
م.م. عادل سعد جهاد
قسم الدراسات القانونية
جامعة كربلاء/ مركز الدراسات الاستراتيجية
المقدمة
شهدت مدينة البصرة في الآونة الأخيرة، موجة من حملات إزالة التجاوزات السكنية، شملت تهديم عدد كبير من الدور المبنية على أراضٍ مملوكة للدولة أو البلدية. وعلى الرغم من تأييد بعض الأوساط لهذا التوجه، بوصفه خطوة في طريق فرض سلطة القانون، وهيبة الدولة، إلا أنَّ الجدل القانوني لم يهدأ، بين من يرى في الإجراءات المتخذة تطبيقًا صحيحًا لنصوص القانون، ومن يعدُّها تجاوزًا على حقوق الأفراد، ومخالفة للأصول الدستورية، والإدارية.
أولاً- الطبيعة القانونية للتجاوزات السكنية:
تُعدُّ التجاوزات السكنية – وفقًا للقانون العراقي– من قبيل الاعتداء على المال العام، وينظمها قانون إدارة أملاك الدولة رقم (21) لسنة (2013)، الذي يمنع أي إشغال للعقار العائد للدولة من دون سند قانوني، ويجيز للجهات المالكة – كوزارة المالية أو البلديات – اتخاذ الإجراءات اللازمة لإخلاء العقار.
وبحسب المادة (17) من القانون المذكور، فإنَّ للجهة المالكة للعقار، وبموافقة المحافظ، حق إزالة التجاوز بعد توجيه إنذار بالإخلاء خلال مدة محددة. ويجب أن تكون هذه الإجراءات مكتوبة، وواضحة، ومعللة قانونًا، على نحو يراعي مبادئ العدالة.
ثانيًا- مدى توافق الإجراءات مع الضمانات القانونية:
ما جرى في البصرة من تهديم عدد من الدور المتجاوزة، وإن تمَّ استنادًا إلى السلطة القانونية للإدارة، إلا أنَّه يُثير تساؤلات جوهرية، حول مدى مراعاة الضمانات القانونية، والإجرائية. فالدستور العراقي في المادة (23) ينص على أنَّ “الملكية الخاصة مصونة”، ويشترط نزعها أو هدمها بقرار قضائي، وتعويض عادل.
كما أنَّ قانون أصول المحاكمات المدنية رقم (83) لسنة (1969)، يشير في المادة (231) إلى أنَّ الإخلاء يجب أن يتم عبر المحكمة المختصة، ما لم يكن هناك نص خاص يُجيز للإدارة التنفيذ المباشر، كما هو حال بعض قوانين إدارة الأملاك العامة، وحتى في هذه الحالات يبقى لزامًا احترام الحقوق الدستورية للمواطن.
ثالثًا- التوازن بين فرض القانون والحماية الاجتماعية:
من الوجهة القانونية، يجب التفريق بين “التجاوز العمدي لأغراض تجارية أو مصلحية”، و”التجاوز القسري الناتج عن أزمات سكنية أو غياب بدائل”. فالتطبيق الصارم للقانون دون دراسة الحالة الاجتماعية، والبدائل المتاحة، يُعدُّ نوعًا من التعسف في استعمال الحق، وهو مبدأ مرفوض في الاجتهاد القضائي العراقي.
والجدير بالذكر أنَّ العراق لم يُفعّل حتى الآن، بشكل كافٍ قانون الإسكان الوطني، أو برامج الإسكان الاجتماعي، ما يجعل من حملات الإزالة دون تعويض أو بدائل، إجراءات غير مكتملة الأركان من حيث المشروعية، والعدالة.
الخاتمة
إنَّ تهديم الدور المتجاوزة في البصرة، يُمثل – من حيث المبدأ – تطبيقًا لسلطة الإدارة في حماية المال العام، لكنَّه من حيث الأسلوب، والتنفيذ، يطرح إشكاليات قانونية حول مدى احترام الضمانات القانونية، والدستورية. ويتعين على الجهات المختصة أن توازن بين ضرورة فرض القانون، وحماية الحقوق المكتسبة للمتجاوزين في حدودها الإنسانية، والاجتماعية، مع ضرورة توفير بدائل سكنية، وإنصاف قانوني يحقق العدالة، ويمهّد لحل دائم لاختلالات النظام العقاري في البلاد.