
م. د حيدر مهدي حداوي
باحث في قسم الدراسات القانونية
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
ابتداءً، عمل مشرعنا العراقي بدوره، على تحديد الآثار المالية الواقعة، على جهة الإدارة، أو الموظف العام، في حالتين لا ثالث لهما، وكما يأتي تباعًا:
الحالة الأولى: بناءً على خطأ في البيانات الرسمية، إذ يتم كتابتها من قبل جهة الإدارة، مع عدم صحتها، غش وتدليس فيها، وإدراجها ضمن القوائم المرسلة إلى الجهات العليا، وهي لم تبذل في عملها عناية الرجل المعتاد، المطلوب منها القيام بذلك على أقل تقدير.
الحالة الثانية: سكوت الموظف العام المستفيد صاحب المصلحة الشخصية على الخطأ، بذريعة أنَّ جهة الإدارة هي من قامت بذلك، على الرغم من علمه القاطع بذلك، متناسيًا لقاعدة قانونية، والمتمثلة في (الجهل بالقانون ليس بعذر)، بناءً عليه نصَّت المادة (٢٧/اولا) من الدستور العراقي لسنة (2005)، على أنَّ (للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن). ومن أجل حماية أموال الدولة الخاصة (أموال الجامعة لأنَّها مخصصة لها وفق الموازنة الوزارية)، فقد أصدر مجلس قيادة الثورة (المنحل)، القرار (٢٥٥) لسنة (١٩٨٠) النافذ لحد الآن، بدلالة المادة (130) من الدستور العراقي لسنة (2005)، ما نصّه (تبقى التشريعات النافذة معمولًا بها، ما لم تلغَ أو تعدل، وفقًا لأحكام هذا الدستور). عليه نصت المادة الأولى من القرار المشار إليه آنفًا، على أن (تسترد مضاعفة من منتسبي الدولة، والقطاع العام، المخصصات المستوفاة من قبلهم بدون وجه حق، أو خلافًا للقوانين، والأنظمة، والتعليمات المرعية، مع علمهم بذلك)، وقضى بالفقرة (٢) منه، بأن (يلزم الموظف المسؤول عن التثبت من استحقاق المخصصات المصروفة، بدفع (٥٠%) من المبلغ المدفوع دون وجه حق، أو خلافًا للقوانين، والأنظمة، والتعليمات المرعية). بناءً عليه، فإنَّ القرار المشار إليه آنفًا، قد انطوى على أمرين لصرف المخصصات، خلافًا لأحكام القانون، وهما:
الأمر الأول: حالة صرف المخصصات بناءً على غش، وتدليس، من قبل الموظف العام مع علمه بذلك، ففي هذه الحالة (تسترجع منه المخصصات المصروفة مضاعفة)، ولا مانع من تطبيق قانون التضمين لسنة (٢٠١٥)، بموجب نص المادة الأولى منه، وعلى اعتبار أنَّ صرفها ألحق أضرارًا بخزانة الدولة، ولا يمكن القول إنَّ المخصصات المدفوعة، تصبح حقًا مكتسبًا للموظف المشمول بمنحها خلافًا للقانون، إذا انتهت مدة الطعن القضائي لـ (30) يومًا، لأنَّ الحقوق للموظف تكتسب، عن طريق التطبيق الصحيح لأحكام القانون، لا من عمل باطل، والقاعدة العامة تقضي بأنَّه (لا يجوز للشخص أن يستفيد من باطل صدر عنه).
الأمر الثاني: إذا لم يكن للموظف دور في صرف المخصصات، بل إنَّ صرفها كان نتيجة اجتهاد خاطئ من جانب الإدارة، ومن ثَمَّ فهو لا يعلم بأنَّها مخالفة للقانون، فإنَّها (تسترجع كاملة دون مضاعفة)، حتى لا يثرى الموظف العام على حساب الدولة دون وجه حق. واستنادًا إلى الفقرة (٢) من القرار المشار إليه آنفًا، فإنَّ (الموظف المسؤول عن التثبت من استحقاق المخصصات المصروفة، أي الآمر بالصرف، يتحمل دفع (٥٠%) من المخصصات المصروفة دون وجه حق)، ليس هذا وكفى بل يمكن تحريك مسؤوليته الانضباطية، على اعتبار أنَّه لم يحسن التطبيق السليم للقانون، ولم يتوخَ الدقة، والحذر، في البحث عنها.