أ.م.د. حمد جاسم محمد
رئيس قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
16 كانون الثاني 2025
إنَّ تاريخ العلاقات الروسية والإيرانية، اتسم بالشد والجذب على مرّ السنين بين البلدين، فاهتمام روسيا بإيران يعود إلى العهد القيصري في زمن (بطرس الأكبر 1675-1725)، الذي كان يرغب في الوصول إلى الهند، والمياه الدافئة في الخليج العربي، وقد دخلت الدولتان في حروب عديدة، وعقدت عدة معاهدات، أجبرت إيران حينها على التخلي عن بعض الأراضي، التي كانت تحت سلطتها في آسيا الوسطى، والقوقاز، فقد استولت روسيا القيصرية بين عام 1804- 1813، على أجزاء من بلاد فارس الشمالية (جورجيا الحالية, وباكو, وقرة باغ), وعقدت معاهدة كلستان عام 1813، والتي من شروطها انفراد الأسطول الروسي بالملاحة في بحر قزوين, ثم جاءت الحرب الثانية بينهم عام 1826-1828، وخلالها استولت روسيا على (معظم أرمينيا, وناخشوان, وخانة, وطاليش)، عن طريق معاهدة (تركمنجاي) في 1828، ثم التوسع الأخير عام 1881، إذ توسعت روسيا القيصرية على حساب إيران في آسيا الوسطى، واستولت على (طشقند, وبخارى, وسمرقند, وخوارزم), وعقدت معاهدة (أفال) عام 1881، إذ كان لروسيا نفوذ واسع في إيران ولاسيَّما في شمالها، في حين وسعت بريطانيا نفوذها في جنوب إيران. واستمر النفوذ الروسي حتى إعلان الثورة الشيوعية عام 1917، وإعلان الاتحاد السوفيتي، الذي سحب قواته من المنطقة عام 1921.
هذه النبذة التاريخية تبين أنَّ العلاقات بين الدولتين، لم تكن على وئام دائم، واستمرت حالات التوتر في عهد النظام الملكي، الذي كان مواليًا للولايات المتحدة. إلا أنَّ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، قد غيَّر من قواعد اللعبة، وعلى الرغم من إعلان المرشد الأعلى الراحل (آية الله الخميني)، بأنَّ الثورة الإيرانية لا شرقية ولا غربية، بل هي ثورة إيرانية إسلامية خالصة. إلا أنَّ بوادر تحسن العلاقات، وقوتها، ظهر بين إيران والاتحاد السوفيتي السابق، وبعدها مع روسيا الاتحادية، لاسيَّما مع استمرار العداء الأمريكي– الغربي لإيران، وفرض عقوبات مختلفة عليها، كذلك ظهور بوادر خلافات روسية غربية حول العديد من قضايا المنطقة. كل هذه الأحداث الأخيرة في المنطقة، دفعت الدولتين إلى القيام بتعاون وثيق، قاد أخيرًا الدعوة إلى عقد الاتفاق الاستراتيجي الشامل بينهم، ومدته (20) عامًا، ويغطي الاتفاق جميع جوانب العلاقات متعددة الأطراف بين الدولتين، بما في ذلك تعزيز التعاون في الأبعاد العسكرية، والسياسية، والتجارية، والاقتصادية، وتطوير العلاقات الثنائية في مجالات العلوم، والتعليم، والثقافة، والأنشطة الإنسانية، وإنَّ التوقيع على هذا الاتفاق، سيكون خلال زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى موسكو في 17 كانون الثاني، ولقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
هناك عدد من الأسباب وراء عقد هذه الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين، منها:
1- اقتصاديًا، العقوبات الاقتصادية القاسية، والتحركات العسكرية التي تقوم بها الولايات المتحدة، والغرب ضد روسيا، وإيران، ولاسيَّما في مجال الطاقة (النفط والغاز)، والذي يعد عماد الاقتصاد في الدولتين، دفعت موسكو، وطهران، إلى اتباع سياسة رفع سقف التعاون، وخفض المنافسة، ومواجهة التحديات الغربية، والعقوبات الاقتصادية. إذ تحتاج إيران إلى روسيا في مجال منع الولايات المتحدة، من فرض حصار اقتصادي على تجارتها الخارجية بالقوة العسكرية، كذلك حاجة روسيا إلى إيران في مجال الوصول إلى مياه الخليج العربي، بعد توقف تصدير الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا، وفرض الولايات المتحدة عقوبات على تصدير النفط الروسي.
2- أمنيًا، إنَّ أحداث الحرب الروسية الاوكرانية من 2022، والدعم العسكري، والمالي الأمريكي الغربي المتواصل لكييف، فضلا عن أحداث القوقاز ولاسيَّما نتائج الحرب الاذربيجانية الأرمنية الأخيرة، ودور تركيا في هذه الحرب. إذ إنَّ كلًا من إيران وروسيا تخشيان من وصول النفوذ التركي إلى حدودهما. فإيران تخشى من دعم تركيا لأذربيجان، في بعث طموحها في مناطق في شمال إيران. كذلك إنَّ وصول نفوذ تركيا، والتي هي عضو في حلف الأطلسي، إلى حدود روسيا وإيران، سيشكل تحديًا أمنيًا لموسكو وطهران، وتخشى إيران ايضا من وجود إسرائيلي في اذربيجان عن طريق تركيا، وما يشكله ذلك من تحدٍ أمني لها. وأخيرًا فإنَّ أحداث حرب غزة، ولبنان، وسقوط نظام الأسد في سوريا، التي كانت آخر معقل لروسيا في المنطقة، والانفراد التركي المدعوم أمريكيًا واسرائيليًا في المنطقة، هو الآخر شكَّل تحديًا أمنيًا مزدوجًا للدولتين، مما ولَّد حاجة إلى تعاون استراتيجي مختلف الجوانب لمواجهة هذه التداعيات.
3- عسكريًا، على الرغم من أنَّ روسيا تعد قوة عسكرية عظمى، وامتلاكها مختلف أنواع الأسلحة، ولاسيَّما النووية، إلا أنَّ طول حرب أوكرانيا، وطبيعة هذه الحرب، والتي تعد لحد الآن حربًا تقليدية، تطلب الحاجة إلى أسلحة تناسب طبيعة المعركة، ولاسيَّما في مجال الطائرات المسيرة، وبعض الصواريخ متوسطة المدى، التي تنتج إيران أنواعًا مختلفة منها، مما دفع روسيا إلى شراء العديد منها، ولاسيَّما طائرات شاهد المسيرة، لاستخدامها في حرب اوكرانيا. كما أنَّ إيران وبعد المواجهات المباشرة بين ايران واسرائيل، ولاسيَّما بعد مقتل (اسماعيل هنية) زعيم حركة حماس في طهران، ومقتل عدة ضباط من الحرس الثوري في سفارتها في سوريا، فقد أحست إيران بوجود ضعف في مجال الدفاع الجوي، بعد وصول الطائرات الاسرائيلية إلى إيران، وقصف منشآت عسكرية في طهران، وأصفهان، ومدن أخرى، مما شكَّل تحديًا أمنيًا عسكريًا كبيرًا لإيران، وخشيتها على سلامة المؤسسات السيادية، والمنشآت النووية، كذلك تهديدات الرئيس الأمريكي المنتخب (دونالد ترامب)، باستهداف إيران وحلفائها في المنطقة عسكريًا، هذا ما دفع إيران إلى البحث عن حلفاء لهم ثقل عسكري، من أجل أن تكون هناك حماية روسية لإيران، من أي استهداف أمريكي مستقبلي.
إنَّ عقد الشراكة الاستراتيجية بين ايران وروسيا، فيه حاجة ومصلحة ملحة للطرفين، ولاسيَّما في ظل الظروف الحالية في العالم والمنطقة، ومن نتائجها هو التصدي للتحديات الأمنية والاقتصادية المتصاعدة ضدهم، من جانب الولايات المتحدة، والغرب التي تتصاعد يومًا بعد يوم، وهو ما يتطلب وجود تعاون وشراكة شاملة بينهم. وإنَّ هذه طول مدة هذه الشراكة، والتي تبلغ (20) عامًا، سوف تكون حائلًا أمام التهديدات العسكرية للولايات المتحدة ضد إيران. كذلك سوف تجعل من كلا الدولتين ممرًا آمنًا للآخر إلى دول العالم، لاسيَّما أنَّ هناك تهديدات ضد روسيا في بحر البلطيق، والبحر المتوسط ضد روسيا، لاسيَّما بعد أحداث سوريا، كما أنَّ عقد اتفاق استراتيجي قبل تسلم الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) إدارة البيت الابيض في 20 كانون الثاني 2025، سوف يقطع الطريق أمام تهديداته ضد إيران، كذلك سوف تكون هناك بيد روسيا، أوراق تفاوضية في أي مفاوضات بينها وبين واشنطن، حول أحداث المنطقة، والعالم، بعد تولي إدارة (ترامب) للسلطة.
الشراكة الاستراتيجية بين إيران وروسيا… قراءة في الأسباب والنتائج
التعليقات على الشراكة الاستراتيجية بين إيران وروسيا… قراءة في الأسباب والنتائج مغلقة