
تقييم الإستراتيجية الصينية
الكاتب : جورج فريدمان : جورج فريدمان هو مختص بالتوقعات الجيوسياسية وخبير استراتيجي في الشؤون الدولية.
الناشر: مؤسسة ستراتفور هو مركز دراسات إستراتيجي وأمني في الولايات المتحدة الامريكية وتُعنى بقطاع الاستخبارات.
ترجمة : د. نصر محمد علي
للصين ثلاثة مصالح استراتيجية:
يحتل الحفاظ على الأمن الداخلي أهمية قصوى من بين تلك المصالح . تاريخيا ، عندما زجت الصين نفسها في التجارة العالمية ، كما قامت بذلك القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، أدى ذلك إلى انتعاش المناطق الساحلية ، لكن في الوقت نفسه أهملت المناطق الداخلية من الصين ( التي تبعد حوالي 100 ميل من الساحل وتمتد حوالي 100 كيلو متر إلى الغرب ) .
حاليا مايقرب 80 يالمئة من مواطني الصين دخولهم الأسرية اقل من متوسط الدخل الأسري في بوليفيا . واغلب فقراء الصين يقطنون إلى الغرب من المنطقة الساحلية الغنية ، هذا التفاوت في الثروة ؛ يميط اللثام مرة أخرى عن التوترات بين المصالح في المناطق الساحلية وتلك التي في الداخل .
بعد وقوع الاضطرابات في شنغهاي في العام 1927 ، استغل ماوتسي تونغ هذه التوترات عن طريق سلسلة من التدابير الداخلية موظفا جيشا من الفلاحين .والتي ادت في النهاية الى قهر المناطق الساحلية عندما أغلقت الصين امام نظام التجارة الدولية ، الامر الذي جعل من الصين موحدة اكثر واكثر مساواة لكن في الوقت نفسه جعلها اكثر فقرا .
لقد سعت الحكومة الحالية بوسائل أكثر ملائمة لتوزيع الثروة وزيادتها من اجل تحقيق الاستقرار : شراء الولاء الشعبي عن طريق التوظيف الجماعي . خطط التوسيع الصناعي تم تنفيذها مع اعطاء القليل من الاهتمام الى الاسواق ، وبدلا من ذلك اصبح الهدف المحوري هو العمالة والتوظيف الى اقصى حد. كما وتم تسخير الادخار لتمويل المجهود الصناعي مع ترك القليل من رؤوس الاموال الداخلية من اجل شراء مخرجات الانتاج المحلي . كما يتعين على الصين التصدير وفقا لذلك .
اما الاهتمام الاستراتيجي الثاني للصين فهو مستمد من الاول . فالقاعدة الصناعية الصينية على تم تصميمها على اساس الانتاج بشكل يفوق حجم الاستهلاك المحلي لاقتصادها ، وتأسيسا على ذلك يتعين على الصين تصدير بضائع الى بقية دول العالم بينما عليها استيراد المواد الخام . ولهذا على الصينيون ان يبذلوا مابوسعهم من اجل ضمان استمرار الطلب العالمي على صادراتهم . وذلك يتطلب مجموعة من الانشطة ، من قبيل استشمار الاموال في الدول المستهلكة من اجل تاسيس مواطئ قدم في الممرات البحرية العالمية .
اما المصلحة الاستراتيجية الثالثة فهي تكمن في ابقاء السيطرة على الولايات العازلة . معقل شعب الهان التاريخي في الصين يتركزون في الثلث الشرقي من البلاد ، حيث ان غزارة هطول الامطار تميزها عن اكثر من ثلثي الاراضي الجافة القاحلة الوسطى والغربية . ومن هنا فان امن الصين المادي يعتمد على السيطرة على اربعة من المناطق (الولايات العازلة غير منطقة الهان ) التي تحيط بها وهي : منشوريا وداخل منغوليا وتشينبيانج والتبت (انظر الخارطة في صفحة رقم 10 ). تامين تلك الاقاليم يعني ان الصين قادرة على ان تعزل نفسها عن روسيا في الشمال واي هجوم من السهول الغربية او من الهند او جنوب شرق اسيا .
السيطرة على الولايات العازلة يوفر حواجز جغرافية للصين ( كالغابات والجبال والسهول واراضي سيبريا المقفرة ) التي تصعب السيطرة عليها وتخلق عمقا دفاعيا (استراتيجيا ) التي تضع أي مهاجم بوضع غير موات .
تحديات المصالح :
تواجه الصين اليوم تحديات على صعيد المصالح المذكور الثلاثة كلها :
الانكماش الاقتصادي في اوربا والولايات المتحدة ( الزبائن الرئيسين للصين ) عرّض صادرات الصين الى زيادة المنافسة وقلص من الإقبال عليها . كما بدت الصين في الوقت نفسه غير قادرة على زيادة الطلب المحلي على نحو مناسب وضمان الوصول الى الممرات البحرية العالمية بشكل مستقل عما ترغب البحرية الأمريكية بالسماح به .
نفس تلك الضغوط الاقتصادية تشكل تحديا داخليا للصين أيضا . فالساحل الأكثر ثراءا يعتمد على التجارة وهي الان متعثرة ، كما لايمكن تقديم الدعم الحكومي الى المناطق الفقيرة عندما يتباطا النمو الاقتصادي بدرجة كبيرة .
بالاضافة الى ذلك فان المنطقتين العازلتين للصين هي في حالة هيجان . فالعناصر داخل منطقة التبت وتشينغيانغ تقاوم بشدة الاحتلال الصيني (الهان ) . وتدرك الصين ان فقدان تلك الاقاليم يمكن ان يشكل تهديدا خطيرا لامن الصين ( ولاسيما اذا كان من شان تلك الخسارة ان يؤدي الى امتداد الهند الى شمال جبال الهملايا او تاسيس نظام اسلامي متشدد في منطقة شينجيانغ ) .
الوضع في التبت يحتمل ان يكون اكثر اثارة للقلق والحرب الصريحة بين الهند والصين ( ما خلا مناوشات بسيطة ) هي مستحيلة طالما كلا الجانبين يفصلهما جبال الهملايا . اذ لايمكن لكلا الجانبين السيطرة لوجستيا على سلسلة جبلية طويلة ومعقد التضاريس . لكن يمكن لكل من الصين والهند تهديد بعضها الاخر اذا تمكن أي من الجانبين العبور الى الهملايا وتاسيس وجود عسكري على أي من جانبي السلسلة الجبلية . فبالنسبة للهند ، يمكن ان يظهر التهديد اذا دخلت القوات الصينية الى باكستان باعداد كبيرة . اما بالنسبة للصين يتحقق التهديد إذا دخلت قوات هندية بعدد كبير الى التبت .
لهذا فالصين تبدو دائما كما لو كانت مستعدة لارسال اعداد كبيرة من القوات الى باكستان ، ولكن في النهاية ليس من مصلحة باكستان ، بحكم الواقع في الاحتلال الصيني ( حتى لو كان ذلك الاحتلال موجها ضد الهند ) وبالمثل ايضا فان الصينيون ليس لهم مصلحة في القيام بعمليات امنية في باكستان . اما الهنود فهم بالمقابل ليسوا مهتمين في ارسال قوات الى التبت حتى في حالة حدوث ثورة هناك . وبالنسبة الى الهند سيكون من مصلحتها ان تكون التبت مستقلة بدون قوات صينية لكن ليس من مصلحتها ان تلتزم بقوات مهمة فيها. وبقدر ما تمثله التبت من مشكلة بالنسبة الى الصين الا انه يمكن السيطرة عليها . فالمتمردين في التبت ربما يتلقون بعض التشجيع والدعم من الهند الا ان ذلك لايرتقي الى درجة تهديد السيطرة الصينية هناك . طالما ان المشاكل داخل الهان تحت السيطرة ، فان الصين تستطيع السيطرة على المناطق العازلة ولو مع بعض الجهد ومع الاضرار التي تلحق بسمعتها في الخارج.
وذلك يعد مفتاح الاسقرار الداخلي للصين ( أي السيطرة على الهان ) ومن هنا اذا كانت هناك نسبة من عدم الاستقرار في الهان فان السيطرة على الولايات العازلة ستكون مستحيلة . الحفاظ على الاستقرار الداخلي يحتاج الى تحويل بعض الموارد التي بدورها تتطلب الاستمرار بالنمو الاقتصادي القوي للمناطق الساحلية لتوليد راس المال من اجل تحويله الى الداخل . وينبغي وقف تدفق الصادرات الى الخارج والمواد الخام الى الداخل ، الان الدخل في المناطق الداخلية ينحدر الى مستويات تنذر بتفجرات سياسية ( الصين اليوم ابعد ما تكون عن الثورة ، لكن التوترات الاجتماعة اخذة بالازدياد وعلى الصين ان تستخدم اجهزتها الامنية وجيش التحرير الشعبي للسيطرة على هذه التوترات ).
الحفاظ على ذلك الانتاج يشكل تحديا كبيرا ، فنموذج العمالة والاسواق يساهم في سوء توزيع الارباح والموارد كما انه يكسر الرابط بين العرض والطلب . واحدة من اكثر النتائج ازعاجا هو التضخم الامر الذي يؤدي الى ارتفاع التكاليف الاعانات في الداخل كما يضعف القدرة التنافسية للصين مع الصادرات العالمية الاخرى الاقل تكلفة .
بالنسبة للصينيين ، ذلك يمثل تحديا استراتيجيا ، وهو تحد لايمكن مواجهته الا بزيادة الارباح على النشاط الاقتصادي الصيني . هذا يكاد يكون مستحيلا بالنسبة للمنتجات ذات القيمة المضافة المرتفعة . فالحل اذن يكمن بتصنيع منتجات ذات قيمة مضافة اعلى (احذية اقل ، سيارات اكثر ) ، لكن هذا يستلزم وجود نوع مختلف من القوى العاملة ، اذ ان معدل سنوات التعليم والتدريب للفرد في المناطق الساحلية اقل بكثير من الذين في المناطق الداخلية . كما يتطلب ذلك منافسة مباشرة مع اقتصاديات رصينة كاليابان والولايات المتحدة والمانيا . هذه هي الساحة الاستراتيجية التي يتعين على الصين مجابهتها اذا كانت تريد الحفاظ على استقرارها .
الجانب العسكري (المكون العسكري ) :
بالإضافة إلى مشكلات أنموذجها الاقتصادي ، الصين ايضا تواجه مشكلة عسكرية اساسية . فالصين تعتمد على أعالي البحار من اجل البقاء . فان وجود البحر في جنوب الصين وفي شرقها يجعل من محاصرة الصين أمرا سهلا نسبيا . فالبحر في شرق الصين هو غير مغلق على الخط الممتد من تايوان الى الفلبين ومن اندنوسيا إلى سنغافورة .
القلق الاستراتيجي الاكبر لبكين يكمن في قدرة الولايات المتحدة على فرض حصار على الصين ليس عن طريق وضع اسطولها السابع داخل الجزيرتين لكن من خارجها . من هنا فالولايات المتحدة يمكن ان تجبر الصين على ارسال قواتها البحرية بعيدا عن البر الرئيس من اجل فتح ذلك الحصار ( ومواجهة السفن البحرية الامريكية ) وتظل قادرة على اغلاق مخارج الصين .
ان عدم امتلاك الصين قوة بحرية قادرة على تحدي الولايات المتحدة يعقد من المشكلة . الصين لاتزال في طور الانتهاء من حاملة الطائرات الاولى لها ، في الواقع ان قواتها البحرية ليست كافية من النوع والكم لتحدي الولايات المتحدة . لكن مع ذلك الجهاز البحري ليس التحدي الاكبر للصين . الولايات المتحدة دشنت حاملة الطائرات الاولى في العام 1922 وقامت بادخال تحسينات على حاملة الطائرات وعلى تكتيكات الجماعات المقاتلة منذ ذلك الوقت ، اذ ان تطوير الادميرالات واعداد طاقم قادر على قيادة المهام القتالية للجماعات الموجودة على حاملة الطائرات بتطلب اجيال . ولكون الصين لاتمتلك جماعة قتالية على حاملة الطائرات في الاساس فهي لاتملك مطلقا ادميرالات لقيادة الجماعة المقاتلة لحاملة الطائرات .
الصين تدرك هذه المشكلة ومن هنا فهي تختار استراتيجية مختلفة لردع حصار بحري من قبل الولايات المتحدة : كالصواريخ المضادة للسفن في الاشتباك او ربما اختراق الانظمة الدفاعية المحمولة للولايات المتحدة ، الى جانب الغواصات الكبيرة . الولايات المتحدة ليست لديها الرغبة في الدخول في صراع مع الصين على الاطلاق ، لكن اذا تغير ذلك فان استجابة الصين ستكون محفوفة بالمخاطر .
وفي الوقت الذي تمتلك فيه الصين نظام قوي للصواريخ الارضية لكن هذا النظام معرض لضربات من صواريخ كروز والطائرات المقاتلة بدون طيار التي تخضع حاليا الى تطوير وكذلك الانواع الاخرى من الهجمات . قدرة الصين على خوض معركة مستمرة محدودة . علاوة على ذلك وضع الاستراتيجية الصاروخية يعمل فقط في ظل قدرة استطلاع فعالة . اذ لايمكنك تدمير سفينة اذا كنت لاتعرف اين هي . الامر الذي يتطلب بدوره وجود انظمة فضائية قادرة على تحديد السفن الامريكية وترتبط بشدة بنظام اطلاق نار موجه . وذلك يثير تساؤل عمّا اذا كانت الولايات المتحدة تمتلك قدرات مضادة للاقمار الصناعية . واذا افترضنا وجوده وان الولايات المتحدة ستستخدمه ، فان ذلك سيترك الصين (عمياء ).
لهذا فان الصين يجب ان تستكمل تلك الاستراتيجية عن طريق ضمان الوصول الى موانئ الدول المطلة على المحيط الهندي وخارج ( منطقة الجزاء ) في بحر الصين الجنوبي . بكين لديها خطط لبناء ميناء في ميانمار ، ( والتي تصب في انهاء عزلتها الدولية ) وباكستان . بكين بدات بالفعل تمويل وتطوير مينا جوادار في باكستان ، وكولمبو و هامبانتوتا في سريلانكا و شيتاغونغ في بنغلادش ، وتتطلع الى ) بناء ميناء في المياه العميقة في ستوي بميانمار . ومن اجل عمل تلك الاستراتيجية تحتاج الصين الى بنية تحتية للمواصلات لربط الصين بتلك الموانئ . وهذا يعني وجود سكك حديدية وانظمة طرق واسعة النطاق . صعوبة بناء ذلك في ميانمار على سبيل المثال لايعني التقليل من شانه .
لكن الاهم من ذلك تحتاج الصين الى الحفاظ على العلاقات السياسية التي من شانها ان تتيح لها الوصول الى الموانئ . باكستان وميانمار على سبيل المثال ، لديها درجة من عدم الاستقرار ، والصين لايمكن ان تضمن تعاون الحكومات سيكون دائما في مثل هذه البلدان . في حالة ميانمار الانفتاح السياسي الاخير يمكن ان يجعل نابيداو خارج نفوذ الصين . فان بناء ميناء او طرق (من جانب الصين ) وبعدها يحصل انقلاب او انتخابات تاتي بحكومة مناهضة للصين امر ممكن الحصول . ونظرا لكون ذلك واحدا من المرتكزات الاساسية للمصالح الاستراتيجية للصين فهي لاتستطيع ببساطة ان تضمن بناء ميناء يعطيها وصول غير مقيد له . اضف الى ذلك ان تلك الطرق وخطوط السكك الحديدية من السهل تخريبها من خلال عمليات حرب العصابات او من خلال ضربات صاروخية جوية .
لكي يتسنى الاستفادة من الموانئ الموجودة على المحيط الهادي على الصين ان تضمن السيطرة على الوضع السياسي في البلد المضيف لمدة طويلة . ولايمكن ضمان هذا النوع من السيطرة الا من خلال وجود قوة كبيرة قادرة على الوصول الى الموانئ ونظام النقل . ولابد الاخذ بعين الاعتبار ان الشيوعين منذ ان تولوا السلطة فان الصين نادرا ما تنفذ عمليات عسكرية في الخارج (نظرا للتاريخ غير المرغوب فيه ) غزوها للتبت كان ناجحا على الرغم من المقاومة الضعيفة التي حصلت . تدخلها في كوريا حقق الاستقرار لكن الصينيون الذين تحملوا الخسارة تكبدوا تكلفة مروعة ، لكن الصين اصبحت حذرة جدا في المستقبل . وفي عام 1970 هاجمت الصين فييتنام لكنها تعرضت الى هزيمة كبيرة . ان الصين تمكنت من تقديم صورة عن نفسها على انها قوة عسكرية مقتدرة لكن في واقع الامر هي قليلة الخبرة في استخدام القوة ومن هنا فان تجربتها لم تكن سارة .
الأمن الداخلي مقابل استخدام القوة
السبب الكامن وراء قلة الخبرة تلك نابع من تحدي الامن الداخلي . جيش التحرير الشعبي PLA مهمته الاساسية تتركز على الامن الداخلي ( اذ ان ضرورته نابعة من الخبرة التاريخية للصين في التوترات الداخلية ) والمسالة هنا ليست مااذا كانت الصين تعاني من توترات داخلية بقدر ماهي مسالة متعلقة بالإمكانيات . ومن هنا فالتخطيط الاستراتيجي يتطلب بناء قوات قادرة على التعامل مع اسوا الاحتمالات. وطالما ان جيش التحرير الصيني صمم اساسا للامن الداخلي فان هذا الجيش عقائديا ولوجستيا غير مهيا للعمليات الهجومية . ان استخدام القوة المدربة اساسا للامن كقوة لعمليات هجومية يودي اما للهزيمة او الى نتائج سيئة للغاية . وعند الاخذ بعين الاعتبار حجم المشاكل الداخلية للصين والتحدي الناجم عن احتلال بلد كميانمار ، ناهيك عن باكستان ، يتطلب بناء قوة اخرى مقتدرة قد لاتتجاوز ماهو متاح من اليد العاملة لكن بالتاكيد ستتجاوز حجم قدرتها اللوجستية . جيش التحرير الشعبي PLAاسس لحماية الصين وليس لاستخدامه بوصفه قوة موجهة الى الخارج ، ومن هن فالاستراتيجيات التي تتمحور حول الحاجة المحتملة لاستخدام القوة محفوفة بالمخاطر باحسن الاحوال.
ومن الجدير بالذكر ان منذ عقد الثمانينات من القرن المنصرم والصين تحاول نقل مسؤوليات الامن الداخلي الداخلي الى الشرطة الشعبية المسلحة وقوات الحدود وغيرها من قوى الامن الداخلي التي تم توسيعها وتدريبها للتعامل مع عدم الاستقرار الاجتماعي . لكن على الرغم من اعادة الهيكلة تلك لاتزال هناك قيود هائلة على قدرة الصين في استخدام القوة العسكرية على نطاق يكفي لمواجهة الولايات المتحدة مباشرة .
هناك بون واسع بين النظرة الى الصين باعتبارها قوة داخلية وبين الواقع . فالصين تتمكن من فرض السيطرة الداخلية لكن قدرتها على فرض السيطرة العسكرية على جيرانها تظل محدودة . في الحقيقة ان الخوف من غزو الصين لتايوان لااساس له اذ لايمكنها شن هجوما برمائيا من تلك المسافة ، ناهيك عن امكانية استمرار القتال على نطاق واسع لوجستيا . والخيار الوحيد الذي يمتلكه الصين هو شن حرب عصابات في الفلبين او اندنوسيا . والمشكلة في هذا النوع من الحرب هو ان الصين تحتاج الى فتح ممرات بحرية ، كذلك الى مقاتلي حرب العصابات ( بل حتى مقاتلي حرب عصابات مجهزين بصواريخ مضادة للسفن الحربية او الغام ).
الحل السياسي
لهذا فأن الصين تواجه مشكلة استراتيجية كبيرة . فهي يجب ان تتبنى استراتيجيتها للامن القومي على ماكانت الولايات المتحدة قادرة على فعله وليس على مايبدو ان بكين راغبة بالقيام به في الوقت الراهن . فالصين لايمكنها مواجهة الولايات المتحدة في البحر ، كما ان استراتيجيتها في بناء موانئ في المحيط الهندي يصطدم بعقبة التكاليف الباهضة كما ان الظرف السياسي للوصول الى تلك الموانئ مشكوك فيه . وان مطالب خلق قوة قادرة على الوصول الى تلك الموانئ يتعارض مع متطبات الامن داخل الصين نفسها .
طالما ان الولايات المتحدة هي القوة البحرية المهيمنة في العالم ، فان استراتجية الصين يجب ان تلتزم الحياد السياسي للولايات المتحدة . وعلى الصين ان تكون على بينة ان الولايات المتحدة لاتشعر بحرج كبير في تبني خيار الحصار البحري . ومن هنا يتعين على الصين ان تضع نفسها جزءا من الحياة الاقتصادية للولايات المتحدة لكن الاخيرة لاترى ضرورة ان ترى النشاط الاقتصادي للصين مفيد لها ، كما انه من غير الواضح ما اذا كانت الصين ستحتفظ بموقعها الفريد مع الولايات المتحدة لاجل غير مسمى ولاسيما عندما تكون البدائل الارخص متاحة لها . الخطاب الرسمي للصين والمواقف المتشددة والمصممة لتوليد الدعم داخل البلد قد يكون مفيد سياسيا ، لكنها تؤثر على علاقتها مع الولايات المتحدة . لكن توتر العلاقة مع الولايات المتحدة لايرتقي الى درجة المخاطرة بالجوء الى الخيار العسكري ، لكن نظرا لضعف الصين فان أي توتر يشكل خطر عليها . الصينيون يشعرون بانهم يعرفون الخط الفاصل بين المواقف والخطر الحقيقي .
هناك تصور ان الصين هي قوة صاعدة اقليميا بل حتى دوليا . قد يكون ذلك صحيحا لكنها تظل بعيدة عن حل مشاكلها الاستراتيجية وبعيدة اكثر عن مواجهة الولايات المتحدة . التوترات ضمن الاستراتيجية الصينية هي عوامل ضعف مؤكدة ان لم تكن قاتلة . وكل خياراتها تحمل في ثناياها نقاط ضعف خطيرة . الاستراتيجية الحقيقية للصين يجب ان تتجنب اتخاذ أي خيارات استراتيجية خطيرة . الصين على مدى السنوات الثلاثون الماضية كانت محضوضة في تجنب مثل هذه القرارات ، لكن بكين تقتقر تماما الى ادوات اعادة تشكيل تلك البيئة . وعند الاخذ بنظر الاعتبار دور الصين في العالم الان ( الخلاف حول الطاقة في السودان والتجربة السياسية في ميانمار يضع في الاذهان انها سياسة فاشلة .