
م.د. كرار فرحان الطائي/ جامعة القاسم الخضراء– كلية الطب
باحث مشارك في قسم إدارة الأزمات/ مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
المقدمة
شهدت منطقة الشرق الأوسط حدثًا مهمًا، في أعقاب زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى السعودية، وقطر، والإمارات، في النصف من شهر مايو (2025)، وقد جاءت هذه الزيارة في ظل ظرف إقليمي، ودولي، متشابك، مع وجود تغيرات جذرية في توازن القوى، لاسيَّما في سوريا، والمنطقة المجاورة. مع تراجع ملحوظ لدور إيران التقليدي في سوريا، نتيجة التغيرات السياسية في دمشق، وانشغال روسيا بصراعها مع أوكرانيا، مما خلق فراغًا حاولت الولايات المتحدة، وحلفاؤها الخليجيون، والإقليميون، استثماره لفرض نفوذ جديد. هذه الزيارة لم تكن مجرد حدث دبلوماسي عابر، بل نقطة محورية تعيد رسم خريطة النفوذ بين القوى الكبرى، والإقليمية، وتفتح الباب لصفقات استراتيجية، لاسيَّما في الملف السوري، في ظل تعقيدات النفوذ الإيراني، الروسي، والتحديات التي تفرضها الصين، وتطبيع الكيان الصهيوني مع الدول العربية. كما أدت قطر، وتركيا، أدوارًا محورية في هذا التحالف الجديد، فيما يسعى العراق إلى استعادة مكانته وسط هذه التحولات.
أولاً- خلفية الزيارة: التراجع الإيراني والانشغال الروسي في سوريا
في السنوات التي سبقت (2025)، شهدت سوريا تحولات سياسية بارزة، أبرزها وصول أحمد الشرع إلى السلطة، مما أدى إلى تراجع النفوذ الإيراني تدريجيًا في البلاد، هذا التراجع كان مدعومًا بانشغال روسيا الكبير في حربها المفتوحة مع أوكرانيا، مما قلَّص من قدرتها على التدخل العسكري، والسياسي، في سوريا بالوتيرة السابقة نفسها. أسهمت هذه المعطيات في خلق حالة من الفراغ في النفوذ، دفع الولايات المتحدة إلى استغلالها عبر تحالفات إقليمية جديدة مع السعودية، وقطر، وتركيا، والكيان الصهيوني، بهدف إعادة ترتيب المشهد السوري، وفرض شروط جديدة على رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق.
ثانيًا- ترامب واستراتيجية استثمار الفراغ: تشكيل تحالفات إقليمية جديدة
رأى ترامب في هذه الفرصة نواة لتشكيل تحالفات إقليمية، تحاول إعادة النفوذ الغربي والخليجي إلى سوريا، مستفيدة من الانسحاب الجزئي لإيران، وروسيا. تحالف السعودية، وقطر، وتركيا، والكيان الصهيوني، مدعومًا بالولايات المتحدة، اتخذ شكل اتفاقيات، وتفاهمات، تتضمن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، مقابل شروط سياسية، وأمنية، صارمة، منها تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، كأحد المطالب الرئيسة التي اشترطها ترامب شخصيًا.
هذه التحالفات أسهمت في خلق توازن جديد، إذ بات النفوذ الإيراني محدودًا إلى حد كبير، وروسيا أكثر انشغالًا بالخارج، ما يسمح بدخول لاعبين جدد يرسمون خطوطًا جديدة للنفوذ.
ثالثًا- الصفقات مع سوريا: رفع العقوبات مقابل التطبيع ومطالب أخرى
من أبرز مخرجات زيارة ترامب، كانت الاتفاقيات التي تتعلق برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، والتي رُفعت مؤخرًا مع بداية تفعيل الشروط التي وضعها ترامب سابقًا. من هذه الشروط:
1. التطبيع الكامل أو الجزئي للعلاقات بين سوريا، والكيان الصهيوني، في خطوة قد تعيد ترتيب خريطة العلاقات في الشرق الأوسط.
2. ضمانات أمنية لسحب النفوذ الإيراني، والقوى التابعة لها من الأراضي السورية.
3. فتح قنوات للاستثمار الخليجي، لاسيَّما من السعودية، وقطر، في مشاريع إعادة الإعمار، والبنية التحتية.
4. تعاون أمني مشترك بين الدول المشاركة في التحالف، لاسيَّما في مجالات مكافحة الإرهاب، ومنع التسلل عبر الحدود.
هذه الصفقة، على الرغم من نجاحها في خلق وضع جديد في سوريا، فقد أثارت تساؤلات حول مستقبل العلاقات الإقليمية، ولاسيَّما تأثيرها في التوازن مع روسيا، وإيران.
رابعًا- النفوذ الدولي والقوى الكبرى: روسيا، الصين، الكيان الصهيوني، وتداعيات التطبيع
في المشهد الدولي، تبقى روسيا لاعبًا مهمًا على الرغم من تراجع نفوذها المباشر في سوريا، إذ تراقب التطورات بقلق، وتعمل على إعادة تقييم تحالفاتها في المنطقة. الصين من جهتها تتخذ موقفًا أكثر تحفظًا، تراقب التطورات، وتبحث عن فرص لتعزيز وجودها الاقتصادي، من دون الانخراط عسكريًا.
الكيان الصهيوني، شهد توسيعًا كبيرًا في دائرة التطبيع مع دول عربية، تستثمر هذه الديناميات لتثبيت وجوده الاستراتيجي، وتحقيق مزيد من التعاون الأمني، والاستخباري، في المنطقة لاسيَّما في سوريا.
خامسًا- دور قطر وتركيا في إعادة تشكيل النفوذ الإقليمي
تحولت قطر إلى لاعب رئيس في دعم التفاهمات، وتحفيزها، بين دمشق، والكيان الصهيوني، مستفيدة من علاقاتها المتعددة بالجانبين، واستخدام نفوذها المالي لتسريع إعادة الإعمار، ودعم المشاريع الإنسانية، مع محاولة ضمان الاستقرار السياسي، عبر التنسيق مع السعودية، والولايات المتحدة.
أمَّا تركيا فتظل اللاعب العسكري الأبرز في الملف السوري، تسيطر على مناطق شمالية واسعة، وتمارس نفوذًا على الفصائل المسلحة المعارضة، مع دور محوري في ضبط الحدود، ومنع التوسع الإيراني. وتعمل أنقرة كضامن على الأرض لهذه الاتفاقيات، كما تحاول توسيع نفوذها عن طريق استثمارات، ودور سياسي متزايد.
سادسًا- الأثر السلبي في العراق:
إنَّ التحالف الإقليمي الجديد الذي يتشكل برعاية أمريكية، بين السعودية، وقطر، وتركيا، وبما يتضمن تقاسم النفوذ في سوريا، قد لا يصب في مصلحة العراق، بل يُنذر بتداعيات سلبية متعددة، على مستوياته السياسية، والأمنية، والاقتصادية. ومن أبرز هذه الآثار:
1. إقصاء العراق من المعادلة الإقليمية: تشكيل محور ثلاثي فاعل من دون إشراك العراق، يعكس توجهًا أمريكيًا لتهميش دوره، لاسيَّما أنَّه يشترك بحدود برية طويلة مع سوريا، وله مصالح أمنية مباشرة. تجاهل العراق في أي ترتيبات تخص الجغرافيا السورية، يعني تركه عرضةً لتبعات أمنية، من دون أن يكون له رأي أو نفوذ في الحلول.
2. مخاطر أمنية على الحدود الغربية: سيطرة قوى إقليمية موالية لواشنطن، على المناطق السورية المحاذية للحدود العراقية، قد تؤدي إلى تسلل جماعات مسلحة، أو إلى صدامات غير مباشرة بين فصائل المقاومة العراقية، والقوى الجديدة التي قد تراها تهديدًا لمصالحها.
3. زيادة الضغوط الأمريكية والصهيونية: في ظل الرغبة الأمريكية في تقليص نفوذ إيران، قد يزداد الضغط على العراق لحلّ الحشد الشعبي، أو تقليص علاقاته مع طهران، مما يهدد توازن الداخل العراقي، ويفتح الباب لصراعات سياسية، وأمنية.
4. خلل في التوازن الإقليمي: دعم تحالف ثلاثي لا يشمل العراق، سيخلق اصطفافات جديدة تُضعف التوازنات التقليدية، وقد يُجبر العراق على الانحياز لمحاور معينة، تحت ضغط المعادلة الجديدة، وهو ما يتناقض مع مبدأ الحياد الإيجابي، الذي تبنته الحكومة العراقية في السنوات الأخيرة.
ختامًا، إنَّ تلك التحولات أثرت في العلاقات الدولية، وفي القوى الكبرى، إذ تبرز الكيان الصهيوني كطرف معزز لنفوذها عبر التطبيع، في حين تحاول روسيا، والصين، التكيف مع المعطيات الجديدة. وتبقى السنوات القادمة مفتوحة على احتمالات متعددة، يتوقف فيها مصير الشرق الأوسط على قدرة بلدانه، في استثمار الفرص، ومواجهة التحديات التي فرضتها زيارة ترامب (2025)، والتحولات التي تبعتها.