م.د. عبير مرتضى حميد السعدي
قسم إدارة الأزمات- مركز الدراسات الاستراتيجية
بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب جولته الخليجية في (13) مايو (2025)، والتي استمرت أربعة أيام، وشملت المملكة العربية السعودية، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، في مسعى واضح لتوسيع الشراكات الاقتصادية، وتعزيز الاستثمارات المتبادلة بين الولايات المتحدة، ودول الخليج. وقد رافقه وفد رفيع المستوى يضمُّ كبار مسؤولي إدارته، مثل: وزير الخارجية، ووزير الخزانة، ووزير الدفاع، فضلًا عن عدد من الرؤساء التنفيذيين لشركات أميركية كبرى.
ركزت الزيارة في الصفقات الاقتصادية، والاتفاقيات الدفاعية، إذ أعلنت السعودية نيتها الاستثمار بما يقارب تريليون دولار في الولايات المتحدة، في حين كشفت الإمارات عن خطة استثمارية ضخمة بقيمة (1.4) تريليون دولار، تمتد لعقد كامل، وتشمل قطاعات استراتيجية، مثل: التكنولوجيا، والطاقة، والذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية. أمَّا قطر، وخلال زيارة ترامب إلى الدوحة، أطلقت الدوحة حزمة من الاتفاقيات وصفت بالتاريخية، إذ شملت اتفاقيات لشراء (160) طائرة بوينغ، بقيمة تزيد عن (200) مليار دولار، وهي أكبر طلبية لطائرات في تاريخ بوينغ، والتي يتوقع أن تدعم هذه الصفقة (154,000) وظيفة أميركية سنويًا، بإجمالي يتجاوز مليون وظيفة خلال فترة الإنتاج، والتسليم. إلى جانب صفقات أخرى شملت مجالات الطاقة، والتكنولوجيا، والدفاع.
في الحقيقة إنَّ هذه الصفقات لم تكن الأخيرة، فقد سبقتها صفقات في عام (2023) و(2024)، مثل صفقات قطاع الطاقة، إذ تنفذ شركة (McDermott) الأميركية حاليًا، سبعة مشاريع بنية تحتية مع شركة قطر للطاقة بقيمة (8.5) مليار دولار، في حين أُحيل لشركة (Parsons) ثلاثون مشروعًا، تصل قيمتها إلى (97) مليار دولار. كما أعلنت شركة (Quantinuum) الأميركية عن اتفاق شراكة مع شركة الربان كابيتال القطرية، لاستثمار مليار دولار في مجال تطوير الكفاءات البشرية داخل الولايات المتحدة. أمَّا في المجال الدفاعي، فقد وقّعت قطر صفقتين بارزتين مع شركتي (Raytheon) و(General Atomics)، الأولى بقيمة مليار دولار للحصول على منظومة (FS-LIDS) المضادة للطائرات المُسيّرة، لتصبح قطر أول زبون دولي لهذا النظام، والثانية بقيمة تقارب ملياري دولار لشراء نظام (MQ-9B) للطائرات بدون طيار. وتمَّ أيضًا توقيع بيان نوايا لتعزيز التعاون الأمني، يشمل استثمارات محتملة تصل إلى (38) مليار دولار في قاعدة العديد الجوية، وفي مجالات الأمن البحري، والدفاع الجوي.
بالإجمال، أسفرت الزيارة عن استثمارات، واتفاقيات متبادلة، في مجالات التكنولوجيا، والدفاع، والطيران، إذ بلغ إجمالي حجم الاستثمارات المعلنة خلال الجولة، ما بين (3.2- 3.6) تريليون دولار، ومن المتوقع ضخها على مراحل خلال السنوات المقبلة، ما يعكس رهانات كبرى على استدامة الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين.
ومن المتوقع أن تُسهم هذه الاتفاقيات، في تحفيز الاقتصاد الأميركي بشكل مباشر، لاسيَّما عن طريق دعم الصناعات الحيوية، وخلق مئات الآلاف من فرص العمل، كما هو الحال مع صفقة بوينغ، التي ستدعم أكثر من مليون وظيفة على مدى سنوات التصنيع، والتسليم. ومن ناحية أخرى، فإنَّ تدفق الاستثمارات الخليجية بهذا الحجم، سيُعزز من قدرة الحكومة الأميركية على تحفيز النمو الاقتصادي، وتقليل العجز المالي. ويرى اقتصاديون أنَّ هذه الشراكات، قد تُساعد في تخفيف وتيرة تصاعد الدين العام الأميركي، الذي بلغ مؤخرًا (36.2) تريليون دولار، عن طريق زيادة العائدات الضريبية، وتحفيز الإنتاج المحلي، وتوسيع النشاط الصناعي، والتجاري، داخل البلاد. على صعيد الطاقة، برز تباين في الرؤى بين الرئيس الأميركي، والمملكة العربية السعودية، إذ يسعى ترامب إلى خفض أسعار النفط، بهدف دعم النمو الاقتصادي العالمي، في حين تواصل السعودية تنسيقها مع تحالف أوبك+ للحفاظ على استقرار الأسعار عن طريق التخفيضات الإنتاجية. وقد بدأ التحالف مؤخرًا بتخفيف هذه التخفيضات، وزيادة الإنتاج، بما في ذلك انتاج المملكة، في خطوة تهدف إلى حماية الحصص السوقية، والتعامل مع تراجع الطلب الآسيوي، وربما أيضًا للضغط على إنتاج النفط الصخري الأميركي، الذي يتضرر من انخفاض الأسعار. كما ناقشت خلال الزيارة ملف رفع العقوبات المفروضة على سوريا، والتي انعكست بشكل إيجابي على الاقتصاد السوري، إذ ارتفع سعر صرف الليرة السورية إلى (11) ألف ليرة مقابل الدولار، وهو ما صرَّح به البنك المركزي السوري.
تحمل هذه الزيارة، بكل ما شهدته من صفقات، ووعود، وتفاهمات، مؤشرات على بداية مرحلة جديدة في العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة، ودول الخليج، إلا أنَّ قدرتها على إحداث تحولات ملموسة، تظلُّ مرهونة بالمتغيرات الإقليمية، والدولية، ومدى التزام الأطراف بتنفيذ الاتفاقيات، وتحويلها إلى مشاريع واقعية تخدم المصالح المشتركة، وتحقق التوازن بين الأمن، والاستثمار.
المصادر
1. https://www.mcdermott.com/press-release-detail/122991/mcdermott-awarded-major-subsea-pipelines-and-cables-epci-project-qatargas?utm_source=chatgpt.com
2. https://www.parsons.com/2023/08/construction-business-news-parsons-wins-52mn-public-works-authority-contract-in-qatar/?utm_source=chatgpt.com