التصعيد الإقليمي بين إسرائيل وإيران وأبعاد موقف الحكومة العراقية القانونية والسياسية

      التعليقات على التصعيد الإقليمي بين إسرائيل وإيران وأبعاد موقف الحكومة العراقية القانونية والسياسية مغلقة

م .د. مبين ماجد جابر

قسم الدراسات القانونية

مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء

يشهد الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة، تصعيدًا عسكريًا خطيرًا بين إسرائيل، وإيران، وقد بلغ مستوى غير مسبوق من المواجهة المباشرة، بعد سنوات من الحروب بالوكالة، والتوترات المستترة. هذا التصعيد الذي بدأ في (13) حزيران (2025), من ضربات إسرائيلية واسعة النطاق، استهدفت مواقع عسكرية ونووية داخل إيران، أثار ردود فعل إقليمية، ودولية، كان أبرزها موقف العراق الرسمي، الذي عبّر عنه السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ووزير الخارجية فؤاد حسين. هذا الموقف العراقي المتقدم يُشكّل محورًا مهمًا لتحليل سياسي، وقانوني، نظراً لما يحمله من أبعاد سيادية, وإقليمية، ودولية.

أولاً- الموقف العراقي من العدوان الإسرائيلي– بين السيادة والتضامن الإقليمي:

أكّد رئيس الوزراء العراقي تضامن بلاده الكامل مع إيران، ورفضه القاطع لـ “العدوان الصهيوني”، الذي يهدد الأمن، والسلم، الإقليميين، والدوليين, ويعرّض استقرار العراق ذاته للخطر. هذا التصريح لم يكن موقفًا عابرًا أو عاطفيًا, بل جاء في سياق استراتيجية عراقية واضحة، تسعى إلى التموضع كطرف إقليمي فاعل، ومتوازن. فالعراق اليوم, بعد سنوات من الحرب، والاحتلال، والصراعات الداخلية, يسعى إلى القيام بدور الوسيط الإقليمي لا ساحة لتصفية الحسابات.

يرى العراق أنَّ الهجوم الإسرائيلي, الذي طال دولًا ذات سيادة، ومنشآت غير معلنة، كأهداف عسكرية مشروعة, يمثل خرقًا واضحًا لمبادئ القانون الدولي, لاسيَّما تلك المتعلقة بعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية, كما ورد في المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة. ويأتي ذلك بالتوازي مع رفض العراق لأي انتهاك لسيادته, والذي تمثل بحسب المسؤولين العراقيين، بتكرار الخروقات الجوية الإسرائيلية للمجال الجوي العراقي, وهو ما استوجب تقديم شكاوى رسمية للهيئات الدولية.

ثانيًا- التحليل القانوني: انتهاك صريح للقانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة

الضربات العسكرية التي شنَّتها إسرائيل على إيران, وإن تمت تحت ذريعة “منع تطوير أسلحة نووية”, فإنَّها تشكّل خرقًا لقاعدة أساسية في القانون الدولي العام, وهي حظر استخدام القوة أو التهديد بها، ضد سلامة أراضي الدول، أو استقلالها السياسي, إلا في حالات محددة، كالدفاع الشرعي عن النفس (المادة 51 من الميثاق)، أو بتفويض من مجلس الأمن الدولي.

وبالنظر إلى الهجمات التي طالت إيران, فإنَّ غياب قرار من مجلس الأمن، يجعل هذه العمليات مخالفة للقانون الدولي, ولا يمكن تسويغها ضمن إطار “الدفاع الاستباقي”، الذي لا يزال محلاً للجدل في الفقه والقضاء الدوليين, لاسيَّما أنَّ إيران تنفي وجود برنامج نووي عسكري نشط. ولم تُعلن أي جهة دولية رسميًا، أنَّ إيران خرقت التزاماتها الدولية في هذا الصدد مؤخرًا.

كما أنَّ الضربات الإسرائيلية, وإن وقعت خارج الأراضي العراقية, فإنَّ العراق يرى أنَّها تهدد أمنه القومي، وتُعرّضه لتوسيع رقعة النزاع, وهو ما يمنحه – من زاوية القانون الدولي – حق الدفاع الدبلوماسي عن أمنه، وسلامته, ورفض أي محاولة لتحويله إلى ميدان لصراعات إقليمية، أو دولية.

ثالثًا- السياسة العراقية في ظل التوازنات الدولية– محاولة للتموضع لا الانحياز:

يتضح من تصريحات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ووزير الخارجية فؤاد حسين، أنَّ السياسة العراقية لا تسير في اتجاه الانحياز الكامل لأي محور, بل تتبع نهج الحياد الإيجابي، مع مراعاة أولويات الأمن القومي. فالعراق, وإن أعلن تضامنه مع إيران كدولة ذات سيادة, فإنَّه في الوقت ذاته أكَّد على أهمية التهدئة، والدفع نحو العودة إلى المفاوضات, مشيرًا إلى “فشل المجتمع الدولي” في إيقاف التصعيد, ومطالبًا الولايات المتحدة، وأوروبا، بأداء أدوارهما السياسية في وقف الأعمال العدائية.

من جهة أخرى, أظهر العراق وعيًا اقتصاديًا متقدمًا، حين أشار وزير خارجيته إلى أنَّ استمرار الحرب، قد يفضي إلى أزمة اقتصادية عالمية, لاسيَّما إذا تأثرت منطقة مضيق هرمز, وهي شريان استراتيجي للطاقة العالمية. وهذا التحذير يعكس رؤية سياسية، تدرك أنَّ الحرب لا تخدم سوى أجندات الهيمنة، وتعديل خرائط النفوذ في الشرق الأوسط, في حين أنَّ شعوب المنطقة هي التي ستدفع الثمن الباهظ.

رابعًا- الآثار المستقبلية للصراع – هل يقف العراق على الحياد المسلح؟

تشير تطورات المشهد، إلى أنَّ العراق يحاول أن يكون “محايدًا مسلحًا” – أي غير منخرط عسكريًا, لكنَّه حاضر سياسيًا، ودبلوماسيًا. غير أنَّ استمرار انتهاك مجاله الجوي, أو استهداف أراضيه, قد يدفعه إلى مواقف أكثر حزمًا. فقد أكَّد السوداني أنَّ العراق قدم شكاوى رسمية إلى الهيئات الأممية, محذرًا من أنَّ أي تصعيد إضافي، من شأنه أن يهدد استقرار العراق الداخلي.

إنَّ سياسة العراق, إذ تجمع بين التضامن الإقليمي، والرفض القاطع لتجاوز السيادة, تسير على خيط دقيق بين الانتماء الجغرافي، والسيادة السياسية. وهذا التوازن إن استمر, قد يؤهل العراق للقيام بدور أكثر فعالية كوسيط إقليمي, لاسيَّما في ظل ترحيب بعض القوى الدولية، كالمملكة المتحدة باستقرار العراق، وحياده.

خامسًا- الخلاصة – بين القانون والسياسة: الحاجة لآلية جماعية لضبط النزاعات

إنَّ تحليل الموقف العراقي في ظل تصاعد التوتر بين إسرائيل، وإيران، يبين أهمية إيجاد آلية جماعية إقليمية، لضبط النزاعات، وتحييد الدول التي خرجت حديثًا من أزمات داخلية، عن ساحات الصراع الكبرى. كما يكشف عن قصور النظام الدولي الحالي، في منع التصعيد أو حتى ردعه, ما يستدعي التفكير في بدائل قانونية، وسياسية، تحترم سيادة الدول، وتمنع عسكرة العلاقات الدولية تحت ذرائع أمنية.

ولا شكَّ أنَّ اعتماد الحلول السياسية، والدبلوماسية، بات أمرًا ملحًّا, لاسيَّما مع تصاعد مؤشرات التدخلات العسكرية، وازدياد احتمالات امتداد الصراع إلى مناطق حيوية، كالعراق، وسوريا، والخليج العربي. وهنا، يمكن للعراق, عن طريق موقفه القانوني، والسياسي المتوازن, أن يتحول من مجرد ساحة توتر محتملة، إلى ركيزة استقرار إقليمي.

ختامًا، إنَّ دعم العراق لحل النزاع عبر المفاوضات, ورفضه للعدوان العسكري, وتأكيده على احترام سيادة الدول, يشكّل موقفًا جديرًا بالتحليل، والاحتذاء, في وقت أصبح فيه خرق القانون الدولي، ممارسة شبه يومية في السياسة الدولية.