
م.م مصطفى محمود
مركز الدراسات الاستراتجية/ قسم إدارة الأزمات
تشهد تركيا في آذار/ مارس الجاري، موجة واسعة من الاحتجاجات الشعبية، اندلعت بعد اصدار السلطات القضائية، أمرًا باعتقال رئيس بلدية إسطنبول، (أكرم إمام أوغلو)، بتهم تتعلق بالفساد، والإرهاب، وهي اتهامات نفاها الطرف المُدان. ويُعدُّ إمام أوغلو من أبرز الشخصيات المعارضة للرئيس الحالي (رجب طيب أردوغان)، وكان يُنظر إليه كمرشح محتمل في الانتخابات الرئاسية المقبلة، الأمر الذي أثار غضبًا شعبيًا واسعًا، إذ خرج عشرات الآلاف من الجماهير إلى الشوارع في إسطنبول، ومدن أخرى، معبرين عن رفضهم لما وصفوه بتضييق الحكومة على المعارضة، وتقويض الديمقراطية.
فهل كان هذا الاعتقال حربًا على الفساد أم على الديموقراطية؟
بدايةً، من الجدير بالذكر أنَّ حملة اعتقال أوغلو، سبقتها حملة واسعة من القمع، شملت معظم أنحاء تركيا، في الأسابيع القليلة الماضية، والتي استهدفت سياسيين معارضين، وصحفيين، وشخصيات مشهورة في مجال الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي.
كذلك من المؤشرات المهمة، قيام جامعة إسطنبول (الجامعة التي تخرج فيها أوغلو)، بإزالة شهادته الجامعية بمزاعم واهية، إذ تُعدُّ الشهادة أحد الشروط المطلوبة من المُرشحين، للدخول في الانتخابات الرئاسية في تركيا، في الوقت الذي أكد (إمام أوغلو)، أنَّه سيتخذ إجراءات قانونية ضد قرار الجامعة بخصوص شهادته.
تداعيات الاحتجاجات:
1. قمع المظاهرات: استخدمت قوات الأمن التركية، الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، لتفريق المحتجين، مما أدى إلى مواجهات عنيفة في بعض المناطق.
2. اعتقالات واسعة: تمَّ اعتقال المئات من المتظاهرين، إذ تسعى الحكومة التركية إلى السيطرة على الوضع، ومنع انتشار الاحتجاجات.
3. تأثيرات اقتصادية: أدت الاضطرابات إلى تراجع في الأسواق المالية، إذ شهدت الليرة التركية انخفاضًا ملحوظًا، مما زاد من الضغوط الاقتصادية على البلاد.
4. ردود فعل دولية: أثارت الأحداث الجارية، مجموعة من الانتقادات الدولية، إذ أعربت منظمات حقوقية، وحكومات أجنبية، عن قلقها إزاء تدهور الديموقراطية، والتنافس الانتخابي، وانحسارهما في تركيا، ودعت إلى احترام حقوق الإنسان.
ويمكن القول: إنَّ اعتقال إمام أوغلو، يمثل خطوة نحو نظام استبدادي، تسلطي، مؤطر بالديموقراطية، على غرار الانتخابات التي كان يجريها، الرئيس السوري السابق بشار الأسد، إذ يختار الرئيس خصومه، لتصبح الانتخابات المقبلة مجرد استعراض. وهنا يظهر إصرار أردوغان على إزالة أي تهديد لحكمه، عن طريق ترتيبات الاعتقال، وعمليات القمع، ضد المحتجين، وإغلاق الإنترنت في عموم البلاد.
سيناريوهات محتملة:
السيناريو الأول: استمرار الاحتجاجات وتوسعها
فقد تستمر الاحتجاجات في الانتشار، لتشمل مزيدًا من المدن، والقطاعات، مع انضمام النقابات العمالية، والطلابية، إلى الحركة الاحتجاجية، مما يزيد الضغط على أردوغان، لإطلاق سراح إمام أوغلو، وإجراء إصلاحات سياسية.
السيناريو الثاني: تراجع الاحتجاجات وانحسارها
في حال عدم تحقيق المحتجين لنتائج ملموسة، واستمرار القمع الحكومي، قد يتراجع زخم الاحتجاجات تدريجيًا، مما يعزز موقف الحكومة الحالي، ويؤدي إلى استقرار مؤقت، من دون تحقيق تغييرات جوهرية.
السيناريو الثالث: أردوغان يخدع الشعب والمجتمع الدولي
في سناريو توسع الحركات الاحتجاجية، وصعودها, قد يقابلها قمع مفرط من قبل السطات التركية، الأمر الذي يستدعي تدخل دولي، واتخاذ إجراءات دبلوماسية ضد سياسات أردوغان الاستبدادية، الأمر الذي يزيد من تدهور اقتصاد البلاد، وعزلها دوليًا، مما يدفع بالحكومة إلى إجراء بعض الإصلاحات الشكلية، لامتصاص غضب الشارع، وإيهام المجتمع الدولي, وأهمها إسقاط بعض التهم عن أوغلو، وإطلاق سراحه، مع الإبقاء على عدم دخوله السباق الانتخابي، مما يؤدي إلى تهدئة الغليان التركي.
ويبقى تحقيق أحد هذهِ السيناريوهات، مرهونًا بعوامل عدة، أهمها قابلية الحكومة التركية على احتواء الأزمة، ومدى جديتها، فضلًا عن مقدار الضغوط الدولية، والدبلوماسية، على الحكومة التركية، وإمكانية ديمومة زخم الحركات الشعبية الاحتجاجية، وضرورة الإبقاء على الصورة السلمية للاحتجاج.