في الخليج، المعارضة المسلحة سياسيًا وماليًا وعسكريًا, ما أدى إلى تعزيز الانقسام الداخلي، وتصعيد النزاع.
• الدور الروسي والإيراني: على الجانب الآخر، دعمت روسيا وإيران النظام السوري عسكريًا واقتصاديًا، ما أسهم في إعادة توازنه، واستمراره في السلطة, لاسيَّما عندما نستذكر ما حدث في العام 2015، عندما كان نظام الأسد يتهاوى، وعلى وشك السقوط، ليغير الطيران الروسي كل المعادلة، وليستعيد الأسد السيطرة على مناطق واسعة من البلاد.
• الجماعات المسلحة والتنظيمات المتطرفة: استفادت بعض التنظيمات المتطرفة، مثل: داعش، وجبهة النصرة، من الفوضى لتعزيز نفوذها، مما زاد من تعقيد الأزمة، وجذب مزيد من التدخلات الدولية.
ختامًا يمكن القول: إنَّ المشهد ما زال في حالة ضبابية، ولا يمكن أن تتضح الإجابة بصورة بسيطة أو أحادية, عن التغيير السياسي هل هو صناعة للفوضى أم إرادة الشعب السوري؟
فمن جهة, قام الحراك الشعبي بدور أساسي في المطالبة بالتغيير، وكشف أخطاء النظام. ومن جهة أخرى, أدى التدويل المفرط للأزمة في سوريا، إلى تحويلها من نزاع داخلي إلى ساحة صراع جيوسياسي, ولعل ذلك يتضح جليًا اليوم في الدور التركي، ومناطق نفوذه داخل سوريا، ومحاربته للجماعات الكردية, كذلك الدور الفرنسي، وتخوفه من وصول الإسلام السياسي للسلطة، ومحاولته دعم الجماعات الكردية، على خلاف الموقف التركي، ودعوته لعقد مؤتمر يخص سوريا في يناير 2025. فضلًا عن مشاريع بعض الدول الخليجية، التي بدأت تطرح اليوم، المتعلقة بالطاقة، والتي تحتاج فيها إلى الأراضي السورية.
وعلى الرغم من ضبابية المشهد الحالي, إلا أنَّني اعتقد أنَّ المشهد السابق له, كان أكثر وضوحًا للعيان، إذ إنَّ الرئيس السوري السابق، سيبقى مرحلة من مراحل الدولة السورية، ولا يمكن لأحد أن يمحوه من تاريخ سوريا, على الرغم من بعض الأخطاء التي ارتكبها في التعامل مع الأزمة, إلا أنَّه باعتقادي حاول حماية بلاده من التدخلات الخارجية والإرهاب، وفي أصعب المراحل في تاريخ سوريا الحديث، وأكثرها حساسية, عندما تكالبت عليه دول عدة، وتنظيمات متطرفة (بعيدًا عن قرار الشعب السوري الحر), من أجل اسقاطهُ، ونجحوا في ذلك بعد مرور (14) عامًا، وأعتقد أنَّها مدة طويلة جداً لإسقاط أي رئيس دولة, وسينصفهُ التاريخ حتمًا.
سقوط الأسد: صناعة للفوضى أم إرادة شعب؟
التعليقات على سقوط الأسد: صناعة للفوضى أم إرادة شعب؟ مغلقة