التقارب والتواصل في الترجمة بين العربية والفارسية

      التعليقات على التقارب والتواصل في الترجمة بين العربية والفارسية مغلقة

التقارب والتواصل في الترجمة بين العربية والفارسية

الكاتب: الأستاذ المساعد خالد التميمي
مركز الدراسات الاستراتيجية/ قسم الدراسات القانونية
على صعيد التواصل الثقافي، والأدبي، بين الأمتين العربية، والإيرانية، كان للترجمة، والنقل، دور بارز في تعزيز ذلك التقارب، والتواصل، وتنميتهما. بدأ اهتمام الدولة الإسلامية بأمر الترجمة، في الربع الأخير من القرن الأول الهجري، إذ قام مترجمون إيرانيون، أمثال صالح بن عبد الرحمن السيستاني، تلميذ زادان فرخ رئيس ديوان الخراج بالعراق، بتعريب سجلات الدولة من الفارسية إلى العربية( )، في عام أربعة وثمانين للهجرة. وقد نشطت حركة الترجمة، والتعريب، في العصر العباسي، ولاسيَّما من الفارسية القديمة إلى العربية، أمثال عبد الله بن المقفع، وآل نوبخت، وموسى، ويوسف ابني خالد، وأبي الحسن علي بن زياد، والحسن بن سهل، والبلاذري، وجبلة بن سالم، واسحاق بن يزيد، ومحمد بن الجهم البرمكي، وهشام بن القاسم، وموسى بن عيسى الكردي، وزادويه بن شاهويه الاصفهاني، ومحمد بن بهرام بن مهيار الاصفهاني، وبهرام بن مردان شه، وعمر بن الفرخان( ). ويشير ابن النديم إلى أنَّ ما يقارب المائة كتاب، ورسالة، ترجمت من الفارسية الدرية إلى العربية خلال العصر العباسي الأول، ومنها:
وصية اردشير، ورسالة عمرو بن حمزة، والرسالة الماهانية، وكتاب اليتيمة، وكتاب الأدب الكبير والأدب الصغير، وكتاب كليلة ودمنة لابن المقفع، ورسالة الخميس لأحمد بن يوسف، وقصة رستم واسفنديار لجبلة بن سالم، وحكاية بهرام جور، وقصة شهرزاد واپرويز، وكتاب في سيرة انوشيروان، وكتاب التاج، وكتاب دارا وصنم الذهب، و . . .( )
أمَّا بالنسبة للترجمة من العربية إلى الفارسية، فأول كتاب قد ترجم هو القرآن الكريم، إذ توجد ترجمات قديمة متعددة طبع بعضها، ونشر. وقد ترجم الرودكي الشاعر المعروف في العهد الغزنوي، كتاب كليلة ودمنة من العربية إلى الفارسية نظمًا، كما ترجم أبو المعالي نصر الله منشي خلال القرن السادس الهجري، الكتاب نفسه من العربية إلى الفارسية الحديثة. وقبل ذلك، في أوائل القرن الرابع الهجري (302هـ)، ترجم أبو علي محمد البلعمي الوزير الساماني تاريخ الطبري، وفي الوقت نفسه ترجم تفسير الطبري أيضا إلى الفارسية. وفي العصر الحديث، اهتم العرب والإيرانيون بالترجمة كثيرًا، لاسيَّما بعد إنشاء الجامعات الحديثة، وإنشاء الأقسام العربية، والفارسية، في إيران، والبلاد العربية، فقد ترجم العديد من الكتب العربية، والفارسية، القديمة، والحديثة، منها: ترجمة كتاب گلستان سعدي الشيرازي «جلستان – روضة الورد»، ترجمه لأول مرة الخواجا جبرائيل بن يوسف المخلع سنة 1340 هـ. ق، وطبعت الترجمة بالقاهرة، وترجمة رباعيات عمر الخيام النيشابوري إلى العربية، التي أربَت على الستين ترجمة نظمًا، ونثرًا، وترجم الأستاذ المرحوم صلاح رمضان الصاوي، كتاب مباني معرفة للأستاذ محمدي ري شهري إلى العربية.
لقد ترجمت المعلقات السبع إلى الفارسية، وترجم المرحوم الدكتور ناتل خانلري مخارج الحروف لابن سينا ترجمة مماثلة. وسنستعرض أساليب الترجمة لدى بعض المترجمين العرب، والإيرانيين( ), ونأتي بترجمة المعلقات السبع مثالًا لما ذكر آنفًا.
ترجمة المعلقات نثرًا:
فطن المترجمون الإيرانيون لصعوبة ترجمة الشعر نظمًا، فعمدوا إلى المعلقات فأخذوا يشرحون، ويوضحون، النص العربي في ترجمتهم، وكما يأتي:
1 . قِفَا نَبْكِ مِن ذِكرَى حبيبٍ ومَنزِلِ بِسِقْطِ اللِّوَى بين الدَخول فحَوملِ
2 . فتُوضِحَ فالمِقراةِ لم يَعفُ رَسْمُها لمَا نَسَـــــجَتْهَا من جَنُوبٍ وشَمألِ
ترجمها عبد المحمد آيتي على هذا النحو:
1 . «همسفران من، لحظه اى درنگ كنيد، تا من به ياد يار سفر كرده و سر منزل أو بگريم، وريگستان ميان دخول وحومل توضح ومقراة را از سر شك ديدگانم سيراب سازم».
2 . «هنوز وزش بادهاى جنوب وشمال، آثار خيمه ها، وخاكستر اجقاهايشان را نزدوده است، وگذشت روزگاران، عشق سرشارش را از دل من برون نساخته»( ).
وترجم الأستاذ ترجاني زاده (رحمه الله)، هذين البيتين ترجمة توضيحية، بقوله: همسفران بايستيد: تا به ياد يارى گريه كنم كه منزل أو در ريگزار باريك وكچ، واقع در بين دخول وحومل وتوضح ومقراة بوده، وهنوز ثارش باقى است، زيرا اختلاف جهت وزيدن بادها مانع از محو آن شده.
چون اگر يكى از اين دو باد گرد و غبارى بر آن آثار پاشيده، وپوشاند، باد ديگر آن را با وزش خود جارو زده، وپاك نموده است، ويا مراد اين است كه با آن كه آثار منزل به واسطه تنيدن ووزيدن اين دو باد از بين رفته، ولى آثار عشق يا دلدار همچنان در دل وجان باقى، وپا برجاست»( ).
يبدو أنَّ المترجمَين قد اعتمدا في فهم القصيدة، على شرح الزوزني (المتوفى عام 468ه-ق) للمعلقات، فترجمَا البيت الثاني حسب معنيين ذكرهما الزوزني، في شرحه نقلًا عن أبي بكر الأنباري. وفي الترجمتين تفسير وتوضيح، لاسيَّما في ترجمة الأستاذ ترجاني زاده، فهو يترجم خلاصة المعنى، ويذكر آراء الشرَّاح أيضا، من دون الإشارة إلى الشارح. أمَّا ترجمة الأستاذ محمد آيتي، فهي أيضا توضيحية حسب مقتضى الحال، نحو ما قال في توضيحه لمعنى الرسم: «آثار خيمه ها وخاكستر اجاقهايشان»، ولم يَقُل «آثار باز مانده».
وترجمة آيتي لم تغفل عن الجانب الأدبي، والجمالي، فكانت ترجمة «أدبية مفعمة بجمال الألفاظ، والعبارات الفارسية، فترجمة (قفا نبك) لحظه اى درنگ كنيد، أجمل وألطف من «بايستيد»، مع أنَّ الجملتين كلاهما بمعنى واحد. و«به ياد يار سفر كرده »، أجمل من «به ياد يارى »، كذلك فان «منزل » معطوفة على «حبيب » مثل ما ترجمها الأستاذ آيتي، وليست استئنافية كما جاء في ترجمة ترجاني زاده، فالصحيح هو «سر منزل»، وليس «كه منزل».
الترجمة من أنجع السبل التي سلكتها الأمم، لتبادل المعارف، والثقافات، وقد حرصت الأمة العربية، منذ أن قامت دولتها، على نقل علوم من جاورها أو خالطها من الأمم، وآدابهم، كالفرس، والسريان، والروم، والهنود. وقد قامت بتعريب كثير من الألفاظ، والمصطلحات الأعجمية، فأدخلتها في لغتها، واشتقت منها ألفاظاً ذات مدلولات مختلفة، مما يجعلها من أغنى لغات العالم بالألفاظ، والمعاني.
ولا يخفى أنَّ الترجمة أحد الفنون الراقية، لها قواعد، وضوابط خاصة، ووسائل محددة مثل سائر الفنون الأخرى، كما أنَّ للقائمين بعملية الترجمة، شروطًا، ومؤهلات، ومهارات معينة. وأنَّ الترجمة وسيلة نقل ثقافات، وحضارات، أمم العالم، وعاداتها، وتقاليدها، من لغة إلى أخرى، كما أنَّها وسيلة إقامة التعامل، والتعاون، التجاري، والصناعي، والعسكري، والدبلوماسي، بين دولتين أو أكثر، وكذلك أنَّها وسيلة لإثراء اللغة، وتطويرها، كما أنَّها وسيلة إيصال مفاهيم الخطب، والندوات، والمؤتمرات، والمحاضرات، والنصوص، إلى أذهان المستمعين.

الهوامش

– ابن النديم, الفهرست, مصر,1351 هـ. ق. ص232.
– المصدر السابق, ص224.
– المصدر السابق, ص14.
– محمود شكيب انصاري, مجلة اللغة العربية وعلوم القرآن, مقالة الترجمة بين العربية والفارسية قبل وبعد الإسلام، العدد1و2، السنة الاولى، 1421 ه. ق، أهواز ص122.
– ايتى عبد المحمد, ترجمه معلقات سبع, انتشارات اشرفى, تهران, سال 1345 هـ. ش, ص2.
– ترجانى زاده, ترجمة معلقات سبع, مؤسسه شفق تبريز, 1348 هـ. ش، ص3.
المصادر
1-ابن النديم, الفهرست, مصر,1351 هـ. ق.
2-ايتى عبد المحمد, ترجمة معلقات سبع, انتشارات اشرفى, تهران, سال 1345 هـ. ش.
3-ترجانى زاده, ترجمة معلقات سبع, مؤسسه شفق تبريز, 1348 هـ. ش.
4-محمود شكيب انصاري, مجلة اللغة العربية وعلوم القرآن, مقالة الترجمة بين العربية والفارسية قبل وبعد الإسلام، العدد 1و2، السنة الأولى، 1421 ه. ق.