وراء كل خطأ “حظ”

      التعليقات على وراء كل خطأ “حظ” مغلقة

م.م محمود قحطان مبدر
علم النـــفس التـــــربوي

لا ينبغي لنا أن نغفل عند إصدار أحكامنا الأخلاقية على الآخرين عما يسمى بـ”الحظ الأخلاقي” (Moral luck)، وهو مفهوم فلسفي صاغه الفيلسوف الإنجليزي “برنارد ويليامز” (Bernard Williams) يقصد به الظروف التي تؤثر في قراراتنا وأفعالنا، والتي قد تجعل مسؤوليتنا عن النتائج جزئية فقط أما توماس ناجل، فقد قسم الحظ الأخلاقي إلى نوعين: الحظ التأسيسي (مثل الظروف التي وُلدنا فيها، بما في ذلك سمات الشخصية والقدرات العقلية وغيرها من التأثيرات الجينية)، و(الحظ المرتبط بنتائج الموقف). و تكمن صعوبة مفهوم الحظ الأخلاقي في أنه يثير تساؤلات حول مدى عدالة الحكم على الأشخاص بناءً على نتائج أفعالهم، خاصة عندما تكون تلك النتائج متأثرة بعوامل عديدة. بمعنى آخر، هل يمكن لومنا أو مدحنا على أمر ما حدث، حتى لو لم نكن نتحكم فيه بشكل كامل؟ على سبيل المثال، تخيل شخصًا قرر مساعدة آخر، ولكن بطريقة ما أدى هذا العمل إلى نتيجة عكسية وغير متوقعة. هل يجب لوم هذا الشخص على النتيجة السلبية، رغم نيته الحسنة؟! يفترض أن تكون الإجابة المطلقة لا؛ مع عدم تحميل الأشخاص أي مسؤولية غير مستحقة أو فعل غير مقصود؛ إلا أننا في كثير من الأحيان للأسف، نندفع لتحميل الآخرين مسؤولية أخلاقية عن أفعال تقع خارج إرادتهم وسيطرتهم، بل لا يمكنهم حتى التحكم فيها، مستندين في ذلك إلى نتائج الحدث.
هذا بالإضافة لدور العشوائية: فنحنُ نميل إلى إدانة ومحاكمة المخالفات الأخلاقية التي تقع أمامنا، ونعدها حدثًا فريدًا لا مثيل له، ونتعامل مع مرتكب الفعل بقسوة وازدراء. ونتناسى أن أفعالًا مماثلة قد وقعت من قبل آخرين، ولكننا لم نرها! فالمرتكبون لنفس الفعل في حالات أخرى نجاهم الحظ وحده، وبراعتهم في التملص ربما. وفي هذا السياق، أدعو إلى اللين والإصلاح لا المغفرة المطلقة. فمن لا يرتكب أخطاءً، لا يعمل. ” تخيل شابًا يقود سيارته بسرعة 80 كم/ساعة على طريق خارجي، وفوجئ بامرأة تسير في منتصف الطريق، فاصطدمت بسيارته وتوفيت على الفور. بينما شاب آخر يسير معه على نفس الطريق وبالسرعة نفسها، لكن المرأة لم تمر أمامه بشكل مفاجئ. وآخرون ساروا على ذات الطريق وبالسرعة والانتباه نفسهما، لكنهم لم يتعرضوا لحادث لأن امرأة لم تعبر أمامهم”. وهناك أمثلة أخرى كثيرة في الحياة الاجتماعية والأديان والأمراض والعمل وفيسبوك وغيرها في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أرى أن الكثير من الناس يندفعون لتحميل الآخرين مسؤولية أي شيء للأسف. وهذا الأمر يستدعي منا التأني عند إصدار أي حكم أخلاقي، من المهم جداً عدم إفلات أي مرتكب لفعل غير أخلاقي من المساءلة الأخلاقية، ولكن نظرًا لأن هذه المساءلة تحدث في كثير من الأحيان متأثرة بالحظ المشار إليه، فإننا يجب أن نراعي ذلك عند إصدار أحكامنا الأخلاقية جميعها. أي يجب أن نتسم باللين والعدل والتروي؛ على الأقل، بما يحفظ احترام الإنسان ويصون كرامته.