الحرب العالمية الخفية

      التعليقات على الحرب العالمية الخفية مغلقة

الكاتب: أ.م. مؤيد جبار حسن
في ما مضى، كانت الحروب حبيسة حدود الأمم المتقاتلة، فيما يهنأ غير المنخرطين فيها بالعيش، والأمان، والاستقرار. هذه الفرضية انتهت اليوم، وأصبحت للحروب، لاسيَّما الطويلة منها (غير الخاطفة)، تأثيرات تمتد أفقيا في مقياس الزمن (الوقت)، وعموديا في مقياس المساحة (المكان)، وخير مثال على ذلك الحرب الروسية- الأوكرانية، الحرب التي طرفاها ليس تلك الدولتين فقط، بل خلف كل منهما مجموعة من الدول الساندة، التي ترعى مصالحها في ذلك النزاع المدمر.
مرَّ على الحرب الروسية-الأوكرانية أكثر من ثلاث سنوات (منذ شباط 2022)، وبرز في تلك المدة تحالفان، الأول يقف مع أوكرانيا، ويضم أكبر الدول الأوربية، كبريطانيا، وألمانيا، وعديد من الدول التي يضمها حلف الناتو، فضلًا عن القوى العظمى المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية، فيما يقف مع روسيا بعض دول الاتحاد السوفيتي السابق كبيلاروسيا، فضلًا عن الصين، وإيران، وغيرها من الدول.
الحرب الطاحنة على الأراضي الأوكرانية، والتي تسببت في مقتل الآلاف من قوات الطرفين المتصارعين، ومن المدنيين، فضلًا عن المرتزقة الأجانب، وتسببت أيضا بخسائر مادية وصلت إلى (2,5) تريليون دولار، وتكلفة مالية وصلت إلى مئات المليارات من الدولارات. هذه الحرب المعلنة بأصواتها المدوية، وطنين طائراتها المسيرة، يتواكب معها حربًا خفية قائمة على الفعل ورد الفعل، واستعراض العضلات، والمغامرة بالمصالح، كل ذلك ضمن آلية دقيقة لحفظ ميزان القوى بين المتصارعين الكبار.
فروسيا مثلا تفهم الخروقات الأوكرانية لأراضيها، والإنجازات العسكرية الأخرى، كإسقاط طائرة روسية من طراز سو-30 مؤخرًا، بواسطة صاروخ جو-جو محمول على قارب بحري مسير، تسلل لمياه البحر الأسود. تفهم موسكو بأنَّه تخطيط، ومساعدة غربية، وبصورة أدق أمريكية. وحادثة أخرى ادعى فيها مبرمج اوكراني، أنَّه تمكن من اعتراض صاروخ فرط صوتي نوع كينجال فخر الصناعة الروسية، واسقاطه، وهذا يشكّل تحولًا في الحرب التكنولوجية بين الطرفين، من المؤكد تدخل التقنيات المخابراتية الغربية فيها.
وفي تطور لافت في الشرق الأوسط، واكب تلك الأحداث هناك، قصف مطار بن غوريون بصاروخ فرط صوتي قادم من اليمن، فشلت منظومات الدفاع الجوية الأمريكية، والإسرائيلية، في صده، لكنَّه يبدو لم يحمل رأسًا حربيًا متفجرًا كبيرًا.
الرسائل المتبادلة في تلك الحرب الخفية، هي أنَّ ساحات الحروب يمكن أن تتوسع، مع تمادي طرف ما في دعم أحد الأطراف المتنازعة، ومن الممكن أن يكون الاستهداف ضد حليف لأحد الداعمين، من دون إيقاع عدد ضحايا كبير، فقط لإيصال رسالة واضحة لمن يقرأها، أنَّ التمادي في جبهتنا سوف يؤدي إلى مشكلات في مناطق نفوذكم. ويبدو التوتر لحد هذه اللحظة تحت السيطرة، والمراقبة الشديدة، للحيلولة دون خروجه عن سياقات الرد والرد المقابل، لمعرفة وزن المصالح، ومدى إمكانية التضحية ببعضها، والتمسك بالأخرى.