النزاع العسكري الهندي الباكستاني ومستقبل رئيس وزراء الهند (ناريندرا مودي)

      التعليقات على النزاع العسكري الهندي الباكستاني ومستقبل رئيس وزراء الهند (ناريندرا مودي) مغلقة

أ.م.د. حمد جاسم محمد الخزرجي
باحث في قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
أيار/ 2025
دخلت الهند، وباكستان، في عدة نزاعات عسكرية، الأول عند الاستقلال عام (1947)، والنزاع العسكري عام (1965)، وعام (1971)، الذي قاد إلى استقلال بنغلادش (باكستان الشرقية)، وانفصالها عن باكستان، ثم حرب عام (1999) التي سميت بحرب (كارجيل)، ثم وقع النزاع العسكري الأخير بين الهند، وباكستان، في 7/5/2025، عندما شنَّت القوات المسلحة الهندية، ضربات صاروخية على منشآت مدنية، وسدود داخل إقليم كشمير في باكستان، بحجة وجود جماعات مسلحة، ارتكبت أعمال قتل لعدد من السياح في كشمير الهندية، ردت القوات المسلحة الباكستانية بضربات على منشآت عسكرية، ومدنية، في كشمير، وباقي المدن الهندية، سقط في المواجهات عشرات الضحايا، والجرحى، من الطرفين، وسقوط ما يقارب خمس طائرات عسكرية هندية، وعلى الرغم من إعلان وقف إطلاق النار، بين الجانبية بوساطات دولية، وإنَّ حجة الهجوم الهندي الأساسية، الادعاء بأنَّ جماعات مسلحة متشددة، تنطلق من كشمير الباكستانية، لارتكاب أعمال عنف في الهند، إلا أنَّ هناك عددًا من القضايا الأخرى التي أعلنت لاحقًا، ومنها الخلاف على تقاسم مياه نهر السند، الذي يجري من الهند، ويزود باكستان بمعظم الاحتياجات من المياه، إذ إنَّ الاتفاقية بين الدولتين، والتي تعود إلى معاهدة عام (1960)، التي تقسم مياه نهر السند، وروافده، بين الهند، وباكستان، وقد انسحبت منها الهند بعد الهجوم على سياح في كشمير الهندية، إذ تصرّ الهند على أنَّ الاتفاقية أصبحت قديمة، وتريد إعادة التفاوض على مياه النهر، وعقد اتفاقية جديدة، كذلك وجود عداء هندي باكستاني متجذر في عقيدة الدولتين، ولاسيَّما حول قضايا المسلمين في الهند، والمشكلات الحدودية، ولاسيَّما قضية كشمير، والمطالب الباكستانية بتقرير المصير للإقليم المتنازع عليه.
وعلى الرغم من وجود عداء تاريخي بين الدولتين، وهناك أسباب عديدة لوقوع نزاع مسلح بينهما، إلا أنَّ ما يحكم الدولتين قضايا عديدة، تجعل في توسع الصراع مخاطر كبيرة عليهم، وعلى المنطقة ككل، فالدولتان تملكان قوة نووية كبيرة، تقدر بمئات الصواريخ النووية ذات قدرات تدميرية هائلة، كذلك تداخل قومي وأثني كبير، ووجود حركات انفصالية في الهند، وباكستان، قد تستغل النزاع لمصلحتها، ووجود أطراف إقليمية، ودولية، معادية لهما، إذ إنَّ في النزاع الأخير وقفت الصين إلى جانب باكستان، وزودتها بالسلاح، والدعم العسكري، في حين وقفت إسرائيل إلى جانب الهند، وهو ما يشكل تهديدًا كبيرًا في المنطقة، كما أنَّ الوضع الداخلي، ولاسيَّما من جانب الجيش، والأحزاب السياسية في الدولتين، ولاسيَّما في الهند، ذات طبيعة تدعو للتهدئة، وعدم الانجرار للحرب، وإنَّ الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها الهند، وعدم قدرتها على مجارات باكستان بالتسليح، ودقة إصابة الأهداف، فقد تمكنت باكستان وبالسلاح الصيني، من إسقاط عدد من الطائرات العسكرية الهندية، وقصف العديد من القواعد العسكرية، ووصول الطائرات المسيرة إلى العاصمة نيودلهي، وأسر، وقتل، عدد من الجنود الهنود. هذه الأسباب وغيرها، سوف تضع رئيس وزراء الهند (ناريندرا مودي) في مأزق سياسي، فمنذ وصوله إلى سدة رئاسة الوزراء، كأول شخصية قومية هندوسية متطرفة في الهند، بعد أن فاز حزب (بهاراتيا جاناتان) الهندوسي، في الانتخابات العامة لعام (2014)، إذ فاز بثلاث فترات حكم إلى الآن. وفي عام (2019)، ألغى الحكم الذاتي لإقليمي لجامو، وكشمير، مما أثار غضب المسلمين في الهند. وفي العام نفسه أصدر قانون المواطنة في الهند، الذي صدر عن البرلمان الهندي، لتعديل قانون المواطنة لعام (1955)، والذي يعطي الحق للأقليات الدينية من باكستان، وبنغلاديش، وأفغانستان، للحصول على الجنسية الهندية، إذ حصر الأقليات الدينية التي يُطبق عليها التعديل، في (الهندوس، والسيخ، والبوذيين، والجينز، والفرس، والمسيحيين)، واستبعد المسلمين من هذه الأهلية، كما صادر العديد من مساجد المسلمين، وحولها إلى معابد لليهود، ثم أصدر قانون الأوقاف الهندي الجديد لعام (2025)، الذي يهدف إلى السيطرة على أوقاف المسلمين. منذ تولي حزب (بهاراتيا جاناتان) الهندوسي المتطرف للحكم في الهند، وإقصاء حزب المؤتمر الوطني الهندي المعتدل، فإنَّ حقوق الأقليات ولاسيَّما المسلمين، قد تدهورت تدهورًا كبيرًا جدا، وأصبح وصول الحزب للحكم، يعتمد على الشعارات الدينية، والقومية المتطرفة، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المسلمين على يد الهندوس. كما أنَّ وجود معارضة قوية لحزب رئيس الوزراء (مودي)، ولاسيَّما من طرف حزب المؤتمر الهندي، الذي حكم الهند لعقود عدة، وهو من المعارضين لكل إجراءات الحكومة الهندية، ولاسيَّما ما يتعلق بالأقليات، وعدَّها غير دستورية، وتقود إلى تقويض الحريات، وتدخل البلاد في أزمات سياسية، واجتماعية كبيرة. يضاف إليه تحالف الحكومة الهندية الحالية، مع حكومات متطرفة مثل اسرائيل، جعل منها منبوذة في دول الشرق الأوسط، وهو ما يؤثر مستقبلًا في اقتصاد الهند، كما أنَّ ادعاء الهند بقطع مياه نهر السند عن باكستان، هو ادعاء غير عملي لأسباب عديدة، منها: التدفقات الكبيرة للمياه من ارتفاعات عالية تصل إلى خمسة آلاف متر، كما أنَّ روافد النهر تنبع من هضبة التبت في الصين أحد حلفاء باكستان، مما قد يهدد بقطع هذه الروافد من طرف الصين، كما أنَّ الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة (دونالد ترامب)، مهتمة الآن بالأمور الاقتصادية، والصفقات التجارية، وتدعو إلى التهدئة في المنطقة، مما يعرقل أي مسعى للهند في توسيع الصراع. وفي الانتخابات الهندية العامة لعام (2024)، لم يحصل حزب رئيس الوزراء (مودي)، إلا على (240) مقعدًا من مجموع مقاعد البرلمان البالغة (543) مقعدًا، بعد أن حصل عام (2019) على (303) مقاعد، مما اضطره إلى إقامة حكومة ائتلافية، على خلاف الحكومتين السابقتين.
وأخيرًا فإنَّ هزيمة الهند في هذه الحرب الأخيرة، وقبولها وقف إطلاق النار بخسائر كبيرة، مؤشر على تراجع شعبية رئيس الوزراء (مودي)، وحزبه في الهند، وقد يقود إلى سقوطه في الانتخابات القادمة، لاسيَّما نبذ العديد من الهنود سياسة التطرف التي تنتهجها الحكومة الحالية.