الاستراتيجية الإيرانية في التحكم بالأمن الطاقوي في الشرق الأوسط عبر مضيق هرمز

      التعليقات على الاستراتيجية الإيرانية في التحكم بالأمن الطاقوي في الشرق الأوسط عبر مضيق هرمز مغلقة

واثق علي جابر
قسم الدراسات السياسية
يُعدُّ مضيق هرمز أحد أهم الممرات المائية في العالم، ويقع بين إيران شمالاً، وكل من الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عُمان جنوبًا، ويربط الخليج العربي بخليج عُمان، وبحر العرب، فالمحيط الهندي. ويبلغ طول المضيق نحو (161) كيلومتراً، ويضيق عرضه إلى حوالي (32) كيلومتراً في أضيق نقطة، مع ممرات ملاحية لا تتجاوز (3) كيلومترات لكل اتجاه، ما يجعله منطقة بحرية مزدحمة، وحساسة، للغاية.
يمثل مضيق هرمز شريانًا حيويًا لأمن الطاقة في الشرق الأوسط، والعالم، إذ يمر عبره نحو (20%) من إجمالي استهلاك النفط العالمي، أي ما يعادل حوالي (20) مليون برميل يوميًا، فضلًا عن كميات ضخمة من الغاز الطبيعي المسال، ولاسيَّما من قطر، أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم. تعتمد دول الخليج، مثل: السعودية، والعراق, وإيران، والكويت، والإمارات، وقطر، بشكل شبه كامل على هذا الممر، لتصدير نفطها، وغازها، إلى الأسواق العالمية، ولاسيَّما إلى آسيا، وأوروبا.
الأهمية الجيواستراتيجية والاقتصادية لمضيق هرمز
إنَّ الأهمية الاستراتيجية لمضيق هرمز، تتزايد تزايدًا مهمًا وبارزًا، إذ تصدر إيران (90%) من نفطها عن طريق مضيق هرمز, والسعودية حوالي (88%), والعراق (98%)، والامارات (99%), والكويت (100%). تعتمد اقتصادات كبرى، مثل: الصين، والهند، واليابان، وكوريا الجنوبية، بشكل كبير على النفط، والغاز، المار عبر مضيق هرمز، إذ تُشكل هذه الدول الوجهة الرئيسة لصادرات الطاقة من الخليج.


يقع المضيق بين إيران، وسلطنة عمان، ويربط الخليج العربي بخليج عمان، وبحر العرب. عند أضيق نقطة، لا يتجاوز عرضه (33) كيلومترًا، في حين يبلغ عرض الممرات الملاحية فيه (3) كيلومترات فقط في كل اتجاه، ما يجعله نقطة اختناق استراتيجية بالغة الحساسية، مما يجعله نقطة ضغط جيوسياسية رئيسة.
تزايدت أهمية المضيق مع تصاعد التوترات في المنطقة، لاسيَّما بين إيران، وإسرائيل، إذ تهدد إيران مرارًا بإغلاق المضيق، كرد فعل على الضغوط أو الهجمات الغربية، ما يثير مخاوف عالمية من تعطيل إمدادات الطاقة. كما أنَّ أي تصعيد عسكري أو إغلاق فعلي للمضيق، قد يؤدي إلى ارتفاع حادٍ في أسعار النفط، والغاز، ويهدد استقرار سلاسل الإمداد العالمية، وقد يتسبب في أزمات اقتصادية تتجاوز حدود الشرق الأوسط.
تشير تقديرات بنوك عالمية، مثل: “غولدمان ساكس”، و”جي بي مورغان”، إلى أنَّ إغلاق المضيق، أو حتى تقليص تدفقات النفط عبره للنصف، قد يدفع أسعار النفط إلى مستويات تتجاوز (110-130) دولارًا للبرميل في فترة وجيزة، كما أنَّ استمرار التوترات، أو حدوث هجمات على ناقلات النفط، قد يؤدي إلى تدخل عسكري مباشر من القوى الكبرى، لاسيَّما الولايات المتحدة، التي يتمركز أسطولها الخامس في البحرين، لحماية الملاحة في المنطقة.
ويعدُّ الشرق الأوسط حجر الزاوية في منظومة الطاقة العالمية، ليس فقط لوفرة موارده، بل لأنَّه يضم عددًا من أكبر منتجي النفط والغاز، ومصدريهما في العالم، مما يجعله الشريان الحيوي الذي يغذي الاقتصاد العالمي، لاسيَّما هذه الدول (السعودية, والعراق, وإيران, وقطر, والكويت, والإمارات)، تعدُّ مصدر الطاقة في الشرق الأوسط، إذ أصبح منطقة مركزية لعمل أسواق الطاقة العالمية، ويضم (5) من أكبر (10) منتجين للنفط في العالم (السعودية، والعراق، والإمارات، وإيران، والكويت)، و(3) من أكبر (20) منتجًا للغاز (إيران، وقطر، والسعودية)، وقد شكَّلت المنطقة أكثر من (4) من كل (10) براميل من صادرات النفط العالمية في عام (2022)، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
التحديات أمام الاستراتيجية الإيرانية
تعدُّ الاستراتيجية الإيرانية في التحكم بأمن الطاقة عبر مضيق هرمز، عن طريق التهديدات العسكرية بإغلاقه، مدعوم بموقعها الجغرافي الاستراتيجي، إذ يمثل هذا المضيق نقطة اختناق حيوية، واستراتيحية، ضمن الساحل الإيراني, وقد هدد المسؤولون الإيرانيون بإغلاق المضيق، في وجه الملاحة الدولية في مناسبات عديدة.
إذ تبنى الاستراتيجية الإيرانية حيال المضيق، عن طريق السعي الدائم إلى التحكم به، وتوظيف هذه الأهمية الاستراتيجية لصالحها. فالمضيق له المكانة الأولى بين مضائق العالم، وإنَّ أمنه مرتبط بأمن الطاقة، الذي يربط بأمن الدول الصناعية الكبرى, إذ وقعت سلسلة من الأحداث البحرية بين الولايات المتحدة، وإيران، وقد هددت إيران بإغلاق المضيق، وقد ردت الولايات المتحدة على إيران بأنَّ أي إغلاق للمضيق، سيعامل كعمل حربي، بسبب أهمية المضيق على النطاق العالمي. وفي (2012) هددت بإغلاقه ردًا على العقوبات الاقتصادية الأمريكية _الاوربية، بسبب برنامجها النووي. وفي (2015) أطلقت السفن الحربية الإيرانية، على ناقلة نفط تحمل علم سنغافورة. وفي (2018) لمَّحَ الرئيس الإيراني الأسبق (حسن روحاني)، بأنَّ بلاده قد تلجأ إلى إغلاق مضيق هرمز، ردًا على دعوات أمريكية بمنع صادرات النفط الإيرانية. في نيسان /ابريل عام (2019)، عادت مجددًا إيران للتهديد بإغلاق المضيق، في حال منعت إيران من تصدير النفط، حيث منحت الولايات المتحدة الأمريكية إعفاءً لأهم مشتري النفط الإيراني، ينتهي هذا الاعفاء في 1 أيار 2019، حيث كان أهم مشتري النفط الإيراني، هي مجموعة الدول (الصين, والهند, واليابان, وكوريا الجنوبية, وتركيا, واليونان, وإيطاليا)، وقد رفض عدد من الدول هذه الإجراءات، ومنها تركيا، إذ قال وزير الخارجية التركي حينها: “إنَّ بلاده لا تستطيع تنويع وارداتها النفطية بسهولة”.
وعليه فإنَّ مضيق هرمز يعدُّ بالنسبة للتوجه الاستراتيجي الإيراني، البوصلة التي لا يمكن الإفلات منها، لأنَّه يمثل الرهان الاستراتيجي الذي يجب عدم التفريط به، وينبغي الربح به، عن طريق استخدامه كأداة استراتيجية للضغط على الأطراف الدولية.
التوجه الاستراتيجي للولايات المتحدة الامريكية تجاه مضيق هرمز
تطور السياسة الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، تجاه منطقة الخليج العربي، ومضيق هرمز, بوصفها منطقة حيوية لمصالح واشنطن الأمنية، والاقتصادية. فمنذ سبعينيات القرن العشرين، شهدت هذه الاستراتيجية تحولات جوهرية نتيجة لعوامل دولية, أبرزها حظر النفط عام (1973), وصعود الاتحاد السوفيتي ومن ثم تفككه, واندلاع الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، وصولاً إلى أحداث 11 سبتمبر 2001.
أظهرت الحقبة الكارترية (1977-1981)، بداية بلورة الاهتمام الأمريكي المباشر بمنطقة الخليج, إذ عدّت هذه المنطقة “الخليج العربي”، منطقة مصلحة قومية تستدعي التدخل العسكري المباشر لحماية تدفق النفط, وقد عززت إدارة جورج بوش الأب (1989-1993) هذا التوجه, إذ عبرت بوضوح عن ضرورة الهيمنة الكاملة على النفط، وموارده، لضمان استمرار السيطرة الامريكية في القرن الحادي والعشرين. كما أظهرت حرب الخليج الثانية (1990)، تأكيدًا على هذا التوجه, عن طريق تحويل منطقة الخليج منطقة مطوقة عسكريًا.
فيما تبنت إدارة جورج بوش الأبن (2001-2009)، ما يسمى “بمبدأ بوش”، والذي أقرَّ استخدام القوة لضمان المصالح الأمريكية, بما في ذلك احتلال العراق عام (2003), للسيطرة على مصادر الطاقة. أمَّا في عهد باراك أوباما (2009-2017), فقد استمر التوجه الاستراتيجي ذاته, مؤكداً على أهمية مضيق هرمز، كأولوية في أجندة الأمن القومي الأمريكي، إلى جانب مكافحة الإرهاب، وضمان أمن إسرائيل.
إنَّ الاستراتيجية لم تكن موحدة، بل تشكلت تدريجيًا كردة فعل على الأحداث، والتغيرات الجيوسياسية، حتى تبلورت بوصفها رؤية ثابتة بعد الحرب الباردة.