خطوة في تعزيز الأمن الفكري الوطني

      التعليقات على خطوة في تعزيز الأمن الفكري الوطني مغلقة

الكاتب: أ.م. حسين باسم
قسم الدراسات السياسية/ مركز الدراسات الاستراتيجية
جامعة كربلاء
آذار/ 2025

رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست بوعاز بيسموت: سوريا هي جسرنا للوصول إلى الفرات وسوف نصل إلى العراق وكردستان في المستقبل
في خضمِّ التحولات المتسارع حدوثها، في بيئة الشرق الأوسط الساخنة، وغير المستقرة، وتفشي الحروب، والصراعات المسلحة، في مناطق متاخمة للعراق، تبرز أهمية “الأفكار” و”الآراء” المتنوعة، وتتصدر جدول اهتمامات الأمن الفكري. إذ إنَّ المصالح الوطنية العليا، وصيانة الوجود، والبقاء، تقتضي الوقوف على عتبة “الوحدة الفكرية”، أمام رياح المخاطر المتفشية، وما تحمله معها من تحديات استراتيجية مُحتملة.
وفي هذا الصدد، ومن المحزن، “الموقف الفكري” الذي ينتشر لدى بعض الأوساط العراقية، وغير العراقية، ومنذ وقت مبكر. إذ إنَّ مفاد ذلك “الموقف الفكري” هو:

(إنَّ مشكلة دولة الكيان -الإسرائيلي- هي فقط وفقط مع الحكومات -والأطراف الفاعلة الاستراتيجية- التي لا تعترف بحق ذلك الكيان في الوجود!! وإنَّ دولة الكيان -الإسرائيلي- تلك لا تمتلك أهدافاً توسعية!!

وقد أسندوا وجهة نظرهم إلى أنَّ الحكومات -والأطراف الفاعلة- التي لم تعترف بهذا الكيان -الإسرائيلي- هي من يسعى إلى إثارة المشكلات، وزعزعة الاستقرار، والازدهار!!

وكنتيجة لهذا المنطق في الاستقراء، والتحليل، تبنّوا موقفهم الفكري المؤيد لـزوال الحكومات -والأطراف الفاعلة- المشاكسة لذلك الكيان، باعتبار أنَّ زوال تلك الحكومات، والأطراف الفاعلة، هو ما يتوقف عليه دوران عجلة الازدهار، والاستقرار، والمستقبل السعيد!! مستشهدين بالمثل القائل «الغُبرة على من أثارها»)
انتهى..
بينما المنطق الفكري في الأعلى يطرح أمامنا وجهة نظر للتأمل، إلا أنَّ الواقع يصفع المراقب بوجهة نظر مغايرة تمامًا !!
فالواقع يحدثنا جميعًا، بأنَّ دولة الكيان الجرثومي، التي تمَّ تصويرها، وفق المنطق الفكري المذكور -وكأنَّها حمل وديع وودود- مهتم في الدفاع عن نفسه، وسلامته فحسب! هي ليست كذلك!
فنظرة بسيطة إلى تاريخ هذا الكيان اللقيط -منذ ما قبل تأسيسه، مرورًا بقيامه، وحتى اللحظة الراهنة- تثبت سوداويته، ووحشيته، بما يبدد أي تصوّر وديع له!
فعلى الرغم من أنَّ منظري «الحرب الشاملة»، ذكروا في أدبياتهم بأنَّ المدنيين يُعدون أهدافًا مشروعة في الحرب، لما لهم من أدوار متنوعة في إدامة زخم الجهد الحربي، وإنَّ استهداف المدنيين يُعدُّ «مشروعًا» لأجل ثني إرادة صُناع القرار، وإجبارهم على الانصياع، أو الاستسلام غير المشروط.
لكن التاريخ لم يحدثنا عن استهتار، سوى دول محدودة، في توظيف هذا النموذج من الحرب -أي الحرب الشاملة- وقتل المدنيين بإسراف من دون تقشف، وارتكاب الإبادة العامة بحق المدنيين العُزّل، وفي مقدمة تلك الدول هي دولة الكيان اللئيم، والداعم الأساسي لها الذي سبقها في الإسراف بالمجازر، والإبادة العامة، بحق “الهنود الحُمر”، والسكان الأصليين في القارة الأمريكية.
وهو ما يُبدد أي تصوّر عن دِعة، ووداد، ذلك الكيان الجرثومي! وينفي أي احتمال في أنَّه مدفوع بالدفاع عن النفس فحسب! إذ إنَّ الدفاع عن الذات، يستلزم، ويقتضي الاقتصاد في استخدام آلة العُنف، والدمار، لا الإسراف، والوحشية، في توظيفها!
وفي الوقت ذاته، ينبري التساؤل الآخر، وهو: هل إنَّ المشكلة تتمثل في وجود المشاكسة لدولة الكيان البغيض؟! وإنَّ الحكومات، والأطراف الفاعلة المُشاكسة، هي التي تثير زعزعة الأمن، والاستقرار، وتعطِّل عجلة التنمية، والازدهار؟!
وفي صدد الإجابة عن هذا التساؤل، يُشير إلينا الواقع أيضا، بأنَّه سواء أمتنعت الحكومات، والأطراف الفاعلة، عن الاعتراف بدولة الكيان الغاصب، وشاكسته، أم ركعت عند قدميه، وتزلّفت، فالنتيجة واحدة.
إذ إنَّ المشكلة الحقيقية، تتمثل في أهداف هذا الكيان اللئيم! وهذا هو فحسب!
فحقيقة أهداف الكيان الباغي، هي ليست سوى أهداف توسعية، تقوم على أساس انتزاع الأراضي -الموعودين بها ضمن موروثهم الفكري العقدي المعوج- والقبض عليها عبر السحق على الجماجم، وتدمير كل ما هو جميل!
وما التصريحات التي تظهر بين الحين، والآخر، من مسؤولين رفيعي المستوى -كالتي أدلى بها مؤخرًا “بوعاز بيسموت”، رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست- سوى دليل على أهداف ذلك الكيان الماكر التوسعية، التي ينشد تحقيقها بالقوة الغاشمة، والإكراه، والغطرسة!
ومن ثَمَّ، إنَّ المصالح الوطنية العليا، ومستقبل الأجيال، والحفاظ على خريطة البيت الكبير، تستحق من أصحاب المنطق الفكري موضوع النقاش، إعادة نظرهم، والتريث في استقراء ما يجري حولنا، وتحليله، ومحاولة الوصول إلى تجاوز الخلافات «الفكرية» الداخلية، بُغية إنتاج وحدة صارمة، تكون بمنزلة خطوة في اتجاه تعزيز الأمن الفكري الوطني، لأجل زعزعة مختلف الأخطار الاستراتيجية المُحتملة، وتفتيتها، ومواجهتها بثبات.