الأبعاد السياسية والدينية لتمردي أرغيل ومونماوث 1685: دراسة في الأسباب والسياقات

      التعليقات على الأبعاد السياسية والدينية لتمردي أرغيل ومونماوث 1685: دراسة في الأسباب والسياقات مغلقة

م.م عبد المحسن عبد الأمير العكله
قسم الدراسات القانونية
في منعطف حرج من القرن السابع عشر، وبين ظلال السياسة المتقلبة، والتوترات الدينية المتصاعدة، بزغت شرارة تمرد أرغيل، لا بوصفها حركة معزولة، بل تمهيدًا ناريًا لثورة أكبر، قادها دوق مونماوث في إنجلترا عام 1685. كانت إرهاصات هذا التمرد تضرب جذورها في عام 1681، حين وُضع أرشيبالد كامبل، الإيرل التاسع لأرغيل، في مواجهة مباشرة مع الدولة، إذ رفض أداء قسم الولاء المنصوص عليه في “قانون الاختبار”، والذي كان يشترط على جميع شاغلي المناصب في اسكتلندا، الخضوع التام للكنيسة الرسمية.
وإن بدا أنَّ الملك تشارلز الثاني كان يميل إلى التساهل، والعفو، إلا أنَّ الأرغيل، وقد عضّ الخوف قلبه، آثر الفرار من بلاده، ليستقر به المقام أولاً في لندن، حيث نسج خيوط التآمر مع جماعة من المتشددين السياسيين بقيادة اللورد شافتسبري. ولم يمضِ وقت طويل حتى وجد الأرغيل نفسه في هولندا، بين صفوف المنفيين السياسيين من الإنجليز، والاسكتلنديين، يسعى إلى جمع العتاد، والمال، لإشعال نار الثورة في أرضه، آملاً أن يعيد لنفسه أرضه، ومكانته، وربما مجدًا مسلوبًا.
استطاع أن يجمع ما يقارب عشرة آلاف جنيه إسترليني، بدعم خاص من السيدة آن سميث، وهي متعاطفة إنجليزية ثرية، آمنت بقضيته، وربما بحلمه. لكن الأحداث تسارعت مع وفاة الملك تشارلز في ربيع عام 1685، وتولي شقيقه جيمس الثاني العرش، ليبدأ جيمس سكوت، دوق مونماوث، تمرده المفتوح على العرش. وفي حين تردد أرغيل بادئ الأمر عن الانخراط في ثورة مونماوث، راغبًا في انتفاضة منفصلة باسكتلندا، ورضخ في نهاية المطاف بعد أن تلقى وعدًا من مونماوث، بعدم إعلان نفسه ملكاً إلا بإرادة برلمانية حرة.
تقاطعت الطرق إذاً، واتفقت الخطة على ضربتين متعاقبتين: أرغيل في اسكتلندا، يعكر صفو الملك، ويستنزف قواه؛ ثم مونماوث في إنجلترا، بضربة أقوى. لكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفن الثوار، إذ تأخر مونماوث عن موعده، مانحًا الملك جيمس وقتًا كافيًا لسحق التمرد الاسكتلندي قبل أن يشتد عوده.
انطلق أرغيل من منفاه في الثاني من مايو 1685، على رأس أسطول صغير من ثلاث سفن، وقرابة (300) رجل، وأبحر ملتفًا عبر جزر أوركني، حتى رسا في دانستافناج في الثالث عشر من الشهر ذاته، ومن هناك، بدأ زحفه جنوبًا عبر شبه جزيرة كينتاير، وصولاً إلى كامبلتاون في العشرين من مايو. ثُمَّ توالت تحركاته بين جزيرة بوت، وقلعة إيلانغريغ في جزيرة إيلين ديرغ، حيث اتخذ منها قاعدة متقدمة.
وعلى الرغم من التضاريس الصعبة، تابع الأرغيل تقدمه بشجاعة عبر غلينداوريل، عابرًا بحيرة ستريفن في ليلة الخامس عشر من يونيو، ومنها إلى ضفاف بحيرة لونغ، متجهًا نحو غلاسكو عبر محطات غارلوخ، وبحيرة لوموند. إلا أنَّ القدر كان أسرع من أقدامهم، فاندلعت مناوشة صغيرة على ضفاف نهر كلايد، في الثامن عشر من يونيو، أُسِر على إثرها أرغيل، وأُسدل الستار على تمرده، بعد اثني عشر يومًا، بإعدامه.
لقد رثى المؤرخون هذه المحاولة بوصفها تمردًا شجاعًا، لكنه وُلد محفوفًا بالعثرات، فمنذ لحظاته الأولى، عانى من ضعف التخطيط، وضبابية الرؤية، وتراجع الحماس، ناهيك عن العجز المالي، وقلّة الرجال. وهكذا، انتهت مغامرة أرغيل التي أريد لها أن تكون الشرارة، فإذا بها لا تتجاوز جمرة وُئدت قبل أن تشتعل.