الاستهداف الاسرائيلي لقطر.. قراءة في الاسباب والتداعيات

      التعليقات على الاستهداف الاسرائيلي لقطر.. قراءة في الاسباب والتداعيات مغلقة

ا.م.د. حمد جاسم محمد الخزرجي
باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية/ قسم ادارة الازمات
9 ايلول 2025
منذ تأسيس الكيان الاسرائيلي المحتل الى اليوم لم تستهدف اسرائيل دول الخليج العربية بشكل مباشر بالغارات الجوية والصواريخ، بل اقتصر عملها على عمليات اغتيال سرية ينفذها الموساد وعملاءه بالمنطقة ضد قيادات فلسطينية من خلال الاسلحة الكاتمة والتسميم، وشملت عدة دول عربية واجنبية، ونفذت عملية واحدة في مدينة دبي في دولة الامارات العربية واغتيل بها (محمود المبحوح) أحد قادة كتائب عز الدين القسام، بعد صعقه بالكهرباء داخل غرفته ومن ثم جرى خنقه حتى لفظَ أنفاسه على يدِ «مرتزقة» يتبعون الموساد الإسرائيلي، الا ان احداث 7 اكتوبر 2023 قد غيرت وجه المنطقة والعالم بشكل كبير، والى جانب المجازر التي ارتكبتها اسرائيل ضد اهالي غزة والتهجير والدمار والتجويع واستهداف الكوادر الطبية والمستشفيات وسط صمت عالمي وعربي واسلامي مطبق، فان الكيان المحتل اتخذ خطا اخر وهو استهداف القيادات الفلسطينية بشكل مباشر في دول ذات سيادة وبعيدة عنه، كما حصل في اغتيال (اسماعيل هنية) في 31 تموز 2024 في طهران، وقيادات مهمة اخرى في بيروت ودمشق، واخرها استهداف قيادات فلسطينية مقيمة في قطر ومن ضمن فريق التفاوض في اجتماع لهم في الدوحة اليوم 9 ايلول 2025، وهناك اسباب عديدة لهذا الاستهداف منها:
1- الدعم الامريكي- الاوربي الغير المحدود لإسرائيل في هذه الحرب والذي شمل الدعم العسكري الاستخباراتي والمالي والاعلامي وعلى مستوى المؤسسات الدولية، اذ ان حسب التقارير الاسرائيلية فان الولايات المتحدة كانت على علم بالعملية وان هناك طائرات تجسس امريكية وبريطانية في اجواء قطر اثناء تنفيذ العملية، هذا الدعم اعطى لإسرائيل الضوء الاخضر للقيام بانتهاك القانون الدولي وعدم احترام سيادة الدول، بل ان اسرائيل اصبحت وفق العديد من التقارير اداة امريكا في المنطقة للدفاع عن مصالحها.
2- رغم كل الدمار الذي حل بقطاع غزة والتجويع والمجازر فان ما تقوم به المقاومة بين الحين والاخر من عمليات تستهدف قوات العدو وسقوط قتلى وجرحى منهم، وعدم تمكن جيش الكيان بكل ما يملك من معدات متطورة ودعم امريكي من الوصول الى المجاهدين او معرفة اماكن اسراهم في غزة، جعل العدو الاسرائيلي يقوم بعمليات انتقامية ضد قادة حماس في الخارج للانتقام منهم.
3- ان الضغوط الداخلية على رئيس وزراء العدو الاسرائيلي (بنيامين نتنياهو) ولاسيما من اهالي الاسرى لدى حماس والتي وصلت الى حد الاعتصام امام مقرات الحكومة ومنازل الوزراء، كذلك وجود نوع من التمرد الخفي من قبل قوات الجيش ولاسيما قوات الاحتياط ورفض بعض الافراد الانضمام للجيش وموصلة الحرب، وجود معارضة سياسية قوية ضد رئيس (نتنياهو) ومطالبتها الموافقة على الحلول التي تطرح لإنهاء الحرب، كلها عوامل جعلت الحكومة الاسرائيلية المتشددة تقوم بأعمال عسكرية ضد دول عربية مجاورة مثل سوريا ولبنان او اغتيالات من اجل تخفيف الضغوط الداخلية عليها.
4- وجود تحرك دولي جدي بإقامة الدولة الفلسطينية والتنديد بالانتهاكات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، ولاسيما من جانب الامين العام للأمم المتحدة بعض قادة الدول الاوربية والتي كانت تعد داعم اساس لإسرائيل قيل حرب غزة، وفرض بعضها عقوبات على الكيان المحتل، اذ استعدت اسبانيا سفيرها من تل ابيب ومنعت رسو السفن او مر ور الطائرات التي تحمل الاسلحة الى اسرائيل، ومنع بعضها دخول وزراء من حكومة (نتنياهو) الى اراضيها، كذلك اصدار المحكمة الجنائية الدولية اوامر قيض بحق رئيس الوزراء الاسرائيلي (نتنياهو) ووزير الامن (بن غفير) ووزير المالية (سموتريش)، كل ذلك جعلت (نتنياهو) وحكومته المتشددة يشعران بالعزلة الدولية وهو ما جعلهما ينفذان عمليات انتقامية ضد فصائل المقاومة وقادتها.
5- العمليات الاستشهادية داخل منطقة الخط الاخضر في القدس وغيرها او في الضفة الغربية والتي تستهف جنود وافراد من الصهاينة واخرها عملية القدس في 8 ايلول 2025 والتي نفذها شابان في القدس والتي اسفرت عن مقتل وجرح العشرات من الصهاينة، اذ زار (نتنياهو) مكان الحادث واطلق عبارات تهديد ضد الشعب الفلسطيني وحماس، وهو سبب اخر لعملية الدوحة اليوم.
ورغم ان العملية لم تحقق كل اهدافها والضحايا كانوا من الحمايات وعوائل القادة، الا ان هذه الضربة الاسرائيلية ضد قطر شكلت منعطف خطير في مسار الحرب الجارية في غزة وان الحرب خرجت من كونها بين فصائل فلسطينية واسرائيل الى حرب شاملة جعلت اغلب دول المنطقة في مرمى الاستهداف الاسرائيلي، وقد تضع المنطقة على حافة الخطر ومن تداعياتها الاخرى:
1- اثبتت هذه الضربة ضعف الامن العربي بشكل خاص وامن المنطقة بشكل عام، اذ ان مرور الطائرات والصواريخ الاسرائيلية عبر اجواء دول عربية تمتلك ترسانات من الاسلحة لضرب دولة عربية اخرى مثل اليمن وقطر جعل منها دول ضعيفة وغير قادرة على حماية امنها القومي ناهيك عن دعم النضال الفلسطيني، كما ان الحديث عن تعاون عربي اصبح من الماضي، وان كل دولة عربية واسلامية اليوم تبحث عن ما يبعدها عن الصراع في المنطقة وتجنب الاستهداف، حتى قطر اليوم وعلى لسان المتحدث الرسمي كان ردها التنديد والاستنكار وانها سوف تنسحب من الوساطة في هذه الحرب، وهو ما يريده الكيان المحتل من ابعاد الدول العربية عن اي دعم او مساعدة لأهالي غزة مهما كان ذلك الدعم.
2- اثبتت الضربات الإسرائيلية اليوم على قطر وقوف الولايات المتحدة ويشكل علني مع اسرائيل ضد اي دولة في المنطقة مهما كانت هذه الدولة حليفة لها، قطر اليوم تستضيف اكبر القواعد العسكرية الامريكية في المنطقة وهي (السيلية والعديد) وهي حليف استراتيجي للولايات المتحدة، كما انها قبل اشهر قدمت اكثر من تريلون دولار وطائرة خاصة خلال زيارة الرئيس (ترامب) للمنطقة، كما انها من اكبر مشتري الاسلحة الامريكية، اذ ان وحسب التصريحات الاسرائيلية فان الحكومة الامريكية كانت على علم بالضربات الاسرائيلية على قطر، وهنا فان هذه الضربة اشرت الى ان كل دول المنطقة بما فيها الدول الخليجية الخليفة لأمريكا في بوتقة الاستهداف الاسرائيلي وليس هناك دول عربية خليجية بأمن من الحرب وان اسرائيل هي جزء اساس من الولايات المتحدة وامنها القومي.
3- الضربة الاسرائيلية على قطر اليوم وجهة رسالة قوية الى دول الاقليم الاخرى غير العربية مثل ايران وتركيا وباكستان ان امنها القومي على المحك وان الولايات المتحدة قد تساعد اسرائيل في توجبه ضربات عسكرية مماثلة مستقبلا ضدها ان تطلب الامر ذلك، علما ان الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل قد استهدفت ايران قبل اشهر وخاصة ضرب منشآت نووية محمية وتحت اشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما سوف يقود الى تغيير في مسار الاحداث في المنطقة، وهو ما سوف يقود الى قيام هذه الدول ولاسيما تركيا وباكستان الى بناء تحالفات جديدة بعيدا عن الولايات المتحدة لحماية امنها القومي.
4- ان الاعتداءات الاسرائيلية على دول المنطقة سوف تأسس لنوع جديد من التعامل في العلاقات الدولية قائم على اساس القوة العسكرية وهو ما يقود الى تراجع الحلول السلمية للخلافات بين الدول ويقود ايضا الى انتهاك القانون الدولي وعدم احترام قواعد القانون الدولي الانساني، اليوم هماك دول تمتلك اسلحة متطورة وحتى اسلحة نووية، وهي قد تستخدمها ان شعرت ان امنها القومي مهدد بالخطر، وهو ما يقود بالتالي الى حدوث فوضى على مستوى العلاقات الدولية ومن سياسة التعاون الى سياسة التهديد .