هل يشغل العراق حيزا في المصالح الأميركية في الشرق الأوسط؟

      التعليقات على هل يشغل العراق حيزا في المصالح الأميركية في الشرق الأوسط؟ مغلقة

د. حسين أحمد السرحان

يتصور الكثير في العراق، من أعلام، ومحللين، وساسة، ومؤثرين، أنَّ العراق يشكّل محورًا مهمًا، في السياسة الخارجية للإدارة الأميركية، برئاسة ترامب في مرحلة رئاسته الثانية، وضمن الأولويات الأميركية، ويسوقون للرأي العام أنَّ البلد ضمن دائرة التوتر، والصراع، في المنطقة.
الواقع يختلف كثيرًا إذا ما نظرنا للأمور، والتطورات، في المنطقة بحيادية، وموضوعية، فقضايا الصراع في غزة، واليمن، تحتل أولوية للسياسة الأميركية في المرحلة الآنية. الاهتمام الأميركي، ومنذ تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، في منطقة الشرق الأوسط، اشتمل على بعض المصالح الرئيسة طويلة الأمد لأميركا، وهي (أمن الطاقة، ودعم شركاء الولايات المتحدة، والاستقرار الإقليمي، وحرية الملاحة، ومنع الحرب، ومكافحة الإرهاب، واحتواء إيران والحد من نفوذها، ومنع انتشار الأسلحة النووية). كما أنَّ الأولويات التي حددتها الإدارة الثانية للرئيس دونالد ترامب في المنطقة، تشتمل على ردع إيران، ومكافحة الشبكات الإرهابية، وتوسيع التعاون الاقتصادي، والتكنولوجي، مع الشركاء الرئيسين.
كانت زيارة الرئيس ترامب إلى المملكة العربية السعودية، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، في منتصف أيار الماضي، وهي رحلة تضمنت تحولًا سياسيًا كبيرًا، لرفع العقوبات عن سوريا، والاجتماع برئيسها الحالي أحمد الشرع، واتفاقيات تعاون في مجال التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، تُمثل تطورًا جيوسياسيًا وجيواقتصاديًا كبيرًا. ولم يكن العراق ضمن جدول اهتمام زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة، ولا حتى بإشارة مباشرة، أو طرح رؤية مستقبلية حول المنطقة، ومن ضمنها العراق.
على الرغم من كل ذلك، ومع تخندق التفكير لدى الكتل السياسية (قوميًا وطائفيًا)، وهي صفة ملازمة لتلك الكتل بعد الاحتلال الأميركي، والتغيير السياسي في العراق، في ظل عدم وجود مشروع دولة وطنية عابرة للقومية، والطائفية، جاء التدخل، والتهديد الأميركي بعقوبات أمنية، واقتصادية، في حال تمرير قانون الحشد الشعبي في مجلس النواب، بدعوى أنَّه يعزز النفوذ الإيراني في العراق، في وقت يمثل هدف ردع إيران، والحد من نفوذها، أحد أهم الأولويات الأميركية في المنطقة.
لكن هذا التدخل لا يدلُّ على اهتمام أميركي بالعراق، بقدر ما يدلّ على أنَّ النظرة الأميركية للعراق، تتمحور حول أنَّ العراق في الطرف المعادي للمصالح الأميركية، على المدى المتوسط، والبعيد. كما أنَّه يدلُّ على أنَّ مضمون النظرة الأميركية حول العراق، بأنَّ القرار العراقي السياسي، والأمني، ما زال خارج إرادة العراقيين، وبعيدًا عن مصالح الدولة العراقية، وإنكارًا للدور الأميركي في دعم الدولة العراقية أمنيًا، وسياسيًا، واقتصاديًا. وهذه النظرة هي من حركت الإدارة الأميركية، في موقفها الأخير المتشدد تجاه أي خطوة سياسية، أو تشريعية، تُرَسِّخ الدور والنفوذ الإيراني في العراق.
صانع القرار في العراق غير مهيّأ بعد، لاستيعاب طبيعة التقاطع بين المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى، والفاعلين الإقليميين، وطبيعة الأدوار الجيوسياسية والجيواقتصادية لهما في المنطقة، وما زالت “القوى السياسية” في مرحلة ما قبل تشرين الأول (2023)، وما تبعها من تطورات في غزة، ولبنان، وسوريا، وأخيرًا الحرب الإيرانية الإسرائيلية.
تلك القوى، وبفعل عدم امتلاكها لمشروع بناء دولة وطنية، ما زالت توظف مصلحة الطائفة والقومية –لإيهام جماهيرها ومؤيديها – بهدف تعزيز المصالح الحزبية، ومصالح “زعمائها” المالية، والسياسية، واستدامة تلك المصالح. وبدلًا من التركيز في الدولة، ومؤسساتها، يجري تسويف الواقع باختلاق تهديدات إقليمية على أساس طائفي، واختلاق أعداء للدولة على أساس طائفي، عبر وسائل الإعلام المحلية المملوكة لتلك القوى، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصاتهم الإلكترونية.
هذا الوضع واضح في الداخل، كما هو واضح لدى المجتمع الدولي، والدول الكبرى، والإقليمية الفاعلة في المنطقة، لذلك لا تتعدى النظرة الدولية للعراق، على أنَّه دولة هشة سياسيًا، واقتصاديًا، وأمنيًا، مسلوبة القرار السياسي، والأمني. وبهذا الوضع لا يمكن لدولة أن تسعى إلى الاهتمام، بأن تشارك مصالحها الاستراتيجية مع دولة هشة.
ولهذا، وبعد تنفيذ المرحلة الأولى من الانسحاب الأميركي من بغداد، والأنبار، باتجاه أربيل، أبدت الإدارة الأميركية مخاوفها من عودة تنظيم داعش الإرهابي لملمة شتاته، وتعزيز قدراته. فضلًا عن تأكيدها مواصلة رصد، ومساعدة القوات الأمنية العراقية، في التصدي للتنظيم الارهابي حتى أيلول (2026).
لذلك حتى نستدعي الاهتمام الدولي بالعراق، ينبغي وضع مشروع لبناء دولة وطنية، تضم الأعراق، والديانات، والطوائف، كافة، ويكون فيها الإنسان محور الاهتمام، وتكون لها سيادتها على كامل إقليمها، بمنظومة أمنية واحدة، وقرار أمني واحد، ويتم تنضيج قرارها السياسي، والاقتصادي، والأمني، بناءً على مصالحها، وبما يعزز من قوة مؤسساتها، ومقومات أمنها الوطني، والقومي. ولا نتصور أنَّ “القوى السياسية” الحالية، ووفق منطلقاتها الفئوية الضيقة، التي وصلت لمستوى الطائفة، والحزب، والعائلة، المسيطرة على الحزب، قادرة على وضع مشروع دولة، بعد أكثر من عقدين من الفشل، كما لا يمكن للانتخابات التشريعية القادمة، أن تنتج قوى سياسية جديدة، في ظل حملة الاقصاء ضد المختلفين سياسيًا في الداخل، وإبعادهم من الانتخابات تحت يافطة المساءلة والعدالة، وشبهات فساد، وغيرها. وإذا ما تمَّ تطبيق معيار شبهات الفساد لوحده، على كل مرشحي “القوى السياسية”، لتمَّ إبعاد الجميع من المشاركة، وتكون انتخابات بلا مرشحين، لكن الازدواجية في تطبيق المعايير، هو من أخطر سمات “الدولة” بعد (2003)، وهو ما أسهم في ضعف سيادة القانون، والأسوأ أصبح القانون وسيلة للإقصاء.