تحليل موقع العراق في مؤشر جودة النخبة العالمي 2025

      التعليقات على تحليل موقع العراق في مؤشر جودة النخبة العالمي 2025 مغلقة

م. م واثق علي جابر
قسم الدراسات السياسية
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء

يشهد العالم تحولات متسارعة تتطلب فهمًا أعمق للديناميكيات التي تحكم تطور الدول، وقدرتها على تحقيق تنمية مستدامة، وشامل. في هذا السياق، يبرز دور النخب السياسية، والاقتصادية، كفاعل رئيس في تشكيل مسارات التنمية، إذ تؤثر نماذج أعمالها، وقراراتها، بشكل مباشر، في قدرة الدولة على خلق قيمة مضافة للمجتمع، أو استخلاصها لصالح فئات محدودة.
يقدم مؤشر جودة النخبة العالمي (Elite Quality Index – EQx)، الذي يصدر سنويًا بقيادة أكاديمية من جامعة سانت غالن السويسرية، وبالتعاون مع مؤسسة خلق القيمة (Foundation for Value Creation)، إطارًا تحليليًا فريدًا لقياس “جودة النخب”، وتقييمها في (151) دولة حول العالم، مع التركيز في قدرة نماذج أعمال النخبة السائدة، على تحقيق “خلق القيمة المستدامة للأمم” (The Sustainable
Value Creation of Nations ).
يهدف هذا المقال العلمي إلى تحليل موقع العراق، ضمن الإصدار السادس لهذا المؤشر لعام 2025 (EQx2025)، مستعرضًا ترتيبه العالمي، ودرجاته، في المؤشرات الرئيسة، والفرعية، ومقارنة أدائه بالسياقين العالمي، والإقليمي. سنسعى عن طريق هذا التحليل، إلى فهم أعمق للتحديات، والفرص، التي يواجهها العراق من منظور جودة النخبة، وتأثيرها في آفاق التنمية الاقتصادية، والبشرية، طويلة الأمد، وفقًا لمنهجية التقرير المذكور، وبياناته.

منهجية مؤشر جودة النخبة (EQx)
يعتمد مؤشر جودة النخبة (EQx2025) على إطار تحليلي شامل، ومفصل، يقيس أداء (151) دولة، استنادًا إلى (149) مؤشرًا كميًا ونوعيًا. يتم تجميع هذه المؤشرات ضمن هيكلية من أربعة مستويات، تشمل: المؤشر الإجمالي (EQx Index)، ومؤشرين فرعيين رئيسين (القوة Power)، والقيمة (Value)، وأربعة مجالات للمؤشر(Index Areas)، واثنتي عشرة ركيزة (Pillars)، وأخيرًا المؤشرات الفردية الـ (149).
يُعرّف التقرير النخب، بأنَّها: نماذج الأعمال النخبوية (Elite business models)، أي تلك النماذج التي تولد أعلى الدخول في اقتصاد سياسي معين، وتشمل الشركات الكبرى، والبنوك، وحتى النقابات العمالية أو كبار الموظفين الحكوميين. ينطلق المؤشر من فرضية أنَّ سلوك هذه النخب، وقراراتها، يشكّل “الأساس الجزئي للتغيير المؤسسي ” (Microfoundation of institutional change)، والذي يمكن أن يوجه المؤسسات نحو مسارات شاملة، ومنتجة، أو استخلاصية، وريعية. يتم تصنيف كل مؤشر من المؤشرات الـ (149)، على طيف يتراوح بين “خلق القيمة (Value Creation)، و”استخلاص القيمة (Value Extraction ).
على سبيل المثال، يعدُّ التضخم المرتفع أو الحمائية التجارية، مؤشرات على استخلاص القيمة، في حين يعدُّ تحرير التجارة أو الابتكار في مجالات، مثل الذكاء الاصطناعي، مؤشرات على خلق القيمة. يتم بعد ذلك تطبيع درجات المؤشرات، وترجيحها، وتجميعها، للوصول إلى الدرجة النهائية لكل دولة، في المؤشر الإجمالي، والمؤشرات الفرعية. يقسم المؤشر الدول على فئات بناءً على أدائها، مثل: “نخب ذات جودة عالية جداً ” (Very High Quality Elites)، و”نخب ذات جودة عالية ” (High Quality Elites)، و”نخب ذات جودة متوسطة (Middle Quality Elites)، وصولاً إلى “نخب متأخرة” (Lagging Elites)، مما يوفر رؤية مقارنة لقدرة الدول على خلق القيمة المستدامة.

نتائج وتحليل موقع العراق في EQx2025
يكشف تقرير جودة النخبة لعام2025 ، عن صورة مقلقة لوضع العراق، إذ يظهر أداءً ضعيفًا للغاية، مقارنةً ببقية دول العالم، ودول المنطقة.
الترتيب والدرجة الإجمالية
حلَّ العراق في المرتبة (146) من أصل (151) دولة شملها المؤشر، متقدمًا بثلاثة مراكز فقط عن ترتيبه في العام السابق. وعلى الرغم من هذا التقدم الطفيف، إلا أنَّ الموقع المتأخر جداً يضعه ضمن فئة “النخب المتأخرة ” (Lagging Elites)، وهي الفئة الأدنى في تصنيف المؤشر. بلغت الدرجة الإجمالية للعراق (33.7) نقطة، وهي درجة منخفضة جداً مقارنة بالدول الرائدة، مثل سنغافورة (المرتبة 1، 65.6 نقطة (، والولايات المتحدة (المرتبة 2، 64.1 نقطة (، وسويسرا) المرتبة 3، 63.2 نقطة(.

المؤشرات الفرعية) القوة والقيمة)
لم يكن أداء العراق أفضل حالاً في المؤشرين الفرعيين الرئيسين، ففي مؤشر القوة (Power Sub-Index)، الذي يقيس مدى تركز القوة السياسية، والاقتصادية، وقدرة النخب على التأثير في القواعد والمؤسسات، حلَّ العراق أيضاً في المرتبة (146) بدرجة (32.9.)، وفي مؤشر القيمة (Value Sub-Index)، الذي يقيس مدى مساهمة نماذج أعمال النخبة، في خلق قيمة حقيقية، ومستدامة، للمجتمع، جاء ترتيب العراق (146) كذلك بدرجة ( 34.1.)، يشير هذا الترتيب المتدني، والمتطابق تقريبًا في كلا المؤشرين الفرعيين، إلى وجود اختلالات هيكلية عميقة، ومتجذرة. فضعف مؤشر القوة قد يعكس عدم استقرار في توزيع السلطة، أو تنازعًا بين مراكز قوى متعددة بطرق غير منتجة، في حين يشير ضعف مؤشر القيمة بوضوح، إلى هيمنة نماذج الأعمال الاستخلاصية، والريعية، التي تعتمد على تحويل الثروة بدلاً من إنتاجها، مما يعيق التنمية الاقتصادية، والبشرية، طويلة الأمد.

السياق العالمي والإقليمي
يضع الترتيب (146) العراق في ذيل القائمة العالمية، متقدمًا فقط على دول، مثل: سوريا، واليمن، والسودان، وهايتي، وأفغانستان. هذا الموقع يعكس حجم التحديات الهيكلية التي يواجهها البلد، في بناء اقتصاد سياسي قادر على توليد قيمة مستدامة. أمَّا على الصعيد الإقليمي (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، فيبدو التباين صارخاً. فبينما تحتل دول خليجية مثل قطر(6)، والإمارات (20)، والبحرين (25) مراتب متقدمة عالميًا، تأتي دول أخرى، مثل: عُمان (41)، والسعودية (57)، والكويت (63)، في مواقع متوسطة إلى جيدة، يجد العراق نفسه في مرتبة متأخرة جداً، ليس فقط مقارنة بدول الخليج، بل أيضاً مقارنة بدول مثل المغرب (87)، والأردن (101)، ومصر (102)، والجزائر (123)، وتونس (129)، وإيران (130)، وحتى لبنان(135)، وليبيا (138)، اللتين تعانيان من أزمات حادة. هذا الأداء المتدني إقليميًا، يؤكد أنَّ التحديات التي يواجهها العراق، تتجاوز الظروف الإقليمية العامة، وتشير إلى عوامل داخلية بنيوية، تعيق تقدمه وفقًا لمعايير هذا المؤشر.
فجوة البيانات
يلاحظ التقرير أيضاً وجود فجوة كبيرة في البيانات المتاحة للعراق، إذ تمكن المؤشر من الحصول على بيانات لـ (91) مؤشراً فقط، من أصل (149) مؤشرًا مستخدمًا في التحليل. وعلى الرغم من أنَّ هذا قد يؤثر في دقة التقييم النهائي، إلا أنَّ غياب البيانات بحد ذاته، يعدُّ مؤشرًا سلبيًا يعكس ضعف الشفافية، وصعوبة الوصول إلى معلومات موثوقة، حول الأداء الاقتصادي، والمؤسسي، والاجتماعي، في البلاد.

مناقشة وخاتمة
يقدم مؤشر جودة النخبة العالمي2025، تقييمًا مقلقًا لوضع العراق، إذ يصنفه ضمن فئة “النخب المتأخرة” في المرتبة (146) عالميًا. وتشير الدرجات المتدنية في المؤشر الإجمالي، والمؤشرين الفرعيين للقوة والقيمة، إلى هيمنة نماذج أعمال استخلاصيه، وغير منتجة، وضعف في قدرة النخب السياسية، والاقتصادية، على توجيه موارد البلاد نحو خلق قيمة مستدامة، تعود بالنفع على المجتمع ككل.
إنَّ الترتيب المتأخر جداً للعراق، حتى عند مقارنته بدول المنطقة، التي تواجه تحديات مشابهة أو مختلفة، يسلط الضوء على عمق الأزمة الهيكلية، التي يعاني منها الاقتصاد السياسي العراقي. فالصراعات المستمرة، وعدم الاستقرار السياسي، والفساد المستشري، والاعتماد المفرط على الاقتصاد الريعي القائم على النفط، وضعف المؤسسات، كلها عوامل تسهم بلا شك في تكريس نماذج النخبة الاستخلاصية، التي يقيسها، ويرصدها هذا المؤشر. وعلى الرغم من التحسن الطفيف في الترتيب مقارنة بالعام الماضي، إلا أنَّ الصورة العامة التي يرسمها التقرير تظل قاتمة، وتستدعي تحركًا جادًا لمعالجة الاختلالات البنيوية. إنَّ بناء مستقبل مزدهر، ومستدام، للعراق، يتطلب تحولاً جذريًا في نماذج أعمال النخبة، وتعزيز المؤسسات الشاملة، وتشجيع البيئة الداعمة لخلق القيمة الحقيقية بدلاً من استخلاصها. ويبقى مؤشر جودة النخبة أداة تحليلية قيمة، على الرغم من محدودية بيانات العراق، لفهم طبيعة التحديات، ورصد أي تقدم محتمل في المستقبل.