الأبعاد الدلالية لعلامات الترقيم

      التعليقات على الأبعاد الدلالية لعلامات الترقيم مغلقة

أ. م. د. بلسم عباس حمودي
جامعة كربلاء/ مركز الدراسات الاستراتيجية
حزيران/ 2025
تُعرَّف علامات الترقيم في الكتابة العربية، بأنَّها: رموز اصطلاحية غير منطوقة، توضع أثناء عملية الكتابة، مثل: النقطة، والفاصلة، وعلامتي التعجب، والاستفهام، وغيرها، بهدف تعيين مواطن الوقف، والفصل، والابتداء، وبيان الأغراض الكلامية، وأشكال النبرات الصوتية خلال القراءة، وتوضيح المقاصد، لتيسير عملية الإفهام من جانب الكاتب أثناء كتابته، وعملية الفهم على القارئ أثناء القراءة.
وتعدُّ هذه العلامات عناصر أساسية، ومهمة، في اللغة، إذ تسهم اسهامًا كبيرًا في تنظيم الأفكار، والجمل، مما يجعل النص أكثر وضوحًا، وسهولة، في القراءة. فعلى الرغم من أنَّ الكلمات نفسها هي التي تحمل المعاني، إلا أنَّ طريقة تفاعل هذه الكلمات مع علامات الترقيم، قد تغيّر كليًا الرسالة التي يرغب كاتب النص في ايصالها. لذا فإنَّ لعلامات الترقيم أهمية كبيرة، وبالغة، توازي أهمية الإملاء، فكما أنَّ تغيّر حركة الهمزة مثلًا يغير معنى الكلمة، فعندما نقول: أخذ، فهو فعل ماضٍ، أمَّا إذا قلنا: أُخذ، فيكون فعلًا ماضيًا مبنيًا للمجهول، وبين المعنيين اختلاف كبير. أيضا استخدام علامات الترقيم يغيّر في معنى الجملة، ويضبط الفكرة المراد ايصالها للمتلقي. فنحن نقول: (الساعة الآن الواحدة بعد الظهر.)، مع وضع النقطة في نهاية الجملة، لتبين أنَّها جملة خبرية الغاية منها إخبار شخص آخر، أمَّا حين نضع مثلًا علامة استفهام في نهاية الجملة بدلًا من النقطة، فإنَّنا بذلك نكون قد حولناها إلى سؤال يحتاج إلى إجابة من الشخص الآخر، فتصبح: (الساعة الآن الواحدة بعد الظهر؟). فيبدو واضحًا أنَّ الجملة الواحدة يمكن أن يختلف معناها باختلاف علامات الترقيم المستخدمة فيها، لذا من الضروري الانتباه إليها في الكتابة، لضمان ايصال الفكرة بشكل دقيق، وواضح.
إنَّ وجود علامات الترقيم في النص ولاسيَّما في البحث العلمي، لها فوائد كبيرة لإظهار جودة البحث، بشرط معرفة الاستخدام الأمثل لكل منها. فهي تعمل على توضيح المعاني، وتنظيم الحوار والكلام، وتسهِّل الاستيعاب على القارئ، وتفسر المقصود من وراء الجمل، كما تعمل على إزالة اللبس أو إزالة سوء الفهم، واختلاف المعنى، في ذهن القارئ، مع منع التداخل، والاختلاط، بين الكلمات، والجمل. ومن أهداف استخدامها أيضًا، أنَّها تشير إلى انتهاء معنى ما، أو الفصل بين أجزاء الكلام، أو توضيح معنى مبهم، ومهم، أو تبيان العلاقات بين الجمل الواردة في النص، أو ايصال شعور الكاتب من تعجب أو حزن أو فرح أو غضب. فكما يحتاج المتحدث مثلًا إلى تلوين صوته، وتغيير نبراته حسب سياق الكلام، والموضوع الذي يتحدث عنه، فالكاتب أيضا يحتاج إلى علامات الترقيم، ليكون قادرًا على التعبير بشكل أكثر دقة.
ومن علامات الترقيم الواجب مراعاتها في الكتابة، ما يأتي: الفاصلة أو الفارزة (،)، والفاصلة المنقوطة (؛)، وعلامة الاستفهام (؟)، والنقطتان الرأسيتان (:)، والنقطة (.)، والشرطة (-)، والشرطتان (- -)، وعلامة الحذف (…)، وعلامة التعجب (!)، وأقواس التنصيص (” “)، والقوسان الهلاليان ( )، وغيرها. ولكل علامة استخدام مختلف، ودلالة معينة. وإنَّ الفهم الجيد لاستخدام هذه العلامات، يعزز من قدرة الكاتب على التعبير عن أفكاره بشكل أفضل، ويقلل من احتمالية سوء الفهم من قبل القارئ، كما تضيف علامات الترقيم إيقاعًا، ونغمة، للنص، مما يساعد في التعبير عن المشاعر، والأحاسيس بطريقة أفضل.
كما أنَّ الوقوف عند هذه العلامات وفقًا لمواضعها الصحيحة، يساعد على الترابط بين الجمل، مما يعطي انطباعًا طيبًا، ومريحًا، في نفس المتلقي، سواء كان قارئًا أم سامعًا. في حين إذا ما خلا النص من علامات الترقيم، فإنَّ هذا النقص قد يؤدي إلى اضطراب المعنى، أو شعور المتلقي بالغموض، لذلك أصبح خلو النص من علامات الترقيم، عيبًا واضحًا يَعيب الكاتب.
عليه، يجب أن لا يستهين الباحث العلمي، أو يهمل، علامات الترقيم، ومدى أهميتها في بحثه؛ لما لها –كما ذكرنا آنفًا- من أهمية لاسيَّما في المقالات، والدراسات، والبحوث العلمية، وأهميتها تكمن في إزالة اللبس أو الخطأ في فهم الكلمات، وتوضيح معانيها للمتلقي، وتفسير الجمل، والمحافظة على تسلسل الأفكار التي يطرحها الباحث في بحثه، لتساعد المتلقي على فهم الموضوع الذي يدرس، ويتحدث عنه. كما أنَّ نقص علامات الترقيم يؤدي إلى اختلاط المعنى عند المتلقي، أو حتى تغييره، أو عدم التمييز بين كلام الكاتب، والكلام المقتبس أو المنقول مثلًا.