
المقدمة
أثار الأمر الولائي الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا في العراق، القاضي بإيقاف تنفيذ قانون العفو العام، وقانون الأحوال الشخصية، قبل نشرهما في الجريدة الرسمية، جدلًا قانونيًا واسعًا، لاسيَّما بعد اعتراض مجلس القضاء الأعلى عليه. وقد عدَّ المجلس هذا الأمر غير ذي موضوع، لأنَّ القوانين لم تصبح نافذة بعد، مستندًا إلى مبدأ أساسي في التشريع، وهو أنَّ القوانين لا تكتسب قوتها القانونية، إلا بعد نشرها رسميًا. كما انتقد المجلس وصف المحكمة لأمرها الولائي، بأنَّه باتٌ، وملزمٌ للسلطات كافة، معتبرًا ذلك خروجًا على أحكام قانون المرافعات المدنية.
في هذا المقال، سيتم تحليل الإطار القانوني للأمر الولائي، ومدى مشروعية إصداره قبل نشر القوانين رسميًا، وتأثير ذلك في مبدأ الفصل بين السلطات، مع بيان الرأي القانوني بشأن موقف مجلس القضاء الأعلى.
أولًا- الإطار القانوني للأمر الولائي وصلاحيات المحكمة الاتحادية العليا
1. تعريف الأمر الولائي وطبيعته القانونية:
الأمر الولائي هو إجراء وقتي يصدره القاضي، بناءً على طلب أحد الأطراف، دون الحاجة إلى مرافعة الخصوم، وذلك لحماية حق محتمل، أو لمنع وقوع ضرر لا يمكن تداركه. ويعدُّ من الإجراءات الاحترازية، التي تهدف إلى ضمان عدم تنفيذ قرارات، أو قوانين، قد تتبين لاحقًا أنَّها غير دستورية، أو غير قانونية.
في السياق العراقي، تستند المحكمة الاتحادية العليا في إصدار الأوامر الولائية، إلى سلطتها الدستورية بموجب المادة (93) من الدستور، التي تمنحها صلاحية الفصل في النزاعات الدستورية، بما في ذلك وقف تنفيذ القوانين عند الطعن بدستوريتها.
2. مدى اختصاص المحكمة الاتحادية العليا، في إصدار أوامر ولائية، على الرغم من أنَّ الدستور لم ينص صراحةً، على صلاحية المحكمة في إصدار أوامر ولائية، إلا أنَّ الفقه القانوني يرى أنَّ للمحكمة سلطة تقديرية، في اتخاذ تدابير مؤقتة للحفاظ على النظام الدستوري، استنادًا إلى مبدأ الرقابة على القوانين قبل نفاذها، إذا تبين وجود انتهاك جسيم للمبادئ الدستورية.
غير أنَّ الإشكالية المطروحة في هذا السياق، تتمثل في توقيت إصدار الأمر الولائي، وما إذا كان يجوز للمحكمة إيقاف تنفيذ قانون لم يدخل حيز النفاذ، لعدم نشره في الجريدة الرسمية.
ثانيًا- موقف مجلس القضاء الأعلى من الأمر الولائي
1. عدم جواز إيقاف تنفيذ القوانين قبل نشرها رسميًا:
استند مجلس القضاء الأعلى في اعتراضه، إلى مبدأ أساسي في التشريع، وهو أنَّ القوانين لا تكتسب قوتها القانونية، إلا بعد نشرها في الجريدة الرسمية، وفقًا لأحكام المادة (129) من الدستور العراقي، التي تنص على أنَّ: “القوانين تنفذ من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية، ما لم يُحدد لها تاريخ آخر”.
بناءً على ذلك، يرى المجلس أنَّ القانون غير المنشور لا يُعد نافذًا، ومن ثَمَّ لا يمكن إيقاف تنفيذه، لأنَّه لم يدخل حيز التطبيق أصلًا، مما يجعل الأمر الولائي الصادر بشأنه غير ذي موضوع.
2. مخالفة وصف الأمر الولائي بأنَّه باتٌ، وملزمٌ لجميع السلطات:
انتقد المجلس أيضًا وصف المحكمة لأمرها الولائي، بأنَّه باتٌ، وملزمٌ للسلطات كافة، معتبرًا أنَّ ذلك يخالف أحكام قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969، الذي ينص على أنَّ الأوامر الولائية ليست قرارات نهائية، ويمكن التظلم منها، أو الطعن فيها.
ويؤكد مجلس القضاء الأعلى، على أنَّ المحكمة الاتحادية تجاوزت صلاحياتها، عندما وصفت الأمر الولائي بأنَّه ملزمٌ، ونهائي، إذ إنَّ الأوامر الولائية بطبيعتها، إجراءات مؤقتة لا تحسم النزاع بشكل قاطع.
ثالثًا- التحليل القانوني لموقف المحكمة الاتحادية العليا ومجلس القضاء الأعلى
1. هل يجوز للمحكمة الاتحادية العليا إيقاف قانون غير نافذ؟
على الرغم من أنَّ المحكمة الاتحادية العليا، تستند إلى دورها الرقابي في منع تنفيذ القوانين غير الدستورية، إلا أنَّ مبدأ نفاذ القوانين لا يتحقق، إلا بعد نشرها رسميًا. ومن ثَمَّ، فإنَّ إيقاف قانون قبل نشره، قد يعدُّ خروجًا على المبدأ التشريعي الأساسي، بأنَّ القوانين لا تكتسب أثرها القانوني، إلا بعد نشرها في الجريدة الرسمية.
مع ذلك، يمكن القول: إنَّ المحكمة قد لجأت إلى هذا الإجراء من باب الاحتراز، لاسيَّما إذا كان هناك تخوف من أن يؤدي نفاذ القانون، إلى انتهاك جسيم للدستور، أو المساس بحقوق الأفراد.
2. مدى إلزامية الأمر الولائي للسلطات كافة:
من الناحية القانونية، تعد الأوامر الولائية إجراءات وقتية، وليست أحكامًا قضائية باتة، ومن ثَمَّ فإنَّ وصف المحكمة لأمرها الولائي، بأنَّه “ملزم لجميع السلطات”، قد يتعارض مع القواعد العامة في قانون المرافعات.
ومع ذلك، فإنَّ المحكمة الاتحادية العليا تتمتع بسلطة عليا في الرقابة الدستورية، ما يجعل أوامرها ملزمة بحكم الواقع، حتى إن لم تكن نهائية، وفقًا لقانون المرافعات.
الخاتمة
يمثل الجدل بين المحكمة الاتحادية العليا، ومجلس القضاء الأعلى، بشأن الأمر الولائي الصادر بإيقاف تنفيذ قانون العفو العام، وقانون الأحوال الشخصية، نقطة خلاف جوهرية حول التوقيت المناسب لممارسة الرقابة الدستورية. فمن جهة، ترى المحكمة أنَّ لها صلاحية إيقاف القوانين حتى قبل نفاذها، لحماية المبادئ الدستورية. ومن جهة أخرى، يرى مجلس القضاء الأعلى أنَّ هذا الإجراء غير جائز قانونيًا، لأنَّ القانون لا يصبح نافذًا إلا بعد نشره، ومن ثَمَّ فإنَّ إيقافه قبل ذلك غير منطقي قانونيًا.
وفي ظل هذا التباين، يبدو أنَّ هناك حاجة إلى إعادة النظر في الإطار القانوني، للأوامر الولائية الصادرة عن المحكمة الاتحادية العليا، بما يضمن تحقيق التوازن بين حماية الدستور، واحترام المسار التشريعي للقوانين.